Roman Script    Reciting key words            Previous Sūrah    Quraan Index    Home  

7) Sūrat Al-'A`rāf

Printed format

7) سُورَة الأَعرَاف

Toggle thick letters. Most people make the mistake of thickening thin letters in the words that have other (highlighted) thick letter Toggle to highlight thick letters خصضغطقظ رَ
007-001 سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة. أَلِف-لَام-مِيم-‍‍صَ‍‍ا‌د
007-002 هذا القرآن كتاب عظيم أنزله الله عليك -أيها الرسول- فلا يكن في صدرك شك منه في أنه أنزل من عند الله، ولا تتحرج في إبلاغه والإنذار به، أنزلناه إليك؛ لتخوف به الكافرين وتذكر المؤمنين. كِت‍‍َ‍ابٌ ‌أُ‌ن‍‍زِلَ ‌إِلَ‍‍يْ‍‍كَ فَلاَ‌ يَكُ‍‌‍نْ فِي صَ‍‍دْ‌رِكَ حَ‍رَجٌ‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هُ لِتُ‍‌‍ن‍‍ذِ‌ر‍َ‍‌ بِ‍‍هِ ‌وَ‌ذِكْ‍رَ‌ى‌ لِلْمُؤْمِنِينَ
007-003 اتبعوا -أيها الناس- ما أُنزل إليكم من ربكم من الكتاب والسنة بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، ولاتتبعوا من دون الله أولياء كالشياطين والأحبار والرهبان. إنكم قليلا ما تتعظون، وتعتبرون، فترجعون إلى الحق. اتَّبِعُو‌ا‌ مَ‍‍ا‌ ‌أُ‌نْ‍‍زِلَ ‌إِلَيْكُمْ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّكُمْ ‌وَلاَ‌ تَتَّبِعُو‌ا‌ مِ‍‌‍نْ ‌دُ‌ونِهِ ‌أَ‌وْلِي‍‍َ‍ا‌ءَ‌ ۗ قَ‍‍لِيلا‌ ً‌ مَا‌ تَذَكَّرُ‌ونَ
007-004 وكثير من القرى أهلكنا أهلها بسبب مخالفة رسلنا وتكذيبهم، فأعقبهم ذلك خزي الدنيا موصولا بذلِّ الآخرة، فجاءهم عذابنا مرة وهم نائمون ليلا ومرة وهم نائمون نهارًا. وخَصَّ الله هذين الوقتين؛ لأنهما وقتان للسكون والاستراحة، فمجيء العذاب فيهما أفظع وأشد. وَكَمْ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍رْيَةٍ ‌أَهْلَكْنَاهَا‌ فَج‍‍َ‍ا‌ءَهَا‌ بَأْسُنَا‌ بَيَاتاً‌ ‌أَ‌وْ‌ هُمْ قَ‍‍ائِلُونَ
007-005 فما كان قولهم عند مجيء العذاب إلا الإقرار بالذنوب والإساءة، وأنهم حقيقون بالعذاب الذي نزل بهم. فَمَا‌ ك‍‍َ‍انَ ‌دَعْوَ‌اهُمْ ‌إِ‌ذْ‌ ج‍‍َ‍ا‌ءَهُمْ بَأْسُنَ‍‍ا‌ ‌إِلاَّ‌ ‌أَ‌نْ قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌إِنَّ‍‍ا‌ كُ‍‍نَّ‍‍ا‌ ظَ‍‍الِمِينَ
007-006 فلنسألن الأمم الذي أرسل إليهم المرسلون: ماذا أجبتم رسلنا إليكم؟ ولنسْألَنَّ المرسلين عن تبليغهم لرسالات ربهم، وعمَّا أجابتهم به أممهم. فَلَنَسْأَلَ‍‍نَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أُ‌رْسِلَ ‌إِلَيْهِمْ ‌وَلَنَسْأَلَ‍‍نَّ ‌الْمُرْسَلِينَ
007-007 فلَنقُصَّنَّ على الخلق كلهم ما عملوا بعلم منا لأعمالهم في الدنيا فيما أمرناهم به، وما نهيناهم عنه، وما كنا غائبين عنهم في حال من الأحوال. فَلَنَ‍‍قُ‍‍صَّ‍‍نَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍۖ ‌وَمَا‌ كُ‍‍نَّ‍‍ا‌ غَ‍‍ائِبِينَ
007-008 ووزن أعمال الناس يوم القيامة يكون بميزان حقيقي بالعدل والقسط الذي لا ظلم فيه، فمن ثقلت موازين أعماله -لكثرة حسناته- فأولئك هم الفائزون. وَ‌الْوَ‌زْنُ يَوْمَئِذ‌‌ٍ‌الْحَ‍‍قُّ ۚ فَمَ‍‌‍نْ ثَ‍‍قُ‍‍لَتْ مَوَ‌ا‌زِينُ‍‍هُ فَأ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ هُمُ ‌الْمُفْلِحُونَ
007-009 ومن خَفَّتْ موازين أعماله -لكثرة سيئاته- فأولئك هم الذين أضاعوا حظَّهم من رضوان الله تعالى، بسبب تجاوزهم الحد بجحد آياتالله تعالى وعدم الانقياد لها. وَمَ‍‌‍نْ خَ‍‍فَّتْ مَوَ‌ا‌زِينُ‍‍هُ فَأ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ خَ‍‍سِرُ‌و‌ا‌ ‌أَ‌ن‍‍فُسَهُمْ بِمَا‌ كَانُو‌ا‌ بِآيَاتِنَا‌ يَ‍‍ظْ‍‍لِمُونَ
007-010 ولقد مكَّنَّا لكم -أيها الناس- في الأرض، وجعلناها قرارًا لكم، وجعلنا لكم فيها ما تعيشون به من مطاعم ومشارب، ومع ذلك فشكركم لنعم الله قليل. وَلَ‍قَ‍‍دْ‌ مَكَّ‍‍نَّ‍‍اكُمْ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ ‌وَجَعَلْنَا‌ لَكُمْ فِيهَا‌ مَعَايِشَ ۗ قَ‍‍لِيلا‌ ً‌ مَا‌ تَشْكُرُ‌ونَ
007-011 ولقد أنعمنا عليكم بخلق أصلكم -وهو أبوكم آدم من العدم- ثم صوَّرناه على هيئته المفضلة على كثير من الخلق، ثم أمرنا ملائكتنا عليهم السلام بالسجود له -إكرامًا واحترامًا وإظهارًا لفضل آدم- فسجدوا جميعًا، لكنَّ إبليس الذي كان معهم لم يكن من الساجدين لآدم؛ حسدًا له على هذا التكريم العظيم. وَلَ‍قَ‍‍دْ‌ خَ‍‍لَ‍‍قْ‍‍نَاكُمْ ثُ‍‍مَّ صَ‍‍وَّ‌رْنَاكُمْ ثُ‍‍مَّ قُ‍‍لْنَا‌ لِلْمَلاَئِكَةِ ‌اسْجُدُ‌و‌ا‌ لِأ‌دَمَ فَسَجَدُ‌و‌ا‌ ‌إِلاَّ‌ ‌إِبْ‍‍ل‍‍ِ‍ي‍‍سَ لَمْ يَكُ‍‌‍نْ مِنَ ‌ال‍‍سَّاجِدِينَ
007-012 قال تعالى منكرًا على إبليس تَرْكَ السجود: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك؟ فقال إبليس: أنا أفضل منه خلقًا؛ لأني مخلوق من نار، وهو مخلوق من طين. فرأى أن النار أشرف من الطين. قَ‍‍الَ مَا‌ مَنَعَكَ ‌أَلاَّ‌ تَسْجُدَ‌ ‌إِ‌ذْ‌ ‌أَمَرْتُكَ ۖ قَ‍‍الَ ‌أَنَا‌ خَ‍‍يْ‍‍ر‌ٌ‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هُ خَ‍‍لَ‍‍قْ‍‍تَنِي مِ‍‌‍نْ ن‍‍َ‍ا‌ر‌ٍ‌ ‌وَ‍خَ‍‍لَ‍‍قْ‍‍تَ‍‍هُ مِ‍‌‍نْ طِ‍‍ينٍ
007-013 قال الله لإبليس: فاهبط من الجنة، فما يصح لك أن تتكبر فيها، فاخرج من الجنة، إنك من الذليلين الحقيرين. قَ‍‍الَ فَاهْبِ‍‍ط‍ْ مِ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ فَمَا‌ يَك‍‍ُ‍ونُ لَكَ ‌أَ‌نْ تَتَكَبَّ‍رَ‌ فِيهَا‌ فَاخْ‍‍رُجْ ‌إِنَّ‍‍كَ مِنَ ‌ال‍‍صَّ‍‍اغِ‍‍رِينَ
007-014 قال إبليس لله -جل وعلا- حينما يئس من رحمته: أمهلني إلى يوم البعث؛ وذلك لأتمكن من إغواء مَن أقدر عليه من بني آدم. قَ‍‍الَ ‌أَ‌ن‍‍ظِ‍‍رْنِ‍‍ي ‌إِلَى‌ يَ‍‍وْمِ يُ‍‍بْ‍‍عَثُونَ
007-015 قال الله تعالى: إنك ممن كتبتُ عليهم تأخير الأجل إلى النفخة الأولى في القرن، إذ يموت الخلق كلهم. قَ‍‍الَ ‌إِنَّ‍‍كَ مِنَ ‌الْمُ‍‌‍ن‍‍ظَ‍‍رِينَ
007-016 قال إبليس لعنه الله: فبسبب ماأضللتني لأجتهدنَّ في إغواء بني آدم عن طريقك القويم، ولأصدَّنَّهم عن الإسلام الذي فطرتهم عليه. قَ‍‍الَ فَبِمَ‍‍ا‌ ‌أَ‍‍غْ‍‍وَيْتَنِي لَأَ‍قْ‍‍عُدَنَّ لَهُمْ صِ‍رَ‌اطَ‍‍كَ ‌الْمُسْتَ‍‍قِ‍‍يمَ
007-017 ثم لآتينَّهم من جميع الجهات والجوانب، فأصدهم عن الحق، وأُحسِّن لهم الباطل، وأرغبهم في الدنيا، وأشككهم في الآخرة، ولا تجد أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتك. ثُ‍‍مَّ لَآتِيَ‍‍نَّ‍‍هُمْ مِ‍‌‍نْ بَ‍‍يْ‍‍نِ ‌أَيْدِيهِمْ ‌وَمِ‍‌‍نْ خَ‍‍لْفِهِمْ ‌وَعَ‍‌‍نْ ‌أَيْمَانِهِمْ ‌وَعَ‍‌‍نْ شَم‍‍َ‍ائِلِهِمْ ۖ ‌وَلاَ‌ تَجِدُ‌ ‌أَكْثَ‍رَهُمْ شَاكِ‍‍رِينَ
007-018 قال الله تعالى لإبليس: اخرج من الجنة ممقوتًا مطرودًا، لأملأنَّ جهنم منك وممن تبعك من بني آدم أجمعين. قَ‍‍الَ ‌اخْ‍‍رُجْ مِ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ مَذْ‌ء‍ُ‍‌وما‌ ً‌ مَ‍‍دْحُو‌ر‌ا‌ ًۖ لَمَ‍‌‍نْ تَبِعَكَ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَ‍‍نَّ‍‍مَ مِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ ‌أَجْ‍‍مَعِينَ
007-019 ويا آدم اسكن أنت وزوجك حواء الجنة، فكُلا من ثمارها حيث شئتما، ولا تأكلا من ثمرة شجرة (عَيَّنها لهما)، فإن فعلتما ذلك كنتما من الظالمين المتجاوزين حدود الله. وَيَا‌آ‌دَمُ ‌اسْكُ‍‌‍نْ ‌أَ‌نْ‍‍تَ ‌وَ‌زَ‌وْجُكَ ‌الْجَ‍‍نَّ‍‍ةَ فَكُلاَ‌ مِ‍‌‍نْ حَ‍‍يْ‍‍ثُ شِئْتُمَا‌ ‌وَلاَ‌ تَ‍‍قْ‍‍‍رَبَا‌ هَذِهِ ‌ال‍‍شَّجَ‍رَةَ فَتَكُونَا‌ مِنَ ‌ال‍‍ظَّ‍‍الِمِينَ
007-020 فألقى الشيطان لآدم وحواء وسوسة لإيقاعهما في معصية الله تعالى بالأكل من تلك الشجرة التي نهاهما الله عنها؛ لتكون عاقبتهما انكشاف ما سُتر من عوراتهما، وقال لهما في محاولة المكر بهما: إنما نهاكما ربكما عن الأكل مِن ثمر هذه الشجرة مِن أجل أن لا تكونا ملَكين، ومِن أجل أن لا تكونا من الخالدين في الحياة. فَوَسْوَسَ لَهُمَا‌ ‌ال‍‍شَّيْ‍‍طَ‍‍انُ لِيُ‍‍بْ‍‍دِيَ لَهُمَا‌ مَا‌ ‌وُ‌و‌رِيَ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمَا‌ مِ‍‌‍نْ سَوْ‌آتِهِمَا‌ ‌وَ‍قَ‍‍الَ مَا‌ نَهَاكُمَا‌ ‌‍رَبُّكُمَا‌ عَ‍‌‍نْ هَذِهِ ‌ال‍‍شَّجَ‍رَةِ ‌إِلاَّ‌ ‌أَ‌نْ تَكُونَا‌ مَلَكَ‍‍يْ‍‍نِ ‌أَ‌وْ‌ تَكُونَا‌ مِنَ ‌الْ‍‍خَ‍‍الِدِينَ
007-021 وأقسم الشيطان لآدم وحواء بالله إنه ممن ينصح لهما في مشورته عليهما بالأكل من الشجرة، وهو كاذب في ذلك. وَ‍قَ‍‍اسَمَهُمَ‍‍ا‌ ‌إِنِّ‍‍ي لَكُمَا‌ لَمِنَ ‌ال‍‍نَّ‍‍اصِ‍‍حِينَ
007-022 فجرَّأهما وغرَّهما، فأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الاقترابمنها، فلما أكلا منها انكشفت لهما عوراتهما، وزال ما سترهما الله به قبل المخالفة، فأخذا يلزقان بعض ورق الجنة على عوراتهما، وناداهما ربهما جل وعلا ألم أنهكما عن الأكل من تلك الشجرة، وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدو ظاهر العداوة؟ وفي هذه الآية دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور، وأنه كان ولم يزل مستهجَنًا في الطباع، مستقبَحًا في العقول. فَدَلاَّهُمَا‌ بِ‍‍غُ‍‍ر‍ُ‍‌و‌ر‌‌ٍۚ فَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ ‌ذَ‌اقَ‍‍ا‌ ‌ال‍‍شَّجَ‍رَةَ بَدَتْ لَهُمَا‌ سَوْ‌آتُهُمَا‌ ‌وَ‍طَ‍‍فِ‍‍قَ‍‍ا‌ يَ‍‍خْ‍‍صِ‍‍ف‍‍َ‍انِ عَلَيْهِمَا‌ مِ‍‌‍نْ ‌وَ‌‍رَقِ ‌الْجَ‍‍نَّ‍‍ةِ ۖ ‌وَنَا‌دَ‌اهُمَا‌ ‌‍رَبُّهُمَ‍‍ا‌ ‌أَلَمْ ‌أَ‌نْ‍‍هَكُمَا‌ عَ‍‌‍نْ تِلْكُمَا‌ ‌ال‍‍شَّجَ‍رَةِ ‌وَ‌أَ‍قُ‍‍لْ لَكُمَ‍‍ا‌ ‌إِنَّ ‌ال‍‍شَّيْ‍‍طَ‍‍انَ لَكُمَا‌ عَدُ‌وّ‌ٌ‌ مُبِينٌ
007-023 قال آدم وحواء: ربنا ظلمنا أنفسنا بالأكل من الشجرة، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن ممن أضاعوا حظَّهم في دنياهم وأخراهم. (وهذه الكلمات هي التي تلقاها آدم من ربه، فدعا بها فتاب الله عليه). قَ‍‍الاَ‌ ‌‍رَبَّنَا‌ ظَ‍‍لَمْنَ‍‍ا‌ ‌أَ‌ن‍‍فُسَنَا‌ ‌وَ‌إِ‌نْ لَمْ تَ‍‍غْ‍‍فِ‍‍رْ‌ لَنَا‌ ‌وَتَرْحَمْنَا‌ لَنَكُونَ‍‍نَّ مِنَ ‌الْ‍‍خَ‍‍اسِ‍‍رِينَ
007-024 قال تعالى مخاطبًا آدم وحواء لإبليس: اهبطوا من السماء إلى الأرض، وسيكون بعضكم لبعض عدوًا، ولكم في الأرض مكان تستقرون فيه، وتتمتعون إلى انقضاء آجالكم. قَ‍‍الَ ‌اهْبِ‍‍طُ‍‍و‌ا‌ بَعْ‍‍ضُ‍‍كُمْ لِبَعْ‍‍ضٍ عَدُ‌وّ‌ٌۖ ‌وَلَكُمْ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ مُسْتَ‍‍قَ‍‍رّ‌ٌ‌ ‌وَمَت‍‍َ‍اع‌‍ٌ‌ ‌إِلَى‌ حِينٍ
007-025 قال الله تعالى لآدم وحوَّاء وذريتهما: فيها تحيون، أي: في الأرض تقضون أيام حياتكم الدنيا، وفيها تكون وفاتكم، ومنها يخرجكم ربكم، ويحشركم أحياء يوم البعث. قَ‍‍الَ فِيهَا‌ تَحْيَ‍‍وْنَ ‌وَفِيهَا‌ تَمُوت‍‍ُ‍ونَ ‌وَمِ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ تُ‍‍خْ‍رَجُونَ
007-026 يا بني آدم قد جعلنا لكم لباسًا يستر عوراتكم، وهو لباس الضرورة، ولباسًا للزينة والتجمل، وهو من الكمال والتنعم. ولباسُ تقوى الله تعالى بفعل الأوامر واجتنابالنواهي هو خير لباس للمؤمن. ذلك الذي مَنَّ الله به عليكم من الدلائل على ربوبية الله تعالى ووحدانيته وفضله ورحمته بعباده؛ لكي تتذكروا هذه النعم، فتشكروا لله عليها. وفي ذلك امتنان من الله تعالى على خَلْقه بهذه النعم. يَابَنِ‍‍ي ‌آ‌دَمَ قَ‍‍دْ‌ ‌أَ‌ن‍‍زَلْنَا‌ عَلَيْكُمْ لِبَاسا‌ ً‌ يُوَ‌ا‌رِي سَ‍‍وْ‌ء‌آتِكُمْ ‌وَ‌رِيشا‌ ً‌ ‌وَلِب‍‍َ‍اسُ ۖ ‌ال‍‍تَّ‍‍قْ‍‍وَ‌ى‌ ‌ذَلِكَ خَ‍‍يْ‍‍ر‌‌ٌ‌ ‌ذَلِكَ ۚ مِ‍‌‍نْ ‌آي‍‍َ‍اتِ ‌اللَّ‍‍هِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُ‌ونَ
007-027 يا بني آدم لا يخدعنَّكم الشيطان، فيزين لكم المعصية، كما زيَّنها لأبويكم آدم وحواء، فأخرجهما بسببها من الجنة، ينزع عنهما لباسهما الذي سترهما الله به؛ لتنكشف لهما عوراتهما. إن الشيطان يراكم هو وذريته وجنسه وأنتم لا ترونهم فاحذروهم. إنَّا جعلنا الشياطين أولياء للكفار الذين لا يوحدون الله، ولا يصدقون رسله، ولا يعملون بهديه. يَابَنِ‍‍ي ‌آ‌دَمَ لاَ‌ يَفْتِنَ‍‍نَّ‍‍كُمُ ‌ال‍‍شَّيْ‍‍طَ‍‍انُ كَمَ‍‍ا‌ ‌أَ‍خْ‍رَجَ ‌أَبَوَيْكُمْ مِنَ ‌الْجَ‍‍نَّ‍‍ةِ يَ‍‌‍ن‍‍زِعُ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمَا‌ لِبَاسَهُمَا‌ لِيُ‍‍رِيَهُمَا‌ سَ‍‍وْ‌ء‌آتِهِمَ‍‍ا‌ ‌إِنَّ‍‍هُ ۗ يَ‍رَ‌اكُمْ هُوَ‌ ‌وَ‍قَ‍‍بِيلُ‍‍هُ مِ‍‌‍نْ حَ‍‍يْ‍‍ثُ لاَ‌ تَ‍رَ‌وْنَهُمْ ‌إِنَّ‍‍ا‌ ۗ جَعَلْنَا‌ ‌ال‍‍شَّيَاطِ‍‍ي‍‍نَ ‌أَ‌وْلِي‍‍َ‍ا‌ءَ‌ لِلَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ لاَ‌ يُؤْمِنُونَ
007-028 وإذا أتى الكفار قبيحًا من الفعل اعتذروا عن فعله بأنه مما ورثوه عن آبائهم، وأنه مما أمر الله به. قل لهم -أيها الرسول-: إن الله تعالى لا يأمر عباده بقبائح الأفعال ومساوئها، أتقولون على الله -أيها المشركون- ما لا تعلمون كذبًا وافتراءً؟ وَ‌إِ‌ذَ‌ا‌ فَعَلُو‌ا‌ فَاحِشَة‌ ًقَ‍‍الُو‌ا‌ ‌وَجَ‍‍دْنَا‌ عَلَيْهَ‍‍ا‌ ‌آب‍‍َ‍ا‌ءَنَا‌ ‌وَ‌اللَّهُ ‌أَمَ‍رَنَا‌ بِهَا‌ ۗ قُ‍‍لْ ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ لاَ‌ يَأْمُرُ‌ بِ‍الْفَحْش‍‍َ‍ا‌ءِ‌ ۖ ‌أَتَ‍‍قُ‍‍ول‍‍ُ‍ونَ عَلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ مَا‌ لاَ‌ تَعْلَمُونَ
007-029 قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: أمر ربي بالعدل، وأمركم بأن تخلصوا له العبادة في كل موضع من مواضعها، وبخاصة في المساجد، وأن تدعوه مخلصين له الطاعة والعبادة، وأن تؤمنوا بالبعث بعد الموت. وكما أن الله أوجدكم منالعدم فإنه قادر على إعادة الحياة إليكم مرة أخرى. قُ‍‍لْ ‌أَمَ‍رَ‌ ‌‍رَبِّي بِ‍الْ‍‍قِ‍‍سْ‍‍طِ ۖ ‌وَ‌أَ‍قِ‍‍يمُو‌ا‌ ‌وُجُوهَكُمْ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ كُلِّ مَسْجِد‌ٍ‌ ‌وَ‌ا‌دْع‍‍ُ‍وهُ مُ‍‍خْ‍‍لِ‍‍صِ‍‍ي‍‍نَ لَهُ ‌ال‍‍دّ‍ِ‍ي‍‍نَ ۚ كَمَا‌ بَدَ‌أَكُمْ تَعُو‌دُ‌ونَ
007-030 جعل الله عباده فريقين: فريقًا وفَّقهم للهداية إلى الصراط المستقيم، وفريقًا وجبت عليهم الضلالة عن الطريق المستقيم، إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله، فأطاعوهم جهلا منهم وظنًا بأنهم قد سلكوا سبيل الهداية. فَ‍‍رِي‍‍ق‍‍اً‌ هَدَ‌ى‌ ‌وَفَ‍‍رِي‍‍ق‍‍اً‌ حَ‍‍قَّ عَلَيْهِمُ ‌ال‍‍ضَّ‍‍لاَلَةُ ۗ ‌إِنَّ‍‍هُمُ ‌اتَّ‍‍خَ‍‍ذُ‌و‌ا‌ال‍‍شَّيَاطِ‍‍ي‍‍نَ ‌أَ‌وْلِي‍‍َ‍ا‌ءَ‌ مِ‍‌‍نْ ‌د‍ُ‍‌ونِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَيَحْسَب‍‍ُ‍ونَ ‌أَنَّ‍‍هُمْ مُهْتَدُ‌ونَ
007-031 يا بني آدم كونوا عند أداء كل صلاة على حالة من الزينة المشروعة من ثياب ساترة لعوراتكم ونظافة وطهارة ونحو ذلك، وكلوا واشربوا من طيبات ما رزقكم الله، ولا تتجاوزوا حدود الاعتدال في ذلك. إن الله لا يحب المتجاوزين المسرفين في الطعام والشراب وغير ذلك. يَابَنِ‍‍ي ‌آ‌دَمَ خُ‍‍ذُ‌و‌ا‌ ‌زِينَتَكُمْ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ كُلِّ مَسْجِد‌ٍ‌ ‌وَكُلُو‌ا‌ ‌وَ‌اشْ‍رَبُو‌ا‌ ‌وَلاَ‌ تُسْ‍‍رِفُ‍‍و‌ا‌ ‌إِنَّ‍‍هُ ۚ لاَ‌ يُحِبُّ ‌الْمُسْ‍‍رِفِينَ
007-032 قل -أيها الرسول- لهؤلاء الجهلة من المشركين: مَن الذي حرم عليكم اللباس الحسن الذي جعله الله تعالى زينة لكم؟ ومَن الذي حرَّم عليكم التمتع بالحلال الطيب من رزق الله تعالى؟ قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إنَّ ما أحله الله من الملابس والطيبات من المطاعم والمشارب حق للذين آمنوا في الحياة الدنيا يشاركهم فيها غيرهم، خالصة لهم يوم القيامة. مثل ذلك التفصيل يفصِّل الله الآيات لقوم يعلمون ما يبيِّن لهم، ويفقهون ما يميز لهم. قُ‍‍لْ مَ‍‌‍نْ حَ‍رَّمَ ‌زِينَةَ ‌اللَّ‍‍هِ ‌الَّتِ‍‍ي ‌أَ‍خْ‍رَجَ لِعِبَا‌دِهِ ‌وَ‌ال‍‍طَّ‍‍يِّب‍‍َ‍اتِ مِنَ ‌ال‍‍رِّ‌زْ‍قِ ۚ قُ‍‍لْ هِيَ لِلَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌ا‌ فِي ‌الْحَي‍‍َ‍اةِ ‌ال‍‍دُّ‌نْ‍‍يَا‌ خَ‍‍الِ‍‍صَ‍‍ة ً‌ يَ‍‍وْمَ ‌الْ‍‍قِ‍‍يَامَةِ ۗ كَذَلِكَ نُفَ‍‍صِّ‍‍لُ ‌الآي‍‍َ‍اتِ لِ‍‍قَ‍‍وْمٍ‌ يَعْلَمُونَ
007-033 قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إنما حَرَّم اللهالقبائح من الأعمال، ما كان منها ظاهرًا، وما كان خفيًّا، وحَرَّم المعاصي كلها، ومِن أعظمها الاعتداء على الناس، فإن ذلك مجانب للحق، وحرَّم أن تعبدوا مع الله تعالى غيره مما لم يُنَزِّل به دليلا وبرهانًا، فإنه لا حجة لفاعل ذلك، وحرَّم أن تنسبوا إلى الله تعالى ما لم يشرعه افتراءً وكذبًا، كدعوى أن لله ولدًا، وتحريم بعض الحلال من الملابس والمآكل. قُ‍‍لْ ‌إِنَّ‍‍مَا‌ حَ‍رَّمَ ‌‍رَبِّيَ ‌الْفَوَ‌احِشَ مَا‌ ظَ‍‍هَ‍رَ‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ ‌وَمَا‌ بَ‍‍طَ‍‍نَ ‌وَ‌الإِثْمَ ‌وَ‌الْبَ‍‍غْ‍‍يَ بِ‍‍غَ‍‍يْ‍‍ر‍ِ‍‌ ‌الْحَ‍‍قِّ ‌وَ‌أَ‌نْ تُشْ‍‍رِكُو‌ا‌ بِ‍اللَّ‍‍هِ مَا‌ لَمْ يُنَزِّلْ بِ‍‍هِ سُلْ‍‍طَ‍‍انا‌ ً‌ ‌وَ‌أَ‌نْ تَ‍‍قُ‍‍ولُو‌ا‌ عَلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ مَا‌ لاَ‌ تَعْلَمُونَ
007-034 ولكل جماعة اجتمعت على الكفر بالله تعالى وتكذيب رسله -عليهم الصلاة والسلام- وقت لحلول العقوبة بهم، فإذا جاء الوقت الذي وقَّته الله لإهلاكهم لا يتأخرون عنه لحظة، ولا يتقدمون عليه. وَلِكُلِّ ‌أُمَّ‍‍ةٍ ‌أَجَل‌‍ٌۖ فَإِ‌ذَ‌ا‌ ج‍‍َ‍ا‌ءَ‌ ‌أَجَلُهُمْ لاَ‌ يَسْتَأْ‍خِ‍‍ر‍ُ‍‌ونَ سَاعَة ًۖ ‌وَلاَ‌ يَسْتَ‍‍قْ‍‍دِمُونَ
007-035 يا بني آدم إذا جاءكم رسلي من أقوامكم، يتلون عليكم آيات كتابي، ويبينون لكم البراهين على صدق ما جاؤوكم به فأطيعوهم، فإنه من اتقى سخطي وأصلح عمله فلا خوف عليهم يوم القيامة من عقاب الله تعالى، ولا ههم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا. يَابَنِ‍‍ي ‌آ‌دَمَ ‌إِمَّ‍‍ا‌ يَأْتِيَ‍‍نَّ‍‍كُمْ ‌رُسُلٌ‌ مِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ يَ‍‍قُ‍‍صُّ‍‍ونَ عَلَيْكُمْ ‌آيَاتِي فَمَنِ ۙ ‌اتَّ‍‍قَ‍‍ى‌ ‌وَ‌أَ‍صْ‍‍لَحَ فَلاَ‌ خَ‍‍وْفٌ عَلَيْهِمْ ‌وَلاَ‌ هُمْ يَحْزَنُونَ
007-036 والكفار الذين كذَّبوا بالدلائل على توحيد الله، واستعلَوا عن اتباعها، أولئك أصحاب النار ماكثين فيها، لا يخرجون منها أبدًا. وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَذَّبُو‌ا‌ بِآيَاتِنَا‌ ‌وَ‌اسْتَكْبَرُ‌و‌ا‌ عَ‍‌‍نْ‍‍هَ‍‍ا‌ ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ ‌أَ‍صْ‍‍ح‍‍َ‍ابُ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌ر‍ِ‍‌ ۖ هُمْ فِيهَا‌ خَ‍‍الِدُ‌ونَ
007-037 لا أحد أشد ظلمًا ممن اختلق على الله تعالى الكذب، أو كذَّب بآياته المنزلة، أولئك يصل إليهم حظُّهم منالعذاب مما كتب لهم في اللوح المحفوظ، حتى إذا جاءهم ملك الموت وأعوانه يقبضون أرواحهم قالوا لهم: أين الذين كنتم تعبدونهم من دون الله من الشركاء والأولياء والأوثان ليخلِّصوكم مما أنتم فيه؟ قالوا: ذهبوا عنا، واعترفوا على أنفسهم حينئذ أنهم كانوا في الدنيا جاحدين مكذبين وحدانية الله تعالى. فَمَ‍‌‍نْ ‌أَ‍ظْ‍‍لَمُ مِ‍‍مَّ‍‍نِ ‌افْتَ‍رَ‌ى‌ عَلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ كَذِباً‌ ‌أَ‌وْ‌ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ يَنَالُهُمْ نَ‍‍صِ‍‍يبُهُمْ مِنَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ ۖ حَتَّ‍‍ى‌ ‌إِ‌ذَ‌ا‌ ج‍‍َ‍ا‌ءَتْهُمْ ‌رُسُلُنَا‌ يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌أَيْ‍‍نَ مَا‌ كُ‍‌‍ن‍‍تُمْ تَ‍‍دْع‍‍ُ‍ونَ مِ‍‌‍نْ ‌د‍ُ‍‌ونِ ‌اللَّ‍‍هِ ۖ قَ‍‍الُو‌اضَ‍‍لُّو‌ا‌ عَ‍‍نَّ‍‍ا‌ ‌وَشَهِدُ‌و‌ا‌ عَلَ‍‍ى‌ ‌أَ‌نْ‍‍فُسِهِمْ ‌أَنَّ‍‍هُمْ كَانُو‌ا‌ كَافِ‍‍رِينَ
007-038 قال الله تعالى -لهؤلاء المشركين المفترين-: ادخلوا النار في جملة جماعات من أمثالكم في الكفر، قد سلفت من قبلكم من الجن والإنس، كلما دخلت النارَ جماعةٌ من أهل ملة لعنت نظيرتها التي ضلَّتْ بالاقتداء بها، حتى إذا تلاحق في النار الأولون من أهل الملل الكافرة والآخرون منهم جميعًا، قال الآخرون المتبعون في الدنيا لقادتهم: ربنا هؤلاء هم الذين أضلونا عن الحق، فآتهم عذابًا مضاعفا من النار، قال الله تعالى: لكل ضعف، أي: لكل منكم ومنهم عذاب مضاعف من النار، ولكن لا تدركون أيها الأتباع ما لكل فريق منكم من العذاب والآلام. قَ‍‍الَ ‌ا‌دْ‍‍خُ‍‍لُو‌ا‌ فِ‍‍ي ‌أُمَم‌‍ٍقَ‍‍دْ‌ خَ‍‍لَتْ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لِكُمْ مِنَ ‌الْجِ‍‍نِّ ‌وَ‌الإِ‌ن‍‍سِ فِي ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌ر‍ِ‍‌ ۖ كُلَّمَا‌ ‌دَ‍خَ‍‍لَتْ ‌أُمَّ‍‍ة ٌ‌ لَعَنَتْ ‌أُ‍خْ‍‍تَهَا‌ ۖ حَتَّ‍‍ى‌ ‌إِ‌ذَ‌ا‌ ‌ا‌دَّ‌ا‌‍رَكُو‌ا‌ فِيهَا‌ جَمِيعا‌‌ ًقَ‍‍الَتْ ‌أُ‍خْ‍رَ‌اهُمْ لِأ‌ولاَهُمْ ‌‍رَبَّنَا‌ ه‍‍َ‍ا‌ؤُلاَ‌ء‌ ‌أَ‍ضَ‍‍لُّونَا‌ فَآتِهِمْ عَذَ‌ابا‌‌ ًضِ‍‍عْفا‌ ً‌ مِنَ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌ر‍ِ‍‌ ۖ قَ‍‍الَ لِكُلّ‌‍ٍضِ‍‍عْفٌ‌ ‌وَلَكِ‍‌‍نْ لاَ‌ تَعْلَمُونَ
007-039 وقال المتبوعون من الرؤساء وغيرهم لأتباعهم: نحن وأنتم متساوون في الغيِّ والضلال، وفي فِعْلِ أسباب العذاب فلا فَضْلَ لكم علينا، قال الله تعالى لهم جميعًا: فذوقوا العذاب أي عذاب جهنم؛ بسبب ما كسبتممن المعاصي. وَ‍قَ‍‍الَتْ ‌أ‍ُ‍‌ولاَهُمْ لِأخْ‍رَ‌اهُمْ فَمَا‌ ك‍‍َ‍انَ لَكُمْ عَلَيْنَا‌ مِ‍‌‍نْ فَ‍‍ضْ‍‍ل‌‍ٍ‌ فَذُ‌وقُ‍‍و‌ا‌الْعَذ‍َ‍‌ابَ بِمَا‌ كُ‍‌‍ن‍‍تُمْ تَكْسِبُونَ
007-040 إن الكفار الذين لم يصدِّقوا بحججنا وآياتنا الدالة على وحدانيتنا، ولم يعملوا بشرعنا تكبرًا واستعلاءً، لا تُفتَّح لأعمالهم في الحياة ولا لأرواحهم عند الممات أبواب السماء، ولا يمكن أن يدخل هؤلاء الكفار الجنة إلا إذا دخل الجمل في ثقب الإبرة، وهذا مستحيل. ومثل ذلك الجزاء نجزي الذين كثر إجرامهم، واشتدَّ طغيانهم. إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَذَّبُو‌ا‌ بِآيَاتِنَا‌ ‌وَ‌اسْتَكْبَرُ‌و‌ا‌ عَ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ لاَ‌ تُفَتَّحُ لَهُمْ ‌أَبْ‍‍و‍َ‍‌ابُ ‌ال‍‍سَّم‍‍َ‍ا‌ءِ‌ ‌وَلاَ‌ يَ‍‍دْ‍‍خُ‍‍ل‍‍ُ‍ونَ ‌الْجَ‍‍نَّ‍‍ةَ حَتَّى‌ يَلِجَ ‌الْجَمَلُ فِي سَ‍‍مِّ ‌الْ‍‍خِ‍‍ي‍‍َ‍اطِ ۚ ‌وَكَذَلِكَ نَ‍‍جْ‍‍زِي ‌الْمُ‍‍جْ‍‍رِمِينَ
007-041 هؤلاء الكفار مخلدون في النار، لهم مِن جهنم فراش مِن تحتهم، ومن فوقهم أغطية تغشاهم. وبمثل هذا العقاب الشديد يعاقب الله تعالى الظالمين الذين تجاوزوا حدوده فكفروا به وعصَوْه. لَهُمْ مِ‍‌‍نْ جَهَ‍‍نَّ‍‍مَ مِه‍‍َ‍ا‌د‌ٌ‌ ‌وَمِ‍‌‍نْ فَوْ‍قِ‍‍هِمْ غَ‍‍و‍َ‍‌اشٍۚ ‌وَكَذَلِكَ نَ‍‍جْ‍‍زِي ‌ال‍‍ظَّ‍‍الِمِينَ
007-042 والذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحة في حدود طاقاتهم -لا يكلف الله نفسًا من الأعمال إلا ما تطيق- أولئك أهل الجنة، هم فيها ماكثون أبدًا لا يخرجون منها. وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌ا‌ ‌وَعَمِلُو‌ا‌ال‍‍صَّ‍‍الِح‍‍َ‍اتِ لاَ‌ نُكَلِّفُ نَفْسا‌‌ ً‌ ‌إِلاَّ‌ ‌وُسْعَهَ‍‍ا‌ ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ ‌أَ‍صْ‍‍ح‍‍َ‍ابُ ‌الْجَ‍‍نَّ‍‍ةِ ۖ هُمْ فِيهَا‌ خَ‍‍الِدُ‌ونَ
007-043 وأذهب الله تعالى ما في صدور أهل الجنة من حقد وضغائن، ومن كمال نعيمهم أن الأنهار تجري في الجنة من تحتهم. وقال أهل الجنة حينما دخلوها: الحمد لله الذي وفَّقنا للعمل الصالح الذي أكسبنا ما نحن فيه من النعيم، وما كنا لنوفَّق إلى سلوك الطريق المستقيم لولا أَنْ هدانا الله سبحانه لسلوك هذا الطريق، ووفَّقنا للثبات عليه، لقد جاءت رسل ربنابالحق من الإخبار بوعد أهل طاعته ووعيد أهل معصيته، ونُودوا تهنئة لهم وإكرامًا: أن تلكم الجنة أورثكم الله إياها برحمته، وبما قدَّمتموه من الإيمان والعمل الصالح. وَنَزَعْنَا‌ مَا‌ فِي صُ‍‍دُ‌و‌رِهِمْ مِ‍‌‍نْ غِ‍‍لّ‌‍ٍ‌ تَ‍‍جْ‍‍رِي مِ‍‌‍نْ تَحْتِهِمُ ‌الأَ‌نْ‍‍ه‍‍َ‍ا‌رُ‌ ۖ ‌وَ‍قَ‍‍الُو‌ا‌الْحَمْدُ‌ لِلَّهِ ‌الَّذِي هَدَ‌انَا‌ لِهَذَ‌ا‌ ‌وَمَا‌ كُ‍‍نَّ‍‍ا‌ لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ‌ ‌أَ‌نْ هَدَ‌انَا‌ ‌اللَّهُ ۖ لَ‍‍قَ‍‍دْ‌ ج‍‍َ‍ا‌ءَتْ ‌رُسُلُ ‌‍رَبِّنَا‌ بِ‍الْحَ‍‍قِّ ۖ ‌وَنُو‌دُ‌و‌ا‌ ‌أَ‌نْ تِلْكُمُ ‌الْجَ‍‍نَّ‍‍ةُ ‌أ‍ُ‍‌و‌رِثْتُمُوهَا‌ بِمَا‌ كُ‍‌‍ن‍‍تُمْ تَعْمَلُونَ
007-044 ونادى أصحاب الجنة -بعد دخولهم فيها- أهلَ النار قائلين لهم: إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا على ألسنة رسله حقًا من إثابة أهل طاعته، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم على ألسنة رسله حقًا من عقاب أهل معصيته؟ فأجابهم أهل النار قائلين: نعم قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا. فأذَّن مؤذن بين أهل الجنة وأهل النار: أنْ لعنة الله على الظالمين الذين تجاوزوا حدود الله، وكفروا بالله ورسله. وَنَا‌دَ‌ى‌ ‌أَ‍صْ‍‍ح‍‍َ‍ابُ ‌الْجَ‍‍نَّ‍‍ةِ ‌أَ‍صْ‍‍ح‍‍َ‍ابَ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌ر‍ِ‍‌ ‌أَ‌نْ قَ‍‍دْ‌ ‌وَجَ‍‍دْنَا‌ مَا‌ ‌وَعَدَنَا‌ ‌‍رَبُّنَا‌ حَ‍‍قّ‍‍ا‌‌ ً‌ فَهَلْ ‌وَجَ‍‍دْتُمْ مَا‌ ‌وَعَدَ‌ ‌‍رَبُّكُمْ حَ‍‍قّ‍‍ا‌‌ ًۖ قَ‍‍الُو‌ا‌ نَعَمْ ۚ فَأَ‌ذَّنَ مُؤَ‌ذِّن‌‍ٌ‌ بَيْنَهُمْ ‌أَ‌نْ لَعْنَةُ ‌اللَّ‍‍هِ عَلَى‌ ‌ال‍‍ظَّ‍‍الِمِينَ
007-045 هؤلاء الكافرون هم الذين كانوا يُعْرِضون عن طريق الله المستقيم، ويمنعون الناس من سلوكه، ويطلبون أن تكون السبيل معوجة حتى لا يتبينها أحد، وهم بالآخرة -وما فيها- جاحدون. الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَ‍‍صُ‍‍دّ‍ُ‍‌ونَ عَ‍‌‍نْ سَب‍‍ِ‍ي‍‍لِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَيَ‍‍بْ‍‍‍‍غُ‍‍ونَهَا‌ عِوَجا‌ ً‌ ‌وَهُمْ بِ‍الآ‍‍خِ‍رَةِ كَافِرُ‌ونَ
007-046 وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار حاجز عظيم يقال له الأعراف، وعلى هذا الحاجز رجال يعرفون أهل الجنة وأهل النار بعلاماتهم، كبياض وجوه أهل الجنة، وسواد وجوه أهل النار، وهؤلاء الرجال قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم يرجون رحمة الله تعالى. ونادى رجال الأعراف أهل الجنة بالتحية قائلين لهم: سلام عليكم، وأهل الأعرافلم يدخلوا الجنة بعد، وهم يرجون دخولها. وَبَيْنَهُمَا‌ حِج‍‍َ‍ابٌۚ ‌وَعَلَى‌ ‌الأَعرَ‍‌افِ ‌رِج‍‍َ‍الٌ‌ يَعْ‍‍رِف‍‍ُ‍ونَ كُلاّ‌ ً‌ بِسِيمَاهُمْ ۚ ‌وَنَا‌دَ‌وْ‌ا‌ ‌أَ‍صْ‍‍ح‍‍َ‍ابَ ‌الْجَ‍‍نَّ‍‍ةِ ‌أَ‌نْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَ‍‍دْ‍‍خُ‍‍لُوهَا‌ ‌وَهُمْ يَ‍‍طْ‍‍مَعُونَ
007-047 وإذا حُوِّلَتْ أبصار رجال الأعراف جهة أهل النار قالوا: ربنا لا تُصيِّرنا مع القوم الظالمين بشركهم وكفرهم. وَ‌إِ‌ذَ‌ا‌ صُ‍‍رِفَتْ ‌أَبْ‍‍‍‍صَ‍‍ا‌رُهُمْ تِلْ‍‍قَ‍‍ا‌ءَ‌ ‌أَ‍صْ‍‍ح‍‍َ‍ابِ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌ر‍ِ‍‌ قَ‍‍الُو‌ا‌ ‌‍رَبَّنَا‌ لاَ‌ تَ‍‍جْ‍‍عَلْنَا‌ مَعَ ‌الْ‍‍قَ‍‍وْمِ ‌ال‍‍ظَّ‍‍الِمِينَ
007-048 ونادى أهل الأعراف رجالا من قادة الكفار الذين في النار، يعرفونهم بعلامات خاصة تميزهم، قالوا لهم: ما نفعكم ما كنتم تجمعون من الأموال والرجال في الدنيا، وما نفعكم استعلاؤكم عن الإيمان بالله وقَبول الحق. وَنَا‌دَ‌ى‌ ‌أَ‍صْ‍‍ح‍‍َ‍ابُ ‌الأَعرَ‍‌افِ ‌رِجَالا‌ ً‌ يَعْ‍‍رِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَ‍‍الُو‌ا‌ مَ‍‍ا‌ ‌أَ‍‍غْ‍‍نَى‌ عَ‍‌‍نْ‍‍كُمْ جَمْعُكُمْ ‌وَمَا‌ كُ‍‌‍ن‍‍تُمْ تَسْتَكْبِرُ‌ونَ
007-049 أهؤلاء الضعفاء والفقراء من أهل الجنة الذين أقسمتم في الدنيا أن الله لا يشملهم يوم القيامة برحمة، ولن يدخلهم الجنة؟ ادخلوا الجنة يا أصحاب الأعراف فقد غُفِرَ لكم، لا خوف عليكم من عذاب الله، ولا أنتم تحزنون على ما فاتكم من حظوظ الدنيا. أَه‍‍َ‍ا‌ؤُلاَ‌ء‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أَ‍قْ‍‍سَمْتُمْ لاَ‌ يَنَالُهُمُ ‌اللَّ‍‍هُ بِ‍رَحْمَة‌‍ٍۚ ‌ا‌دْ‍‍خُ‍‍لُو‌ا‌الْجَ‍‍نَّ‍‍ةَ لاَ‌ خَ‍‍وْفٌ عَلَيْكُمْ ‌وَلاَ‌ ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ تَحْزَنُونَ
007-050 واستغاث أهل النار بأهل الجنة طالبين منهم أن يُفيضوا عليهم من الماء، أو مما رزقهم الله من الطعام، فأجابوهم بأن الله تعالى قد حَرَّم الشراب والطعام على الذين جحدوا توحيده، وكذَّبوا رسله. وَنَا‌دَ‌ى‌ ‌أَ‍صْ‍‍ح‍‍َ‍ابُ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌ر‍ِ‍‌ ‌أَ‍صْ‍‍ح‍‍َ‍ابَ ‌الْجَ‍‍نَّ‍‍ةِ ‌أَ‌نْ ‌أَفِي‍‍ضُ‍‍و‌ا‌ عَلَيْنَا‌ مِنَ ‌الْم‍‍َ‍ا‌ءِ‌ ‌أَ‌وْ‌ مِ‍‍مَّ‍‍ا‌ ‌‍رَ‌زَ‍قَ‍‍كُمُ ‌اللَّ‍‍هُ ۚ قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ حَ‍رَّمَهُمَا‌ عَلَى‌ ‌الْكَافِ‍‍رِينَ
007-051 الذين حَرَمهم الله تعالى من نعيم الآخرة هم الذين جعلوا الدين الذي أمرهم الله باتباعه باطلا ولهوًا، وخدعتهم الحياة الدنيا وشغلوا بزخارفها عن العمل للآخرة، فيوم القيامة ينساهم الله تعالى ويتركهم في العذاب الموجع،كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، ولكونهم بأدلة الله وبراهينه ينكرون مع علمهم بأنها حق. الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اتَّ‍‍خَ‍‍ذُ‌و‌ا‌ ‌دِينَهُمْ لَهْو‌ا‌ ً‌ ‌وَلَعِبا‌ ً‌ ‌وَ‍‍غَ‍رَّتْهُمُ ‌الْحَي‍‍َ‍اةُ ‌ال‍‍دُّ‌نْ‍‍يَا‌ ۚ فَالْيَ‍‍وْمَ نَ‍‌‍ن‍‍سَاهُمْ كَمَا‌ نَسُو‌ا‌ لِ‍‍قَ‍‍ا‌ءَ‌ يَوْمِهِمْ هَذَ‌ا‌ ‌وَمَا‌ كَانُو‌ا‌ بِآيَاتِنَا‌ يَ‍‍جْ‍‍حَدُ‌ونَ
007-052 ولقد جئنا الكفار بقرآن أنزلناه عليك -أيها الرسول- بيَّنَّاه مشتملا على علم عظيم، هاديًا من الضلالة إلى الرشد ورحمة لقوم يؤمنون بالله ويعملون بشرعه. وخصَّهم دون غيرهم؛ لأنهم هم المنتفعون به. وَلَ‍قَ‍‍دْ‌ جِئْنَاهُمْ بِكِت‍‍َ‍اب‌‍ٍ‌ فَ‍‍صَّ‍‍لْن‍‍َ‍اهُ عَلَى‌ عِلْمٍ هُ‍‍د‌ى‌ ً‌ ‌وَ‌‍رَحْمَة ً‌ لِ‍‍قَ‍‍وْمٍ‌ يُؤْمِنُونَ
007-053 هل ينتظر الكفار إلا ما وُعِدوا به في القرآن من العقاب الذي يؤول إليه أمرهم؟ يوم يأتي ما يئول إليه الأمر من الحساب والثواب والعقاب يوم القيامة يقول الكفار الذين تركوا القرآن، وكفروا به في الحياة الدنيا: قد تبيَّن لنا الآن أنَّ رسل ربنا قد جاؤوا بالحق، ونصحوا لنا، فهل لنا من أصدقاء وشفعاء، فيشفعوا لنا عند ربنا، أو نعاد إلى الدنيا مرة أخرى فنعمل فيها بما يرضي الله عنا؟ قد خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها، وذهب عنهم ما كانوا يعبدونه من دون الله، ويفترونه في الدنيا مما يَعِدُهم به الشيطان. هَلْ يَ‍‌‍ن‍‍ظُ‍‍ر‍ُ‍‌ونَ ‌إِلاَّ‌ تَأْ‌وِيلَ‍‍هُ ۚ يَ‍‍وْمَ يَأْتِي تَأْ‌وِيلُ‍‍هُ يَ‍‍قُ‍‍ولُ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ نَس‍‍ُ‍وهُ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لُ قَ‍‍دْ‌ ج‍‍َ‍ا‌ءَتْ ‌رُسُلُ ‌‍رَبِّنَا‌ بِ‍الْحَ‍‍قِّ فَهَلْ لَنَا‌ مِ‍‌‍نْ شُفَع‍‍َ‍ا‌ءَ‌ فَيَشْفَعُو‌ا‌ لَنَ‍‍ا‌ ‌أَ‌وْ‌ نُ‍رَ‌دُّ‌ فَنَعْمَلَ غَ‍‍يْ‍رَ‌الَّذِي كُ‍‍نَّ‍‍ا‌ نَعْمَلُ ۚ قَ‍‍دْ‌ خَ‍‍سِرُ‌و‌ا‌ ‌أَ‌ن‍‍فُسَهُمْ ‌وَ‍ضَ‍‍لَّ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمْ مَا‌ كَانُو‌ا‌ يَفْتَرُ‌ونَ
007-054 إن ربكم -أيها الناس- هو الله الذي أوجد السموات والأرض من العدم في ستة أيام، ثم استوى -سبحانه- على العرش -أي علا وارتفع- استواءً يليق بجلاله وعظمته، يُدخل سبحانه الليل على النهار، فيلبسه إياه حتى يذهب نوره،ويُدخل النهار على الليل فيذهب ظلامه، وكل واحد منهما يطلب الآخر سريعًا دائمًا، وهو -سبحانه- الذي خلق الشمس والقمر والنجوم مذللات له يسخرهن -سبحانه- كما يشاء، وهنَّ من آيات الله العظيمة. ألا له سبحانه وتعالى الخلق كله وله الأمر كله، تعالى الله وتعاظم وتنزَّه عن كل نقص، رب الخلق أجمعين. إِنَّ ‌‍رَبَّكُمُ ‌اللَّ‍‍هُ ‌الَّذِي خَ‍‍لَ‍‍قَ ‌ال‍‍سَّمَا‌و‍َ‍‌اتِ ‌وَ‌الأَ‌رْ‍ضَ فِي سِتَّةِ ‌أَيّ‍‍َ‍ام‌‍ٍ‌ ثُ‍‍مَّ ‌اسْتَوَ‌ى‌ عَلَى‌ ‌الْعَرْشِ يُ‍‍غْ‍‍شِي ‌ال‍‍لَّ‍‍يْ‍‍لَ ‌ال‍‍نَّ‍‍ه‍‍َ‍ا‌‍رَ‌ يَ‍‍طْ‍‍لُبُ‍‍هُ حَثِيثا‌ ً‌ ‌وَ‌ال‍‍شَّمْسَ ‌وَ‌الْ‍‍قَ‍‍مَ‍رَ‌ ‌وَ‌ال‍‍نُّ‍‍ج‍‍ُ‍ومَ مُسَ‍‍خَّ‍رَ‍‌ات ٍ‌ بِأَمْ‍‍رِهِ ۗ ‌أَلاَ‌ لَهُ ‌الْ‍‍خَ‍‍لْ‍‍قُ ‌وَ‌الأَمْرُ‌ ۗ تَبَا‌‍رَكَ ‌اللَّ‍‍هُ ‌‍رَبُّ ‌الْعَالَمِينَ
007-055 ادعوا -أيها المؤمنون- ربكم متذللين له خفية وسرًّا، وليكن الدعاء بخشوع وبُعْدٍ عن الرياء. إن الله تعالى لا يحب المتجاوزين حدود شرعه، وأعظم التجاوز الشرك بالله، كدعاء غير الله من الأموات والأوثان، ونحو ذلك. ‍ا‌دْعُو‌ا‌ ‌‍رَبَّكُمْ تَ‍‍ضَ‍‍رُّعا‌ ً‌ ‌وَ‍خُ‍‍فْيَة‌ ًۚ ‌إِنَّ‍‍هُ لاَ‌ يُحِبُّ ‌الْمُعْتَدِينَ
007-056 ولا تُفْسدوا في الأرض بأيِّ نوع من أنواع الفساد، بعد إصلاح الله إياها ببعثة الرسل -عليهم السلام- وعُمْرانها بطاعة الله، وادعوه -سبحانه- مخلصين له الدعاء؛ خوفًا من عقابه ورجاء لثوابه. إن رحمة الله قريب من المحسنين. وَلاَ‌ تُفْسِدُ‌و‌ا‌ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ بَعْدَ‌ ‌إِصْ‍‍لاَحِهَا‌ ‌وَ‌ا‌دْع‍‍ُ‍وهُ خَ‍‍وْفا‌ ً‌ ‌وَ‍طَ‍‍مَعا‌‌ ًۚ ‌إِنَّ ‌‍رَحْمَتَ ‌اللَّ‍‍هِ قَ‍‍ر‍ِ‍ي‍‍بٌ‌ مِنَ ‌الْمُحْسِنِينَ
007-057 والله تعالى هو الذي يرسل الرياح الطيبة اللينة مبشرات بالغيث الذي تثيره بإذن الله، فيستبشر الخلق برحمة الله، حتى إذا حملت الريح السحاب المحمل بالمطر ساقه الله بها لإحياء بلد، قد أجدبت أرضه، ويَبِست أشجاره وزرعه، فأنزل الله به المطر، فأخرج به الكلأ والأشجار والزروع، فعادت أشجارهمحملة بأنواع الثمرات. كما نحيي هذا البلد الميت بالمطر نخرج الموتى من قبورهم أحياءً بعد فنائهم؛ لتتعظوا، فتستدلوا على توحيد الله وقدرته على البعث. وَهُوَ‌ ‌الَّذِي يُرْسِلُ ‌ال‍‍رِّي‍‍َ‍احَ بُشْر‌ا‌ ً‌ بَ‍‍يْ‍‍نَ يَدَيْ ‌‍رَحْمَتِ‍‍هِ ۖ حَتَّ‍‍ى‌ ‌إِ‌ذَ‌ا‌ ‌أَ‍قَ‍‍لَّتْ سَحَابا‌‌ ً‌ ثِ‍‍قَ‍‍الا‌‌ ً‌ سُ‍‍قْ‍‍ن‍‍َ‍اهُ لِبَلَد‌ٍ‌ مَيِّت‌‍ٍ‌ فَأَ‌ن‍‍زَلْنَا‌ بِهِ ‌الْم‍‍َ‍ا‌ءَ‌ فَأَ‍خْ‍رَجْ‍‍نَا‌ بِ‍‍هِ مِ‍‌‍نْ كُلِّ ‌ال‍‍ثَّمَ‍رَ‍‌اتِ ۚ كَذَلِكَ نُ‍‍خْ‍‍رِجُ ‌الْمَوْتَى‌ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُ‌ونَ
007-058 والأرض النقية إذا نزل عليها المطر تُخْرج نباتًا -بإذن الله ومشيئته- طيبًا ميسرًا، وكذلك المؤمن إذا نزلت عليه آيات الله انتفع بها، وأثمرت فيه حياة صالحة، أما الأرض السَّبِخة الرديئة فإنها لا تُخرج النبات إلا عسرًا رديئا لا نفع فيه، ولا تُخرج نباتًا طيبًا، وكذلك الكافر لا ينتفع بآيات الله. مثل ذلك التنويع البديع في البيان نُنوِّع الحجج والبراهين لإثبات الحق لأناس يشكرون نعم الله، ويطيعونه. وَ‌الْبَلَدُ‌ ‌ال‍‍طَّ‍‍يِّبُ يَ‍‍خْ‍‍رُجُ نَبَاتُ‍‍هُ بِإِ‌ذْنِ ‌‍رَبِّ‍‍هِ ۖ ‌وَ‌الَّذِي خَ‍‍بُثَ لاَ‌ يَ‍‍خْ‍‍رُجُ ‌إِلاَّ‌ نَكِد‌ا‌‌ ًۚ كَذَلِكَ نُ‍‍صَ‍‍رِّفُ ‌الآي‍‍َ‍اتِ لِ‍‍قَ‍‍وْمٍ‌ يَشْكُرُ‌ونَ
007-059 لقد بعثنا نوحًا إلى قومه؛ ليدعوهم إلى توحيد الله سبحانه وإخلاص العبادة له، فقال: يا قوم اعبدوا الله وحده، ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا فأخلصوا له العبادة فإن لم تفعلوا وبقيتم على عبادة أوثانكم، فإنني أخاف أن يحلَّ عليكم عذاب يوم يعظم فيه بلاؤكم، وهو يوم القيامة. لَ‍قَ‍‍دْ‌ ‌أَ‌رْسَلْنَا‌ نُوحا‌‌ ً‌ ‌إِلَى‌ قَ‍‍وْمِ‍‍هِ فَ‍‍قَ‍‍الَ يَاقَ‍‍وْمِ ‌اعْبُدُ‌و‌ا‌اللَّ‍‍هَ مَا‌ لَكُمْ مِ‍‌‍نْ ‌إِلَهٍ غَ‍‍يْرُهُ~ُ ‌إِنِّ‍‍ي ‌أَ‍خَ‍‍افُ عَلَيْكُمْ عَذ‍َ‍‌ابَ يَ‍‍وْمٍ عَ‍‍ظِ‍‍يمٍ
007-060 قال له سادتهم وكبراؤهم: إنا لنعتقد -يا نوح- أنك في ضلال بيِّن عن طريق الصواب. قَ‍‍الَ ‌الْمَلَأُ‌ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍وْمِهِ ‌إِنَّ‍‍ا‌ لَنَ‍رَ‍‌اكَ فِي ضَ‍‍لاَلٍ‌ مُبِينٍ
007-061 قال نوح: يا قوم لست ضالا في مسألة من المسائل بوجه من الوجوه، ولكني رسول من رب العالمينربي وربكم ورب جميع الخلق. قَ‍‍الَ يَاقَ‍‍وْمِ لَ‍‍يْ‍‍سَ بِي ضَ‍‍لاَلَةٌ‌ ‌وَلَكِ‍‍نِّ‍‍ي ‌‍رَس‍‍ُ‍ولٌ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّ ‌الْعَالَمِينَ
007-062 أُبلِّغكم ما أُرسلت به من ربي، وأنصح لكم محذرًا لكم من عذاب الله ومبشرًا بثوابه، وأعلم من شريعته ما لا تعلمون. أُبَلِّ‍‍غُ‍‍كُمْ ‌رِسَالاَتِ ‌‍رَبِّي ‌وَ‌أَ‌ن‍‍صَ‍‍حُ لَكُمْ ‌وَ‌أَعْلَمُ مِنَ ‌اللَّ‍‍هِ مَا‌ لاَ‌ تَعْلَمُونَ
007-063 وهل أثار عجبكم أن أنزل الله تعالى إليكم ما يذكركم بما فيه الخير لكم، على لسان رجل منكم، تعرفون نسبه وصدقه؛ ليخوِّفكم بأس الله تعالى وعقابه، ولتتقوا سخطه بالإيمان به، ورجاء أن تظفروا برحمته وجزيل ثوابه؟ أَ‌وَعَجِ‍‍بْ‍‍تُمْ ‌أَ‌نْ ج‍‍َ‍ا‌ءَكُمْ ‌ذِكْر‌ٌ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّكُمْ عَلَى‌ ‌‍رَجُلٍ‌ مِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ لِيُ‍‌‍ن‍‍ذِ‌‍رَكُمْ ‌وَلِتَتَّ‍‍قُ‍‍و‌ا‌ ‌وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
007-064 فكذبوا نوحًا فأنجيناه ومَن آمن معه في السفينة، وأغرقنا الكفار الذين كذبوا بحججنا الواضحة. إنهم كانوا عُمْيَ القلوب عن رؤية الحق. فَكَذَّب‍‍ُ‍وهُ فَأَ‌ن‍‍جَيْن‍‍َ‍اهُ ‌وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ مَعَ‍‍هُ فِي ‌الْفُلْكِ ‌وَ‌أَ‍‍غْ‍رَ‍قْ‍‍نَا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَذَّبُو‌ا‌ بِآيَاتِنَ‍‍اۚ ‌إِنَّ‍‍هُمْ كَانُو‌اقَ‍‍وْماً‌ عَمِينَ
007-065 ولقد أرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هودا حين عبدوا الأوثان من دون الله، فقال لهم: اعبدوا الله وحده، ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا فأخلصوا له العبادة أفلا تتقون عذاب الله وسخطه عليكم؟ وَ‌إِلَى‌ ع‍‍َ‍ا‌دٍ‌ ‌أَ‍خَ‍‍اهُمْ هُو‌د‌ا‌‌ ًۗ قَ‍‍الَ يَاقَ‍‍وْمِ ‌اعْبُدُ‌و‌ا‌اللَّ‍‍هَ مَا‌ لَكُمْ مِ‍‌‍نْ ‌إِلَهٍ غَ‍‍يْرُهُ ‌أَفَلاَ‌ ۚ تَتَّ‍‍قُ‍‍ونَ
007-066 قال الكبراء الذين كفروا من قوم هود: إنا لنعلم أنك بدعوتك إيانا إلى ترك عبادة آلهتنا وعبادة الله وحده ناقص العقل، وإنا لنعتقد أنك من الكاذبين على الله فيما تقول. قَ‍‍الَ ‌الْمَلَأُ‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍وْمِهِ ‌إِنَّ‍‍ا‌ لَنَ‍رَ‍‌اكَ فِي سَفَاهَةٍ‌ ‌وَ‌إِنَّ‍‍ا‌ لَنَ‍‍ظُ‍‍نُّ‍‍كَ مِنَ ‌الْكَا‌ذِبِينَ
007-067 قال هود: يا قوم ليس بي نقص في عقلي، ولكني رسول إليكم من رب الخلق أجمعين. قَ‍‍الَ يَاقَ‍‍وْمِ لَ‍‍يْ‍‍سَ بِي سَفَاهَةٌ‌ ‌وَلَكِ‍‍نِّ‍‍ي ‌‍رَس‍‍ُ‍ولٌ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّ ‌الْعَالَمِينَ
007-068 أُبلِّغكم ما أرسلني به ربي إليكم، وأنا لكم - فيما دعوتكم إليه من توحيدالله والعمل بشريعته - ناصح، أمين على وحي الله تعالى. أُبَلِّ‍‍غُ‍‍كُمْ ‌رِسَالاَتِ ‌‍رَبِّي ‌وَ‌أَنَا‌ لَكُمْ نَاصِ‍‍حٌ ‌أَمِينٌ
007-069 وهل أثار عجبكم أن أنزل الله تعالى إليكم ما يذكركم بما فيه الخير لكم، على لسان رجل منكم، تعرفون نسبه وصدقه؛ ليخوِّفكم بأس الله وعقابه؟ واذكروا نعمة الله عليكم إذ جعلكم تخلفون في الأرض مَن قبلكم من بعد ما أهلك قوم نوح، وزاد في أجسامكم قوة وضخامة، فاذكروا نِعَمَ الله الكثيرة عليكم؛ رجاء أن تفوزوا الفوز العظيم في الدنيا والآخرة. أَ‌وَعَجِ‍‍بْ‍‍تُمْ ‌أَ‌نْ ج‍‍َ‍ا‌ءَكُمْ ‌ذِكْر‌ٌ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّكُمْ عَلَى‌ ‌‍رَجُلٍ‌ مِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ لِيُ‍‌‍ن‍‍ذِ‌‍رَكُمْ ۚ ‌وَ‌ا‌ذْكُرُ‌و‌ا‌ ‌إِ‌ذْ‌ جَعَلَكُمْ خُ‍‍لَف‍‍َ‍ا‌ءَ‌ مِ‍‌‍نْ بَعْدِ‌ قَ‍‍وْمِ ن‍‍ُ‍وحٍ‌ ‌وَ‌زَ‌ا‌دَكُمْ فِي ‌الْ‍‍خَ‍‍لْ‍‍قِ بَسْ‍‍طَ‍‍ة‌ ًۖ فَا‌ذْكُرُ‌و‌ا‌ ‌آلاَ‌ءَ‌ ‌اللَّ‍‍هِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
007-070 قالت عاد لهود عليه السلام: أدعوتنا لعبادة الله وحده وهَجْر عبادة الأصنام التي ورثنا عبادتها عن آبائنا؟ فأتنا بالعذاب الذي تخوفنا به إن كنت من أهل الصدق فيما تقول. قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌أَجِئْتَنَا‌ لِنَعْبُدَ‌ ‌اللَّ‍‍هَ ‌وَحْدَهُ ‌وَنَذَ‌‍رَ‌ مَا‌ ك‍‍َ‍انَ يَعْبُدُ‌ ‌آب‍‍َ‍ا‌ؤُنَا‌ ۖ فَأْتِنَا‌ بِمَا‌ تَعِدُنَ‍‍ا‌ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍ن‍‍تَ مِنَ ‌ال‍‍صَّ‍‍ا‌دِقِ‍‍ينَ
007-071 قال هود لقومه: قد حلَّ بكم عذاب وغضب من ربكم جل وعلا أتجادلونني في هذه الأصنام التي سميتموها آلهة أنتم وآباؤكم؟ ما نزَّل الله بها من حجة ولا برهان؛ لأنها مخلوقة لا تضر ولا تنفع، وإنما المعبود وحده هو الخالق سبحانه، فانتظروا نزول العذاب عليكم فإني منتظر معكم نزوله، وهذا غاية في التهديد والوعيد. قَ‍‍الَ قَ‍‍دْ‌ ‌وَ‍قَ‍‍عَ عَلَيْكُمْ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّكُمْ ‌رِجْ‍‍سٌ‌ ‌وَ‍‍غَ‍‍ضَ‍‍بٌ ۖ ‌أَتُجَا‌دِلُونَنِي فِ‍‍ي ‌أَسْم‍‍َ‍ا‌ء‌‌ٍ‌ سَ‍‍مَّ‍‍يْتُمُوهَ‍‍ا‌ ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ ‌وَ‌آب‍‍َ‍ا‌ؤُكُمْ مَا‌ نَزَّلَ ‌اللَّ‍‍هُ بِهَا‌ مِ‍‌‍نْ سُلْ‍‍طَ‍‍ان‌‍ٍۚ فَا‌ن‍‍تَ‍‍ظِ‍‍رُ‌و‌ا‌ ‌إِنِّ‍‍ي مَعَكُمْ مِنَ ‌الْمُ‍‌‍ن‍‍تَ‍‍ظِ‍‍رِينَ
007-072 فوقع عذاب الله بإرسال الريح الشديدة عليهم، فأنجى الله هودًا والذين آمنوا معه برحمة عظيمة منه تعالى، وأهلك الكفار من قومه جميعا ودمَّرهم عنآخرهم، وما كانوا مؤمنين لجمعهم بين التكذيب بآيات الله وترك العمل الصالح. فَأَ‌ن‍‍جَيْن‍‍َ‍اهُ ‌وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ مَعَ‍‍هُ بِ‍رَحْمَةٍ‌ مِ‍‍نَّ‍‍ا‌ ‌وَ‍قَ‍‍طَ‍‍عْنَا‌ ‌دَ‌ابِ‍‍ر‍َ‍‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَذَّبُو‌ا‌ بِآيَاتِنَا‌ ۖ ‌وَمَا‌ كَانُو‌ا‌ مُؤْمِنِينَ
007-073 ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صالحًا لـمَّا عبدوا الأوثان من دون الله تعالى. فقال صالح لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده؛ ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا، فأخلصوا له العبادة، قد جئتكم بالبرهان على صدق ما أدعوكم إليه، إذ دعوتُ الله أمامكم، فأخرج لكم من الصخرة ناقة عظيمة كما سألتم، فاتركوها تأكل في أرض الله من المراعي، ولا تتعرضوا لها بأي أذى، فيصيبكم بسبب ذلك عذاب موجع. وَ‌إِلَى‌ ثَم‍‍ُ‍و‌دَ‌ ‌أَ‍خَ‍‍اهُمْ صَ‍‍الِحا‌‌ ًۗ قَ‍‍الَ يَاقَ‍‍وْمِ ‌اعْبُدُ‌و‌ا‌اللَّ‍‍هَ مَا‌ لَكُمْ مِ‍‌‍نْ ‌إِلَهٍ غَ‍‍يْرُهُ قَ‍‍دْ‌ ۖ ج‍‍َ‍ا‌ءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّكُمْ هَذِهِ ۖ نَاقَ‍‍ةُ ‌اللَّ‍‍هِ لَكُمْ ‌آيَة‌ ً‌ فَذَ‌رُ‌وهَا‌ ۖ تَأْكُلْ فِ‍‍ي ‌أَ‌رْ‍ضِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَلاَ‌ ۖ تَمَسُّوهَا‌ بِس‍‍ُ‍و‌ء‌‌ٍ‌ فَيَأْ‍خُ‍‍ذَكُمْ عَذ‍َ‍‌ابٌ ‌أَلِيمٌ
007-074 واذكروا نعمة الله عليكم، إذ جعلكم تَخْلُفون في الأرض مَن قبلكم، من بعد قبيلة عاد، ومكَّن لكم في الأرض الطيبة تنزلونها، فتبنون في سهولها البيوت العظيمة، وتنحتون من جبالها بيوتًا أخرى، فاذكروا نِعَمَ الله عليكم، ولا تَسْعَوا في الأرض بالإفساد. وَ‌ا‌ذْكُرُ‌و‌ا‌ ‌إِ‌ذْ‌ جَعَلَكُمْ خُ‍‍لَف‍‍َ‍ا‌ءَ‌ مِ‍‌‍نْ بَعْدِ‌ ع‍‍َ‍ا‌د‌ٍ‌ ‌وَبَوَّ‌أَكُمْ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ تَتَّ‍‍خِ‍‍ذ‍ُ‍‌ونَ مِ‍‌‍نْ سُهُولِهَا‌ قُ‍‍صُ‍‍و‌ر‌ا‌ ً‌ ‌وَتَ‍‌‍نْ‍‍حِت‍‍ُ‍ونَ ‌الْجِب‍‍َ‍الَ بُيُوتا‌‌ ًۖ فَا‌ذْكُرُ‌و‌ا‌ ‌آلاَ‌ءَ‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَلاَ‌ تَعْثَوْ‌ا‌ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ مُفْسِدِينَ
007-075 قال السادة والكبراء من الذين استعلَوا -من قوم صالح- للمؤمنين الذين استضعفوهم، واستهانوا بهم: أتعلمون حقيقة أن صالحًا قد أرسله الله إلينا؟ قال الذين آمنوا: إنا مصدقون بما أرسله الله به، متَّبعون لشرعه. قَ‍‍الَ ‌الْمَلَأُ‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اسْتَكْبَرُ‌و‌ا‌ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍وْمِ‍‍هِ لِلَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اسْتُ‍‍ضْ‍‍عِفُو‌ا‌ لِمَ‍‌‍نْ ‌آمَنَ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمْ ‌أَتَعْلَم‍‍ُ‍ونَ ‌أَنَّ صَ‍‍الِحا‌ ً‌ مُرْسَلٌ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّ‍‍هِ ۚ قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌إِنَّ‍‍ا‌ بِمَ‍‍ا‌ ‌أُ‌رْسِلَ بِ‍‍هِ مُؤْمِنُونَ
007-076 قال الذين استعلَوْا: إنَّا بالذي صدَّقتم به واتبعتموه من نبوة صالح جاحدون. قَ‍‍الَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اسْتَكْبَرُ‌و‌ا‌ ‌إِنَّ‍‍ا‌ بِ‍الَّذِي ‌آمَ‍‌‍ن‍‍تُمْ بِ‍‍هِ كَافِرُ‌ونَ
007-077 فنحروا الناقة استخفافا منهم بوعيد صالح، واستكبروا عن امتثال أمر ربهم، وقالوا على سبيل الاستهزاء واستبعاد العذاب: يا صالح ائتنا بما تتوعَّدنا به من العذاب، إن كنت مِن رسل الله. فَعَ‍قَ‍‍رُ‌و‌ا‌ال‍‍نَّ‍‍اقَ‍‍ةَ ‌وَعَتَوْ‌ا‌ عَ‍‌‍نْ ‌أَمْ‍‍ر‍ِ‍‌ ‌‍رَبِّهِمْ ‌وَ‍قَ‍‍الُو‌ا‌ يَاصَ‍‍الِحُ ‌ائْتِنَا‌ بِمَا‌ تَعِدُنَ‍‍ا‌ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍ن‍‍تَ مِنَ ‌الْمُرْسَلِينَ
007-078 فأخذَت الذين كفروا الزلزلةُ الشديدة التي خلعت قلوبهم، فأصبحوا في بلدهم هالكين، لاصقين بالأرض على رُكَبهم ووجوههم، لم يُفْلِت منهم أحد. فَأَ‍خَ‍‍ذَتْهُمُ ‌ال‍رَّجْ‍‍فَةُ فَأَ‍صْ‍‍بَحُو‌ا‌ فِي ‌دَ‌ا‌رِهِمْ جَاثِمِينَ
007-079 فأعرض صالح عليه السلام عن قومه -حين عقروا الناقة وحل بهم الهلاك- وقال لهم: يا قوم لقد أبلغتكم ما أمرني ربي بإبلاغه من أمره ونهيه، وبَذَلْت لكم وسعي في الترغيب والترهيب والنصح، ولكنكم لا تحبون الناصحين، فرددتم قولهم، وأطعتم كل شيطان رجيم. فَتَوَلَّى‌ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمْ ‌وَ‍قَ‍‍الَ يَاقَ‍‍وْمِ لَ‍‍قَ‍‍دْ‌ ‌أَبْ‍‍لَ‍‍غْ‍‍تُكُمْ ‌رِسَالَةَ ‌‍رَبِّي ‌وَنَ‍‍صَ‍‍حْتُ لَكُمْ ‌وَلَكِ‍‌‍نْ لاَ‌ تُحِبّ‍‍ُ‍ونَ ‌ال‍‍نَّ‍‍اصِ‍‍حِينَ
007-080 واذكر -أيها الرسول- لوطًا عليه السلام حين قال لقومه: أتفعلون الفعلة المنكرة التي بلغت نهاية القبح؟ ما فعلها مِن أحد قبلكم من المخلوقين. وَلُوط‍‍ا‌‌ ً‌ ‌إِ‌ذْ‌ قَ‍‍الَ لِ‍‍قَ‍‍وْمِهِ ‌أَتَأْت‍‍ُ‍ونَ ‌الْفَاحِشَةَ مَا‌ سَبَ‍‍قَ‍‍كُمْ بِهَا‌ مِ‍‌‍نْ ‌أَحَد‌ٍ‌ مِنَ ‌الْعَالَمِينَ
007-081 إنكم لتأتون الذكور في أدبارهم، شهوة منكم لذلك، غير مبالين بقبحها، تاركين الذي أحلَّه الله لكم من نسائكم، بل أنتم قوم متجاوزون لحدود الله في الإسراف. إن إتيان الذكور دون الإناث من الفواحش التي ابتدعها قوم لوط، ولم يسبقهم بها أحد من الخلق. إِنَّ‍‍كُمْ لَتَأْت‍‍ُ‍ونَ ‌ال‍‍رِّج‍‍َ‍الَ شَهْوَة ً‌ مِ‍‌‍نْ ‌د‍ُ‍‌ونِ ‌ال‍‍نِس‍‍َ‍ا‌ء‌ ۚ بَلْ ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ قَ‍‍وْمٌ‌ مُسْ‍‍رِفُونَ
007-082 وما كان جواب قوم لوط حين أنكر عليهم فعلهمالشنيع إلا أن قال بعضهم لبعض: أخرجوا لوطًا وأهله من بلادكم، إنه ومن تبعه أناس يتنزهون عن إتيان أدبار الرجال والنساء. وَمَا‌ ك‍‍َ‍انَ جَو‍َ‍‌ابَ قَ‍‍وْمِهِ ‌إِلاَّ‌ ‌أَ‌نْ قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌أَ‍خْ‍‍رِجُوهُمْ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍رْيَتِكُمْ ۖ ‌إِنَّ‍‍هُمْ ‌أُن‍‍َ‍اسٌ‌ يَتَ‍‍طَ‍‍هَّرُ‌ون
007-083 فأنجى الله لوطًا وأهله من العذاب حيث أمره بمغادرة ذلك البلد، إلا امرأته، فإنها كانت من الهالكين الباقين في عذاب الله. فَأَ‌ن‍‍جَيْن‍‍َ‍اهُ ‌وَ‌أَهْلَهُ~ُ ‌إِلاَّ‌ ‌امْ‍رَ‌أَتَ‍‍هُ كَانَتْ مِنَ ‌الْ‍‍غَ‍‍ابِ‍‍رِينَ
007-084 وعذَّب الله الكفار من قوم لوط بأن أنزل عليهم مطرًا من الحجارة، وقلب بلادهم، فجعل عاليها سافلها، فانظر -أيها الرسول- كيف صارت عاقبة الذين اجترؤوا على معاصي الله وكذبوا رسله. وَ‌أَمْ‍‍طَ‍‍رْنَا‌ عَلَيْهِمْ مَ‍‍طَ‍‍ر‌ا‌‌ ًۖ فَا‌ن‍‍ظُ‍‍رْ‌ كَ‍‍يْ‍‍فَ ك‍‍َ‍انَ عَاقِ‍‍بَةُ ‌الْمُ‍‍جْ‍‍رِمِينَ
007-085 ولقد أرسلنا إلى قبيلة "مدين" أخاهم شعيبًا عليه السلام، فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له؛ ليس لكم مِن إله يستحق العبادة غيره جل وعلا فأخلصوا له العبادة، قد جاءكم برهان من ربكم على صِدْق ما أدعوكم إليه، فأدوا للناس حقوقهم بإيفاء الكيل والميزان، ولا تنقصوهم حقوقهم فتظلموهم، ولا تفسدوا في الأرض -بالكفر والظلم- بعد إصلاحها بشرائع الأنبياء السابقين عليهم السلام. ذلك الذي دعوتكم إليه خير لكم في دنياكم وأخراكم، إن كنتم مصدقيَّ فيما دعوتكم إليه، عاملين بشرع الله. وَ‌إِلَى‌ مَ‍‍دْيَنَ ‌أَ‍خَ‍‍اهُمْ شُعَيْبا‌‌ ًۗ قَ‍‍الَ يَاقَ‍‍وْمِ ‌اعْبُدُ‌و‌ا‌اللَّ‍‍هَ مَا‌ لَكُمْ مِ‍‌‍نْ ‌إِلَهٍ غَ‍‍يْرُهُ قَ‍‍دْ‌ ۖ ج‍‍َ‍ا‌ءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّكُمْ فَأَ‌وْفُو‌اۖ ‌الْكَ‍‍يْ‍‍لَ ‌وَ‌الْمِيز‍َ‍‌انَ ‌وَلاَ‌ تَ‍‍بْ‍‍‍‍خَ‍‍سُو‌ا‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسَ ‌أَشْي‍‍َ‍ا‌ءَهُمْ ‌وَلاَ‌ تُفْسِدُ‌و‌ا‌ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ بَعْدَ‌ ‌إِصْ‍‍لاَحِهَا‌ ‌ذَلِكُمْ ۚ خَ‍‍يْ‍‍ر‌ٌ‌ لَكُمْ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍ن‍‍تُمْ مُؤْمِنِينَ
007-086 ولا تقعدوا بكل طريق تتوعدون الناس بالقتل، إن لم يعطوكم أموالهم، وتصدُّون عن سبيل الله القويم منصدَّق به عز وجل، وعمل صالحًا، وتبغون سبيل الله أن تكون معوجة، وتميلونها اتباعًا لأهوائكم، وتنفِّرون الناس عن اتباعها. واذكروا نعمة الله تعالى عليكم إذ كان عددكم قليلا فكثَّركم، فأصبحتم أقوياء عزيزين، وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين في الأرض، وما حلَّ بهم من الهلاك والدمار؟ وَلاَ‌ تَ‍‍قْ‍‍عُدُ‌و‌ا‌ بِكُلِّ صِ‍رَ‍‌اط‌‍‌‍ٍ‌ تُوعِد‍ُ‍‌ونَ ‌وَتَ‍‍صُ‍‍دّ‍ُ‍‌ونَ عَ‍‌‍نْ سَب‍‍ِ‍ي‍‍لِ ‌اللَّ‍‍هِ مَ‍‌‍نْ ‌آمَنَ بِ‍‍هِ ‌وَتَ‍‍بْ‍‍‍‍غُ‍‍ونَهَا‌ عِوَجا‌ ًۚ ‌وَ‌ا‌ذْكُرُ‌و‌ا‌ ‌إِ‌ذْ‌ كُ‍‌‍ن‍‍تُمْ قَ‍‍لِيلا‌‌ ً‌ فَكَثَّ‍رَكُمْ ۖ ‌وَ‌ان‍‍ظُ‍‍رُ‌و‌ا‌ كَ‍‍يْ‍‍فَ ك‍‍َ‍انَ عَاقِ‍‍بَةُ ‌الْمُفْسِدِينَ
007-087 وإن كان جماعة منكم صدَّقوا بالذي أرسلني الله به، وجماعة لم يصدِّقوا بذلك، فانتظروا أيها المكذبون قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم حين يحلُّ عليكم عذابه الذي أنذرتكم به. والله -جلَّ وعلا- هو خير الحاكمين بين عباده. وَ‌إِ‌نْ ك‍‍َ‍انَ طَ‍‍ائِفَةٌ‌ مِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ ‌آمَنُو‌ا‌ بِ‍الَّذِي ‌أُ‌رْسِلْتُ بِ‍‍هِ ‌وَ‍طَ‍‍ائِفَة ٌ‌ لَمْ يُؤْمِنُو‌ا‌ فَاصْ‍‍بِرُ‌و‌ا‌ حَتَّى‌ يَحْكُمَ ‌اللَّ‍‍هُ بَيْنَنَا‌ ۚ ‌وَهُوَ‌ خَ‍‍يْ‍‍رُ‌ ‌الْحَاكِمِينَ
007-088 قال السادة والكبراء من قوم شعيب الذين تكبروا عن الإيمان بالله واتباع رسوله شعيب عليه السلام: لنخرجنك يا شعيب ومَن معك من المؤمنين من ديارنا، إلا إذا صرتم إلى ديننا، قال شُعيب منكرًا ومتعجبًا من قولهم: أنتابعكم على دينكم ومِلَّتكم الباطلة، ولو كنا كارهين لها لعِلْمِنا ببطلانها؟ قَ‍‍الَ ‌الْمَلَأُ‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اسْتَكْبَرُ‌و‌ا‌ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍وْمِ‍‍هِ لَنُ‍‍خْ‍‍رِجَ‍‍نَّ‍‍كَ يَا‌ شُعَ‍‍يْ‍‍بُ ‌وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌ا‌ مَعَكَ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍رْيَتِنَ‍‍ا‌ ‌أَ‌وْ‌ لَتَعُو‌دُنَّ فِي مِلَّتِنَا‌ ۚ قَ‍‍الَ ‌أَ‌وَلَوْ‌ كُ‍‍نَّ‍‍ا‌ كَا‌رِهِينَ
007-089 وقال شعيب لقومه مستدركًا: قد اختلقنا على الله الكذب إن عُدْنا إلى دينكم بعد أن أنقذنا الله منه، وليس لنا أن نتحول إلى غير دين ربنا إلا أن يشاء الله ربنا، وقد وسع ربنا كل شيء علمًا، فيعلم ما يصلح للعباد، على الله وحدهاعتمادنا هداية ونصرة، ربنا احكم بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير الحاكمين. قَ‍‍دِ‌ ‌افْتَ‍رَيْنَا‌ عَلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ كَذِبا‌‌ ً‌ ‌إِ‌نْ عُ‍‍دْنَا‌ فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ‌ ‌إِ‌ذْ‌ نَجَّانَا‌ ‌اللَّهُ مِ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ ۚ ‌وَمَا‌ يَك‍‍ُ‍ونُ لَنَ‍‍ا‌ ‌أَ‌نْ نَع‍‍ُ‍و‌دَ‌ فِيهَ‍‍ا‌ ‌إِلاَّ‌ ‌أَ‌نْ يَش‍‍َ‍ا‌ءَ‌ ‌اللَّ‍‍هُ ‌‍رَبُّنَا‌ ۚ ‌وَسِعَ ‌‍رَبُّنَا‌ كُلَّ شَ‍‍يْءٍ‌ عِلْماً‌ ۚ عَلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ تَوَكَّلْنَا‌ ۚ ‌‍رَبَّنَا‌ ‌افْتَحْ بَيْنَنَا‌ ‌وَبَ‍‍يْ‍‍نَ قَ‍‍وْمِنَا‌ بِ‍الْحَ‍‍قِّ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍تَ خَ‍‍يْ‍‍رُ‌ ‌الْفَاتِحِينَ
007-090 وقال السادة والكبراء المكذبون الرافضون لدعوة التوحيد إمعانًا في العتوِّ والتمرد، محذرين من اتباع شعيب: لئن اتبعتم شعيبًا إنكم إذًا لهالكون. وَ‍قَ‍‍الَ ‌الْمَلَأُ‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍وْمِ‍‍هِ لَئِنِ ‌اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبا‌‌ ً‌ ‌إِنَّ‍‍كُمْ ‌إِ‌ذ‌ا‌ ً‌ لَ‍‍خَ‍‍اسِرُ‌ونَ
007-091 فأخذَتْ قومَ شعيب الزلزلةُ الشديدة، فأصبحوا في دارهم صرعى ميتين. فَأَ‍خَ‍‍ذَتْهُمُ ‌ال‍رَّجْ‍‍فَةُ فَأَ‍صْ‍‍بَحُو‌ا‌ فِي ‌دَ‌ا‌رِهِمْ جَاثِمِينَ
007-092 الذين كذَّبوا شعيبًا كأنهم لم يقيموا في ديارهم، ولم يتمتعوا فيها، حيث استؤصلوا، فلم يبق لهم أثر، وأصابهم الخسران والهلاك في الدنيا والآخرة. الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَذَّبُو‌ا‌ شُعَيْبا‌‌ ً‌ كَأَ‌نْ لَمْ يَ‍‍غْ‍‍نَوْ‌ا‌ فِيهَا‌ ۚ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَذَّبُو‌ا‌ شُعَيْبا‌‌ ً‌ كَانُو‌ا‌ هُمُ ‌الْ‍‍خَ‍‍اسِ‍‍رِينَ
007-093 فأعرض شعيب عنهم حينما أيقن بحلول العذاب بهم، وقال: يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم بالدخول في دين الله والإقلاع عما أنتم عليه، فلم تسمعوا ولم تطيعوا، فكيف أحزن على قوم جحدوا وحدانية الله وكذبوا رسله؟ فَتَوَلَّى‌ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمْ ‌وَ‍قَ‍‍الَ يَا‌ قَ‍‍وْمِ لَ‍‍قَ‍‍دْ‌ ‌أَبْ‍‍لَ‍‍غْ‍‍تُكُمْ ‌رِسَالاَتِ ‌‍رَبِّي ‌وَنَ‍‍صَ‍‍حْتُ لَكُمْ ۖ فَكَ‍‍يْ‍‍فَ ‌آسَى‌ عَلَى‌ قَ‍‍وْم‌‍ٍ‌ كَافِ‍‍رِينَ
007-094 وما أرسلنا في قرية من نبي يدعوهم إلى عبادة الله، وينهاهم عمَّا هم فيه من الشرك، فكذَّبه قومه، إلا ابتليناهم بالبأساء والضراء، فأصبناهم في أبدانهم بالأمراض والأسقام، وفي أموالهم بالفقر والحاجة؛ رجاء أن يستكينوا، وينيبوا إلى الله، ويرجعوا إلى الحق. وَمَ‍‍ا‌ ‌أَ‌رْسَلْنَا‌ فِي قَ‍‍رْيَةٍ‌ مِ‍‌‍نْ نَبِيّ‌‍ٍ‌ ‌إِلاَّ‌ ‌أَ‍خَ‍‍ذْنَ‍‍ا‌ ‌أَهْلَهَا‌ بِ‍الْبَأْس‍‍َ‍ا‌ءِ‌ ‌وَ‌ال‍‍ضَّ‍‍رّ‍َ‍‌ا‌ءِ‌ لَعَلَّهُمْ يَ‍‍ضَّ‍رَّعُونَ
007-095 ثم بدَّلنا الحالة الطيبة الأولى مكان الحالة السيئة، فأصبحوا في عافية في أبدانهم، وسَعَة ورخاءفي أموالهم؛ إمهالا لهم، ولعلهم يشكرون، فلم يُفِد معهم كل ذلك، ولم يعتبروا ولم ينتهوا عمَّا هم فيه، وقالوا: هذه عادة الدهر في أهله، يوم خير ويوم شر، وهو ما جرى لآبائنا من قبل، فأخذناهم بالعذاب فجأة وهم آمنون، لا يخطر لهم الهلاك على بال. ثُ‍‍مَّ بَدَّلْنَا‌ مَك‍‍َ‍انَ ‌ال‍‍سَّيِّئَةِ ‌الْحَسَنَةَ حَتَّى‌ عَفَو‌ا‌ ‌وَ‍قَ‍‍الُو‌اقَ‍‍دْ‌ مَسَّ ‌آب‍‍َ‍ا‌ءَنَا‌ ‌ال‍‍ضَّ‍‍رّ‍َ‍‌ا‌ءُ‌ ‌وَ‌ال‍‍سَّرّ‍َ‍‌ا‌ءُ‌ فَأَ‍خَ‍‍ذْنَاهُمْ بَ‍‍غْ‍‍تَة ً‌ ‌وَهُمْ لاَ‌ يَشْعُرُ‌ونَ
007-096 ولو أنَّ أهل القرى صدَّقوا رسلهم واتبعوهم واجتنبوا ما نهاهم الله عنه، لفتح الله لهم أبواب الخير من كلِّ وجه، ولكنهم كذَّبوا، فعاقبهم الله بالعذاب المهلك بسبب كفرهم ومعاصيهم. وَلَوْ‌ ‌أَنَّ ‌أَهْلَ ‌الْ‍‍قُ‍رَ‌ى‌ ‌آمَنُو‌ا‌ ‌وَ‌اتَّ‍‍قَ‍‍وْ‌ا‌ لَفَتَحْنَا‌ عَلَيْهِمْ بَ‍رَك‍‍َ‍اتٍ‌ مِنَ ‌ال‍‍سَّم‍‍َ‍ا‌ءِ‌ ‌وَ‌الأَ‌رْ‍ضِ ‌وَلَكِ‍‌‍نْ كَذَّبُو‌ا‌ فَأَ‍خَ‍‍ذْنَاهُمْ بِمَا‌ كَانُو‌ا‌ يَكْسِبُونَ
007-097 أيظن أهل القرى أنهم في منجاة ومأمن من عذاب الله، أن يأتيهم ليلا وهم نائمون؟ أَفَأَمِنَ ‌أَهْلُ ‌الْ‍‍قُ‍رَ‌ى‌ ‌أَ‌نْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا‌ بَيَاتا‌ ً‌ ‌وَهُمْ ن‍‍َ‍ائِمُونَ
007-098 أوَأمن أهل القرى أن يأتيهم عذاب الله وقت الضحى، وهم غافلون متشاغلون بأمور دنياهم؟ وخصَّ الله هذين الوقتين بالذكر، لأن الإنسان يكون أغْفَل ما يكون فيهما، فمجيء العذاب فيهما أفظع وأشد. أَ‌وَ‌ ‌أَمِنَ ‌أَهْلُ ‌الْ‍‍قُ‍رَ‌ى‌ ‌أَ‌نْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا‌ ضُ‍‍حى‌ ً‌ ‌وَهُمْ يَلْعَبُونَ
007-099 أفأمن أهل القرى المكذبة مَكْرَ الله وإمهاله لهم؛ استدراجًا لهم بما أنعم عليهم في دنياهم عقوبة لمكرهم؟ فلا يأمن مكر الله إلا القوم الهالكون. أَفَأَمِنُو‌ا‌ مَكْ‍رَ‌اللَّ‍‍هِ ۚ فَلاَ‌ يَأْمَنُ مَكْ‍رَ‌اللَّ‍‍هِ ‌إِلاَّ‌ ‌الْ‍‍قَ‍‍وْمُ ‌الْ‍‍خَ‍‍اسِرُ‌ونَ
007-100 أوَلم يتبين للذين سكنوا الأرض من بعد إهلاك أهلها السابقين بسبب معاصيهم، فساروا سيرتهم، أن لو نشاء أصبناهم بسبب ذنوبهم كما فعلنا بأسلافهم، ونختم على قلوبهم، فلايدخلها الحق، ولا يسمعون موعظة ولا تذكيرًا؟ أَ‌وَلَمْ يَهْدِ‌ لِلَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَ‍‍رِث‍‍ُ‍ونَ ‌الأَ‌رْ‍ضَ مِ‍‌‍نْ بَعْدِ‌ ‌أَهْلِهَ‍‍ا‌ ‌أَ‌نْ لَوْ‌ نَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ‌أَ‍صَ‍‍بْ‍‍نَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ۚ ‌وَنَ‍‍طْ‍‍بَعُ عَلَى‌ قُ‍‍لُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ‌ يَسْمَعُونَ
007-101 تلك القرى التي تَقَدَّم ذِكْرُها، وهي قرى قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، نقصُّ عليك -أيها الرسول- من أخبارها، وما كان من أَمْر رسل الله التي أرسلت إليهم، ما يحصل به عبرة للمعتبرين وازدجار للظالمين. ولقد جاءت أهلَ القرى رسلنا بالحجج البينات على صدقهم، فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل؛ بسبب طغيانهم وتكذيبهم بالحق، ومثل خَتْمِ الله على قلوب هؤلاء الكافرين المذكورين يختم الله على قلوب الكافرين بمحمد صلى الله عليه وسلم. تِلْكَ ‌الْ‍‍قُ‍رَ‌ى‌ نَ‍‍قُ‍‍صُّ عَلَ‍‍يْ‍‍كَ مِ‍‌‍نْ ‌أَ‌نْ‍‍ب‍‍َ‍ائِهَا‌ ۚ ‌وَلَ‍‍قَ‍‍دْ‌ ج‍‍َ‍ا‌ءَتْهُمْ ‌رُسُلُهُمْ بِ‍الْبَيِّن‍‍َ‍اتِ فَمَا‌ كَانُو‌ا‌ لِيُؤْمِنُو‌ا‌ بِمَا‌ كَذَّبُو‌ا‌ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لُ ۚ كَذَلِكَ يَ‍‍طْ‍‍بَعُ ‌اللَّ‍‍هُ عَلَى‌ قُ‍‍ل‍‍ُ‍وبِ ‌الْكَافِ‍‍رِينَ
007-102 وما وَجَدْنا لأكثر الأم الماضية من أمانة ولا وفاء بالعهد، وما وجدنا أكثرهم إلا فسقة عن طاعة الله وامتثال أمره. وَمَا‌ ‌وَجَ‍‍دْنَا‌ لِأكْثَ‍‍رِهِمْ مِ‍‌‍نْ عَهْد‌ٍۖ ‌وَ‌إِ‌نْ ‌وَجَ‍‍دْنَ‍‍ا‌ ‌أَكْثَ‍رَهُمْ لَفَاسِ‍‍قِ‍‍ينَ
007-103 ثم بعثنا من بعد الرسل المتقدم ذِكْرهم موسى بن عمران بمعجزاتنا البينة إلى فرعون وقومه، فجحدوا وكفروا بها ظلمًا منهم وعنادًا، فانظر -أيها الرسول- متبصرًا كيف فعلنا بهم وأغرقناهم عن آخرهم بمرأى من موسى وقومه؟ وتلك نهاية المفسدين. ثُ‍‍مَّ بَعَثْنَا‌ مِ‍‌‍نْ بَعْدِهِمْ مُوسَى‌ بِآيَاتِنَ‍‍ا‌ ‌إِلَى‌ فِ‍‍رْعَ‍‍وْنَ ‌وَمَلَئِ‍‍هِ فَ‍‍ظَ‍‍لَمُو‌ا‌ بِهَا‌ ۖ فَا‌ن‍‍ظُ‍‍رْ‌ كَ‍‍يْ‍‍فَ ك‍‍َ‍انَ عَاقِ‍‍بَةُ ‌الْمُفْسِدِينَ
007-104 وقال موسى لفرعون محاورًا مبلِّغًا: إني رسولٌ من الله خالق الخلق أجمعين، ومدبِّر أحوالهم ومآلهم. وَ‍قَ‍‍الَ مُوسَى‌ يَا‌ فِ‍‍رْعَ‍‍وْنُ ‌إِنِّ‍‍ي ‌‍رَس‍‍ُ‍ولٌ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّ ‌الْعَالَمِينَ
007-105 جدير بأن لا أقول على الله إلا الحق، وحريٌّ بي أن ألتزمه، قد جئتكمببرهان وحجة باهرة من ربكم على صِدْق ما أذكره لكم، فأطلق -يا فرعون- معي بني إسرائيل مِن أَسْرك وقَهْرك، وخلِّ سبيلهم لعبادة الله. حَ‍قِ‍‍ي‍‍قٌ عَلَ‍‍ى‌ ‌أَ‌نْ لاَ‌ ‌أَ‍قُ‍‍ولَ عَلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌إِلاَّ‌ ‌الْحَ‍‍قَّ ۚ قَ‍‍دْ‌ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّكُمْ فَأَ‌رْسِلْ مَعِي بَنِ‍‍ي ‌إِسْر‍َ‍‌ائ‍‍ِ‍‍يلَ
007-106 قال فرعرن لموسى: إن كنتَ جئتَ بآية حسب زعمك فأتني بها، وأحضرها عندي؛ لتصحَّ دعواك ويثبت صدقك، إن كنت صادقًا فيما ادَّعيت أنك رسول رب العالمين. قَ‍‍الَ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍ن‍‍تَ جِئْتَ بِآيَة‌‍ٍ‌ فَأْتِ بِهَ‍‍ا‌ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍ن‍‍تَ مِنَ ‌ال‍‍صَّ‍‍ا‌دِقِ‍‍ينَ
007-107 فألقى موسى عصاه، فتحولت حيَّة عظيمة ظاهرة للعيان. فَأَلْ‍‍قَ‍‍ى‌ عَ‍‍صَ‍‍اهُ فَإِ‌ذَ‌ا‌ هِيَ ثُعْب‍‍َ‍انٌ‌ مُبِينٌ
007-108 وجذب يده من جيبه أو من جناحه فإذا هي بيضاء كاللبن من غير برص آية لفرعون، فإذا ردَّها عادت إلى لونها الأول، كسائر بدنه. وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِ‌ذَ‌ا‌ هِيَ بَيْ‍‍ضَ‍‍ا‌ءُ‌ لِل‍‍نَّ‍‍اظِ‍‍رِينَ
007-109 قال الأشراف من قوم فرعون: إن موسى لساحر يأخذ بأعين الناس بخداعه إياهم، حتى يخيل إليهم أن العصا حية، والشيء بخلاف ما هو عليه، وهو واسع العلم بالسحر ماهر به. قَ‍‍الَ ‌الْمَلَأُ‌ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍وْمِ فِ‍‍رْعَ‍‍وْنَ ‌إِنَّ هَذَ‌ا‌ لَسَاحِرٌ‌ عَلِيمٌ
007-110 يريد أن يخرجكم جميعًا من أرضكم، قال فرعون: فبماذا تشيرون عليَّ أيها الملأ في أمر موسى؟ يُ‍‍ر‍ِ‍ي‍‍دُ‌ ‌أَ‌نْ يُ‍‍خْ‍‍رِجَكُمْ مِ‍‌‍نْ ‌أَ‌رْ‍ضِ‍‍كُمْ ۖ فَمَا‌ذَ‌ا‌ تَأْمُرُ‌ونَ
007-111 قال مَن حضر مناظرة موسى مِن سادة قوم فرعون وكبرائهم: أَخِّر موسى وأخاه هارون، وابعث في مدائن "مصر" وأقاليمها الشُّرَط. قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌أَ‌رْجِ‍‍هِ ‌وَ‌أَ‍خَ‍‍اهُ ‌وَ‌أَ‌رْسِلْ فِي ‌الْمَد‍َ‍‌ائِنِ حَاشِ‍‍رِينَ
007-112 ليجمعوا لك كل ساحر واسع العلم بالسحر. يَأْت‍‍ُ‍وكَ بِكُلِّ سَاحِ‍‍ر‍ٍ‍‌ عَلِيمٍ
007-113 وجاء السحرة فرعون قالوا: أئنَّ لنا لجائزة ومالا إن غَلَبْنا موسى؟ وَج‍‍َ‍ا‌ءَ‌ ‌ال‍‍سَّحَ‍رَةُ فِ‍‍رْعَ‍‍وْنَ قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌إِنَّ لَنَا‌ لَأَجْ‍‍ر‌ا‌‌ ً‌ ‌إِ‌نْ كُ‍‍نَّ‍‍ا‌ نَحْنُ ‌الْ‍‍غَ‍‍الِبِينَ
007-114 قال فرعون: نعم لكم الأجر والقرب مني إنغَلَبْتُموه. قَ‍‍الَ نَعَمْ ‌وَ‌إِنَّ‍‍كُمْ لَمِنَ ‌الْمُ‍‍قَ‍رَّبِينَ
007-115 قال سحرة فرعون لموسى على سبيل التكبر وعدم المبالاة: يا موسى اختر أن تُلقي عصاك أولا أو نُلقي نحن أولا. قَ‍‍الُو‌ا‌ يَا‌ مُوسَ‍‍ى‌ ‌إِمَّ‍‍ا‌ ‌أَ‌نْ تُلْ‍‍قِ‍‍يَ ‌وَ‌إِمَّ‍‍ا‌ ‌أَ‌نْ نَك‍‍ُ‍ونَ نَحْنُ ‌الْمُلْ‍‍قِ‍‍ينَ
007-116 قال موسى للسحرة: ألقوا أنتم، فلما ألقَوا الحبال والعصيَّ سحروا أعين الناس، فخُيِّل إلى الأبصار أن ما فعلوه حقيقة، ولم يكن إلا مجرد صنعة وخيال، وأرهبوا الناس إرهابًا شديدًا، وجاؤوا بسحر قوي كثير. قَ‍‍الَ ‌أَلْ‍‍قُ‍‍و‌اۖ فَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ ‌أَلْ‍‍قَ‍‍وْ‌ا‌ سَحَرُ‌و‌ا‌ ‌أَعْيُنَ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسِ ‌وَ‌اسْتَرْهَبُوهُمْ ‌وَج‍‍َ‍ا‌ء‍ُ‍‌و‌ا‌ بِسِحْرٍ‌ عَ‍‍ظِ‍‍يمٍ
007-117 وأوحى الله إلى عبده ورسوله موسى عليه السلام في ذلك الموقف العظيم الذي فرَّق الله فيه بين الحق والباطل، يأمره بأن يُلقي ما في يمينه وهي عصاه، فألقاها فإذا هي تبلع ما يلقونه، ويوهمون الناس أنه حق وهو باطل. وَ‌أَ‌وْحَيْنَ‍‍ا‌ ‌إِلَى‌ مُوسَ‍‍ى‌ ‌أَ‌نْ ‌أَلْ‍‍قِ عَ‍‍صَ‍‍اكَ ۖ فَإِ‌ذَ‌ا‌ هِيَ تَلْ‍‍قَ‍‍فُ مَا‌ يَأْفِكُونَ
007-118 فظهر الحق واستبان لمن شهده وحضره في أمر موسى عليه السلام، وأنه رسول الله يدعو إلى الحق، وبطل الكذب الذي كانوا يعملونه. فَوَ‍قَ‍‍عَ ‌الْحَ‍‍قُّ ‌وَبَ‍‍طَ‍‍لَ مَا‌ كَانُو‌ا‌ يَعْمَلُونَ
007-119 فغُلِبَ جميع السحرة في مكان اجتماعهم، وانصرف فرعون وقومه أذلاء مقهورين مغلوبين. فَ‍‍غُ‍‍لِبُو‌ا‌ هُنَالِكَ ‌وَ‌ان‍‍قَ‍‍لَبُو‌اصَ‍‍اغِ‍‍رِينَ
007-120 وخَرَّ السحرة سُجَّدًا على وجوههم لله رب العالمين لِمَا عاينوا من عظيم قدرة الله. وَ‌أُلْ‍‍قِ‍‍يَ ‌ال‍‍سَّحَ‍رَةُ سَاجِدِينَ
007-121 قالوا: آمنا برب العالمين. قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌آمَ‍‍نَّ‍‍ا‌ بِ‍رَبِّ ‌الْعَالَمِينَ
007-122 وهو رب موسى وهارون، وهو الذي يجب أن تصرف له العبادة وحده دون مَن سواه. رَبِّ مُوسَى‌ ‌وَهَا‌رُ‌ونَ
007-123 قال فرعون للسحرة: آمنتم بالله قبل أن آذن لكمبالإيمان به؟ إن إيمانكم بالله وتصديقكم لموسى وإقراركم بنبوته لحيلة احتلتموها أنتم وموسى؛ لتخرجوا أهل مدينتكم منها، وتكونوا المستأثرين بخيراتها، فسوف تعلمون -أيها السحرة- ما يحلُّ بكم من العذاب والنكال. قَ‍‍الَ فِ‍‍رْعَ‍‍وْنُ ‌آمَ‍‌‍ن‍‍تُمْ بِ‍‍هِ قَ‍‍بْ‍‍لَ ‌أَ‌نْ ‌آ‌ذَنَ لَكُمْ ۖ ‌إِنَّ هَذَ‌ا‌ لَمَكْر‌ٌ‌ مَكَرْتُم‍‍ُ‍وهُ فِي ‌الْمَدِينَةِ لِتُ‍‍خْ‍‍رِجُو‌ا‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هَ‍‍ا‌ ‌أَهْلَهَا‌ ۖ فَسَ‍‍وْفَ تَعْلَمُونَ
007-124 لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم -أيها السحرة- من خلاف: بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، أو اليد اليسرى والرجل اليمنى، ثم لأعلقنَّكم جميعًا على جذوع النخل؛ تنكيلا بكم وإرهابًا للناس. لَأُ‍قَ‍‍طِّ‍‍عَ‍‍نَّ ‌أَيْدِيَكُمْ ‌وَ‌أَ‌رْجُلَكُمْ مِ‍‌‍نْ خِ‍‍لاَف‌‍ٍ‌ ثُ‍‍مَّ لَأُ‍صَ‍‍لِّبَ‍‍نَّ‍‍كُمْ ‌أَجْ‍‍مَعِينَ
007-125 قال السحرة لفرعون: قد تحققنا أنَّا إلى الله راجعون، وأن عذابه أشد من عذابك، فلنصبرنَّ اليوم على عذابك؛ لِننجو من عذاب الله يوم القيامة. قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌إِنَّ‍‍ا‌ ‌إِلَى‌ ‌‍رَبِّنَا‌ مُ‍‌‍ن‍‍قَ‍‍لِبُونَ
007-126 ولستَ تعيب منا وتنكر -يا فرعون- إلا إيماننا وتصديقنا بحجج ربنا وأدلته التي جاء بها موسى ولا تقدر على مثلها أنت ولا أحد آخر سوى الله الذي له ملك السموات والأرض، ربنا أَفِضْ علينا صبرًا عظيمًا وثباتا عليه، وتوفَّنا منقادين لأمرك متبعين رسولك. وَمَا‌ تَ‍‌‍ن‍‍قِ‍‍مُ مِ‍‍نَّ‍‍ا‌ ‌إِلاَّ‌ ‌أَ‌نْ ‌آمَ‍‍نَّ‍‍ا‌ بِآي‍‍َ‍اتِ ‌‍رَبِّنَا‌ لَ‍‍مَّ‍‍ا‌ ج‍‍َ‍ا‌ءَتْنَا‌ ۚ ‌‍رَبَّنَ‍‍ا‌ ‌أَفْ‍‍رِ‍‍غْ عَلَيْنَا‌ صَ‍‍بْ‍‍ر‌ا‌ ً‌ ‌وَتَوَفَّنَا‌ مُسْلِمِينَ
007-127 وقال السادة والكبراء من قوم فرعون لفرعون: أَتَدَعُ موسى وقومه من بني إسرائيل ليفسدوا الناس في أرض "مصر" بتغيير دينهم بعبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادتك وعبادة آلهتك؟ قال فرعون: سنُقَتِّل أبناء بني إسرائيل ونستبقينساءهم أحياء للخدمة، وإنَّا عالون عليهم بقهر المُلْكِ والسلطان. وَ‍قَ‍‍الَ ‌الْمَلَأُ‌ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍وْمِ فِ‍‍رْعَ‍‍وْنَ ‌أَتَذَ‌رُ‌ مُوسَى‌ ‌وَ‍قَ‍‍وْمَ‍‍هُ لِيُفْسِدُ‌و‌ا‌ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ ‌وَيَذَ‌‍رَكَ ‌وَ‌آلِهَتَكَ ۚ قَ‍‍الَ سَنُ‍‍قَ‍‍تِّلُ ‌أَبْ‍‍ن‍‍َ‍ا‌ءَهُمْ ‌وَنَسْتَحْيِي نِس‍‍َ‍ا‌ءَهُمْ ‌وَ‌إِنَّ‍‍ا‌ فَوْ‍قَ‍‍هُمْ قَ‍‍اهِرُ‌ونَ
007-128 قال موسى لقومه -من بني إسرائيل-: استعينوا بالله على فرعون وقومه، واصبروا على ما نالكم من فرعون من المكاره في أنفسكم وأبنائكم. إن الأرض كلها لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة المحمودة لمن اتقى الله ففعل أوامره واجتنب نواهيه. قَ‍‍الَ مُوسَى‌ لِ‍‍قَ‍‍وْمِهِ ‌اسْتَعِينُو‌ا‌ بِ‍اللَّ‍‍هِ ‌وَ‌اصْ‍‍بِرُ‌و‌اۖ ‌إِنَّ ‌الأَ‌رْ‍ضَ لِلَّهِ يُو‌رِثُهَا‌ مَ‍‌‍نْ يَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ مِ‍‌‍نْ عِبَا‌دِهِ ۖ ‌وَ‌الْعَاقِ‍‍بَةُ لِلْمُتَّ‍‍قِ‍‍ينَ
007-129 قال قوم موسى -من بني إسرائيل- لنبيهم موسى: ابتُلينا وأُوذينا بذبح أبنائنا واستحياء نسائنا على يد فرعون وقومه، من قبل أن تأتينا، ومن بعد ما جئتنا، قال موسى لهم: لعل ربكم أن يهلك عدوكم فرعون وقومه، ويستخلفكم في أرضهم بعد هلاكهم، فينظر كيف تعملون، هل تشكرون أو تكفرون؟ قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌أ‍ُ‍‌و‌ذِينَا‌ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لِ ‌أَ‌نْ تَأْتِيَنَا‌ ‌وَمِ‍‌‍نْ بَعْدِ‌ مَا‌ جِئْتَنَا‌ ۚ قَ‍‍الَ عَسَى‌ ‌‍رَبُّكُمْ ‌أَ‌نْ يُهْلِكَ عَدُ‌وَّكُمْ ‌وَيَسْتَ‍‍خْ‍‍لِفَكُمْ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ فَيَ‍‌‍ن‍‍ظُ‍رَ‌ كَ‍‍يْ‍‍فَ تَعْمَلُونَ
007-130 ولقد ابتلينا فرعون وقومه بالقحط والجدب، ونَقْص ثمارهم وغَلاتهم؛ ليتذكروا، وينزجروا عن ضلالاتهم، ويفزعوا إلى ربهم بالتوبة. وَلَ‍قَ‍‍دْ‌ ‌أَ‍خَ‍‍ذْنَ‍‍ا‌ ‌آلَ فِ‍‍رْعَ‍‍وْنَ بِ‍ال‍‍سِّن‍‍ِ‍ي‍‍نَ ‌وَنَ‍‍قْ‍‍‍‍صٍ‌ مِنَ ‌ال‍‍ثَّمَ‍رَ‍‌اتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُ‌ونَ
007-131 فإذا جاء فرعونَ وقومَه الخِصْبُ والرزقُ قالوا: هذا لنا بما نستحقه، وإن يُصِبْهم جدب وقحط يتشاءموا، ويقولوا: هذا بسبب موسى ومَن معه. ألا إنَّ ما يصيبهم من الجدب والقحط إنما هو بقضاء الله وقدره، وبسبب ذنوبهم وكفرهم، ولكن أكثر قوم فرعون لا يعلمون ذلك؛ لانغمارهم في الجهل والضلال. فَإِ‌ذَ‌ا‌ ج‍‍َ‍ا‌ءَتْهُمُ ‌الْحَسَنَةُ قَ‍‍الُو‌ا‌ لَنَا‌ هَذِهِ ۖ ‌وَ‌إِ‌نْ تُ‍‍صِ‍‍بْ‍‍هُمْ سَيِّئَةٌ‌ يَ‍‍طَّ‍‍يَّرُ‌و‌ا‌ بِمُوسَى‌ ‌وَمَ‍‌‍نْ مَعَهُ~ُ ۗ ‌أَلاَ‌ ‌إِنَّ‍‍مَا‌ طَ‍‍ائِرُهُمْ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَلَكِ‍‍نَّ ‌أَكْثَ‍رَهُمْ لاَ‌ يَعْلَمُونَ
007-132 وقال قومفرعون لموسى: أي آية تأتِنا بها، ودلالة وحجة أقمتها لتصرفنا عما نحن عليه من دين فرعون، فما نحن لك بمصدِّقين. وَ‍قَ‍‍الُو‌ا‌ مَهْمَا‌ تَأْتِنَا‌ بِ‍‍هِ مِ‍‌‍نْ ‌آيَة‍ٍ‌ لِتَسْحَ‍رَنَا‌ بِهَا‌ فَمَا‌ نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ
007-133 فأرسلنا عليهم سيلا جارفًا أغرق الزروع والثمار، وأرسلنا الجراد، فأكل زروعهم وثمارهم وأبوابهم وسقوفهم وثيابهم، وأرسلنا القُمَّل الذي يفسد الثمار ويقضي على الحيوان والنبات، وأرسلنا الضفادع فملأت آنيتهم وأطعمتهم ومضاجعهم، وأرسلنا أيضًا الدم فصارت أنهارهم وآبارهم دمًا، ولم يجدوا ماء صالحًا للشرب، هذه آيات من آيات الله لا يقدر عليها غيره، مفرقات بعضها عن بعض، ومع كل هذا ترفَّع قوم فرعون، فاستكبروا عن الإيمان بالله، وكانوا قومًا يعملون بما ينهى الله عنه من المعاصي والفسق عتوًّا وتمردًا. فَأَ‌رْسَلْنَا‌ عَلَيْهِمُ ‌ال‍‍طُّ‍‍وف‍‍َ‍انَ ‌وَ‌الْجَ‍رَ‍‌ا‌دَ‌ ‌وَ‌الْ‍‍قُ‍‍مَّ‍‍لَ ‌وَ‌ال‍‍ضَّ‍‍فَا‌دِعَ ‌وَ‌ال‍‍دَّمَ ‌آي‍‍َ‍اتٍ‌ مُفَ‍‍صَّ‍‍لاَت‌‍ٍ‌ فَاسْتَكْبَرُ‌و‌ا‌ ‌وَكَانُو‌اقَ‍‍وْما‌ ً‌ مُ‍‍جْ‍‍رِمِينَ
007-134 ولما نزل العذاب على فرعون وقومه فزعوا إلى موسى وقالوا: يا موسى ادع لنا ربك بما أوحى به إليك مِن رَفْع العذاب بالتوبة، لئن رفعت عنا العذاب الذي نحن فيه لنصدِّقنَّ بما جئت به، ونتبع ما دعوت إليه، ولنطلقنَّ معك بني إسرائيل، فلا نمنعهم من أن يذهبوا حيث شاؤوا. وَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ ‌وَ‍قَ‍‍عَ عَلَيْهِمُ ‌ال‍‍رِّجْ‍‍زُ‌ قَ‍‍الُو‌ا‌ يَا‌ مُوسَى‌ ‌ا‌دْعُ لَنَا‌ ‌‍رَبَّكَ بِمَا‌ عَهِدَ‌ عِ‍‌‍نْ‍‍دَكَ ۖ لَئِ‍‌‍نْ كَشَفْتَ عَ‍‍نَّ‍‍ا‌ ‌ال‍‍رِّجْ‍‍زَ‌ لَنُؤْمِنَ‍‍نَّ لَكَ ‌وَلَنُرْسِلَ‍‍نَّ مَعَكَ بَنِ‍‍ي ‌إِسْر‍َ‍‌ائ‍‍ِ‍‍يلَ
007-135 فلما رفع الله عنهم العذاب الذى أنزله بهم إلى أجلٍ هم بالغوه لا محالة فيعذبون فيه، لا ينفعهم ما تقدَّم لهم من الإمهال وكَشْفِ العذابإلى حلوله، إذا هم ينقضون عهودهم التي عاهدوا عليها ربهم وموسى، ويقيمون على كفرهم وضلالهم. فَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ كَشَفْنَا‌ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمُ ‌ال‍‍رِّجْ‍‍زَ‌ ‌إِلَ‍‍ى‌ ‌أَجَلٍ هُمْ بَالِ‍‍غُ‍‍وهُ ‌إِ‌ذَ‌ا‌ هُمْ يَ‍‌‍ن‍‍كُثُونَ
007-136 فانتقمنا منهم حين جاء الأجل المحدد لإهلاكهم، وذلك بإحلال نقمتنا عليهم، وهي إغراقهم في البحر؛ بسبب تكذيبهم بالمعجزات التي ظهرت على يد موسى، وكانوا عن هذه المعجزات غافلين، وتلك الغفلة هي سبب التكذيب. فَا‌ن‍‍تَ‍‍قَ‍‍مْنَا‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمْ فَأَ‍‍غْ‍رَ‍قْ‍‍نَاهُمْ فِي ‌الْيَ‍‍مِّ بِأَنَّ‍‍هُمْ كَذَّبُو‌ا‌ بِآيَاتِنَا‌ ‌وَكَانُو‌ا‌ عَ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ غَ‍‍افِلِينَ
007-137 وأررثنا بني إسرائيل الذين كانوا يُستَذَلُّون للخدمة، مشارق الأرض ومغاربها (وهي بلاد "الشام") التي باركنا فيها، بإخراج الزروع والثمار والأنهار، وتمت كلمة ربك -أيها الرسول- الحسنى على بني إسرائيل بالتمكين لهم في الأرض؛ بسبب صبرهم على أذى فرعون وقومه، ودمَّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من العمارات والمزارع، وما كانوا يبنون من الأبنية والقصور وغير ذلك. وَ‌أَ‌وْ‌‍رَثْنَا‌ ‌الْ‍‍قَ‍‍وْمَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَانُو‌ا‌ يُسْتَ‍‍ضْ‍‍عَف‍‍ُ‍ونَ مَشَا‌رِ‍‍قَ ‌الأَ‌رْ‍ضِ ‌وَمَ‍‍غَ‍‍ا‌رِبَهَا‌ ‌الَّتِي بَا‌‍رَكْنَا‌ فِيهَا‌ ۖ ‌وَتَ‍‍مَّ‍‍تْ كَلِمَةُ ‌‍رَبِّكَ ‌الْحُسْنَى‌ عَلَى‌ بَنِ‍‍ي ‌إِسْر‍َ‍‌ائ‍‍ِ‍ي‍‍لَ بِمَا‌ صَ‍‍بَرُ‌و‌اۖ ‌وَ‌دَمَّ‍‍رْنَا‌ مَا‌ ك‍‍َ‍انَ يَ‍‍صْ‍‍نَعُ فِ‍‍رْعَ‍‍وْنُ ‌وَ‍قَ‍‍وْمُ‍‍هُ ‌وَمَا‌ كَانُو‌ا‌ يَعْ‍‍رِشُونَ
007-138 وقطعنا ببني إسرائيل البحر، فمرُّوا على قوم يقيمون ويواظبون على عبادة أصنام لهم، قال بنو إسرائيل: اجعل لنا يا موسى صنمًا نعبده ونتخذه إلهًا، كما لهؤلاء القوم أصنام يعبدونها، قال موسى لهم: إنكم أيها القوم تجهلون عظمة الله، ولا تعلمون أن العبادة لا تنبغي إلا لله الواحد القهار. وَجَا‌وَ‌زْنَا‌ بِبَنِ‍‍ي ‌إِسْر‍َ‍‌ائ‍‍ِ‍ي‍‍لَ ‌الْبَحْ‍رَ‌ فَأَتَوْ‌ا‌ عَلَى‌ قَ‍‍وْمٍ‌ يَعْكُف‍‍ُ‍ونَ عَلَ‍‍ى‌ ‌أَ‍صْ‍‍ن‍‍َ‍ام‍ٍ‌ لَهُمْ ۚ قَ‍‍الُو‌ا‌ يَامُوسَى‌ ‌اجْ‍‍عَ‍‍ل لَنَ‍‍ا‌ ‌إِلَها‌‌ ً‌ كَمَا‌ لَهُمْ ‌آلِهَة‌‍ٌقَ‍‍الَ ۚ ‌إِنَّ‍‍كُمْ قَ‍‍وْم‌‍ٌ‌ تَ‍‍جْ‍‍هَلُونَ
007-139 إن هؤلاء المقيمين على هذه الأصنام مُهْلَك ما هم فيه من الشرك،ومدمَّر وباطل ما كانوا يعملون من عبادتهم لتلك الأصنام، التي لا تدفع عنهم عذاب الله إذا نزل بهم. إِنَّ ه‍‍َ‍ا‌ؤُلاَ‌ء‌ مُتَبَّر‌ٌ‌ مَا‌ هُمْ ف‍‍ِ‍ي‍‍هِ ‌وَبَاطِ‍‍لٌ‌ مَا‌ كَانُو‌ا‌ يَعْمَلُونَ
007-140 قال موسى لقومه: أغير الله أطلب لكم معبودًا تعبدونه من دونه، والله هو الذي خلقكم، وفضَّلكم على عالمي زمانكم بكثرة الأنبياء فيكم، وإهلاك عدوكم وما خصَّكم به من الآيات؟ قَ‍‍الَ ‌أَ‍‍غَ‍‍يْ‍رَ‌اللَّ‍‍هِ ‌أَبْ‍‍‍‍غِ‍‍يكُمْ ‌إِلَها‌ ً‌ ‌وَهُوَ‌ فَ‍‍ضَّ‍‍لَكُمْ عَلَى‌ ‌الْعَالَمِينَ
007-141 واذكروا - يا بني إسرائيل - نِعَمنا عليكم إذ أنقذناكم من أَسْر فرعون وآله، وما كنتم فيه من الهوان والذلة من تذبيح أبنائكم واستبقاء نسائكم للخدمة، وفي حَمْلِكم على أقبح العذاب وأسوئه، ثم إنجائكم، اختبار من الله لكم ونعمة عظيمة. وَ‌إِ‌ذْ‌ ‌أَ‌ن‍‍جَيْنَاكُمْ مِ‍‌‍نْ ‌آلِ فِ‍‍رْعَ‍‍وْنَ يَسُومُونَكُمْ س‍‍ُ‍و‌ءَ‌ ‌الْعَذ‍َ‍‌ابِ ۖ يُ‍‍قَ‍‍تِّل‍‍ُ‍ونَ ‌أَبْ‍‍ن‍‍َ‍ا‌ءَكُمْ ‌وَيَسْتَحْي‍‍ُ‍ونَ نِس‍‍َ‍ا‌ءَكُمْ ۚ ‌وَفِي ‌ذَلِكُمْ بَلاَ‌ء‌ٌ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّكُمْ عَ‍‍ظِ‍‍يمٌ
007-142 وواعد الله سبحانه وتعالى موسى لمناجاة ربه ثلاثين ليلة، ثم زاده في الأجل بعد ذلك عشر ليال، فتمَّ ما وَقَّتَه الله لموسى لتكليمه أربعين ليلة. وقال موسى لأخيه هارون -حين أراد المضيَّ لمناجاة ربه-: كن خليفتي في قومي حتى أرجع، وأحمِلَهم على طاعة الله وعبادته، ولا تسلكْ طريق الذين يفسدون في الأرض. وَ‌وَ‌اعَ‍‍دْنَا‌ مُوسَى‌ ثَلاَث‍‍ِ‍ي‍‍نَ لَيْلَة ً‌ ‌وَ‌أَتْمَمْنَاهَا‌ بِعَشْر‌‌ٍ‌ فَتَ‍‍مَّ مِي‍‍قَ‍‍اتُ ‌‍رَبِّهِ ‌أَ‌رْبَع‍‍ِ‍ي‍‍نَ لَيْلَة ًۚ ‌وَ‍قَ‍‍الَ مُوسَى‌ لِأخِ‍‍ي‍‍هِ هَا‌ر‍ُ‍‌ونَ ‌اخْ‍‍لُفْنِي فِي قَ‍‍وْمِي ‌وَ‌أَ‍صْ‍‍لِحْ ‌وَلاَ‌ تَتَّبِعْ سَب‍‍ِ‍ي‍‍لَ ‌الْمُفْسِدِينَ
007-143 ولما جاء موسى في الوقت المحدد وهو تمام أربعين ليلة، وكلَّمه ربه بما كلَّمه من وحيه وأمره ونهيه، طمع في رؤية الله فطلب النظر إليه، قال الله له: لن تراني، أي لن تقدر على رؤيتي في الدنيا، ولكن انظرإلى الجبل، فإن استقر مكانه إذا تجلَّيتُ له فسوف تراني، فلما تجلَّى ربه للجبل جعله دكًّا مستويًا بالأرض، وسقط موسى مغشيًّا عليه، فلما أفاق من غشيته قال: تنزيهًا لك يا رب عما لا يليق بجلالك، إني تبت إليك من مسألتي إياك الرؤية في هذه الحياة الدنيا، وأنا أول المؤمنين بك من قومي. وَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ ج‍‍َ‍ا‌ءَ‌ مُوسَى‌ لِمِي‍‍قَ‍‍اتِنَا‌ ‌وَكَلَّمَ‍‍هُ ‌‍رَبُّ‍‍هُ قَ‍‍الَ ‌‍رَبِّ ‌أَ‌رِنِ‍‍ي ‌أَ‌ن‍‍ظُ‍‍رْ‌ ‌إِلَ‍‍يْ‍‍كَ ۚ قَ‍‍الَ لَ‍‌‍نْ تَ‍رَ‌انِي ‌وَلَكِنِ ‌ان‍‍ظُ‍‍رْ‌ ‌إِلَى‌ ‌الْجَبَلِ فَإِنِ ‌اسْتَ‍‍قَ‍رَّ‌ مَكَانَ‍‍هُ فَسَ‍‍وْفَ تَ‍رَ‌انِي ۚ فَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ تَجَلَّى‌ ‌‍رَبُّ‍‍هُ لِلْجَبَلِ جَعَلَ‍‍هُ ‌دَكّا‌ ً‌ ‌وَ‍خَ‍رَّ‌ مُوسَى‌ صَ‍‍عِ‍‍ق‍‍ا‌‌ ًۚ فَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ ‌أَف‍‍َ‍اقَ قَ‍‍الَ سُ‍‍بْ‍‍حَانَكَ تُ‍‍بْ‍‍تُ ‌إِلَ‍‍يْ‍‍كَ ‌وَ‌أَنَ‍‍ا‌ ‌أَ‌وَّلُ ‌الْمُؤْمِنِينَ
007-144 قال الله يا موسى: إني اخترتك على الناس برسالاتي إلى خلقي الذين أرسلتك إليهم وبكلامي إياك مِن غير وساطة، فخذ ما أعطيتك مِن أمري ونهيي، وتمسَّك به، واعمل به، وكن من الشاكرين لله تعالى على ما آتاك من رسالته، وخصَّك بكلامه. قَ‍‍الَ يَامُوسَ‍‍ى‌ ‌إِنِّ‍‍ي ‌اصْ‍‍طَ‍‍فَيْتُكَ عَلَى‌ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسِ بِ‍‍رِسَالاَتِي ‌وَبِكَلاَمِي فَ‍‍خُ‍‍ذْ‌ مَ‍‍ا‌ ‌آتَيْتُكَ ‌وَكُ‍‌‍نْ مِنَ ‌ال‍‍شَّاكِ‍‍رِينَ
007-145 وكتبنا لموسى في التوراة من كل ما يحتاج إليه في دينه من الأحكام، موعظة للازدجار والاعتبار وتفصيلا لتكاليف الحلال والحرام والأمر والنهي والقصص والعقائد والأخبار والمغيبات، قال الله له: فخذها بقوة، أي: خذ التوراة بجد واجتهاد، وأمر قومك يعملوا بما شرع الله فيها؛ فإن مَن أشرك منهم ومِن غيرهم فإني سأريه في الآخرة دار الفاسقين، وهي نار الله التي أعدَّها لأعدائه الخارجين عن طاعته. وَكَتَ‍‍بْ‍‍نَا‌ لَ‍‍هُ فِي ‌الأَلْو‍َ‍‌احِ مِ‍‌‍نْ كُلِّ شَ‍‍يْء‌ٍ‌ مَوْعِ‍‍ظَ‍‍ة ً‌ ‌وَتَفْ‍‍صِ‍‍يلا‌ ً‌ لِكُلِّ شَ‍‍يْء‌‌ٍ‌ فَ‍‍خُ‍‍ذْهَا‌ بِ‍‍قُ‍‍وَّةٍ‌ ‌وَ‌أْمُرْ‌ قَ‍‍وْمَكَ يَأْ‍خُ‍‍ذُ‌و‌ا‌ بِأَحْسَنِهَا‌ ۚ سَأُ‌رِيكُمْ ‌د‍َ‍‌ا‌‍رَ‌الْفَاسِ‍‍قِ‍‍ينَ
007-146 سأصرف عن فَهْم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي، والمتكبرين على الناسبغير الحق، فلا يتبعون نبيًا ولا يصغون إليه لتكبرهم، وإنْ يَرَ هؤلاء المتكبرون عن الإيمان كل آية لا يؤمنوا بها لإعراضهم ومحادَّتهم لله ورسوله، وإن يروا طريق الصلاح لا يتخذوه طريقًا، وإن يروا طريق الضلال، أي الكفر يتخذوه طريقًا ودينًا؛ وذلك بسبب تكذيبهم بآيات الله وغفلتهم عن النظر فيها والتفكر في دلالاتها. سَأَ‍صْ‍‍رِفُ عَ‍‌‍نْ ‌آيَاتِيَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَتَكَبَّر‍ُ‍‌ونَ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ بِ‍‍غَ‍‍يْ‍‍ر‍ِ‍‌ ‌الْحَ‍‍قِّ ‌وَ‌إِ‌نْ يَ‍رَ‌وْ‌ا‌ كُلَّ ‌آيَة‍ٍ‌ لاَ‌ يُؤْمِنُو‌ا‌ بِهَا‌ ‌وَ‌إِ‌نْ يَ‍رَ‌وْ‌ا‌ سَب‍‍ِ‍ي‍‍لَ ‌ال‍‍رُّشْدِ‌ لاَ‌ يَتَّ‍‍خِ‍‍ذ‍ُ‍‌وهُ سَبِيلا‌ ً‌ ‌وَ‌إِ‌نْ يَ‍رَ‌وْ‌ا‌ سَب‍‍ِ‍ي‍‍لَ ‌ال‍‍غَ‍‍يِّ يَتَّ‍‍خِ‍‍ذ‍ُ‍‌وهُ سَبِيلا‌‌ ًۚ ‌ذَلِكَ بِأَنَّ‍‍هُمْ كَذَّبُو‌ا‌ بِآيَاتِنَا‌ ‌وَكَانُو‌ا‌ عَ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ غَ‍‍افِلِينَ
007-147 والذين كذَّبوا بآيات الله وحججه وبلقاء الله في الآخرة حبطت أعمالهم؛ بسبب فَقْدِ شرطها، وهو الإيمان بالله والتصديق بجزائه، ما يجزون في الآخرة إلا جزاء ما كانوا يعملونه في الدنيا من الكفر والمعاصي، وهو الخلود في النار. وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَذَّبُو‌ا‌ بِآيَاتِنَا‌ ‌وَلِ‍‍قَ‍‍ا‌ءِ‌ ‌الآ‍‍خِ‍رَةِ حَبِ‍‍طَ‍‍تْ ‌أَعْمَالُهُمْ ۚ هَلْ يُ‍‍جْ‍‍زَ‌وْنَ ‌إِلاَّ‌ مَا‌ كَانُو‌ا‌ يَعْمَلُونَ
007-148 واتخذ قوم موسى من بعد ما فارقهم ماضيًا لمناجاة ربه معبودًا مِن ذهبهم عِجلا جسدًا بلا روح، له صوت، ألم يعلموا أنه لا يكلمهم، ولا يرشدهم إلى خير؟ أَقْدَمُوا على ما أقدموا عليه من هذا الأمر الشنيع، وكانوا ظالمين لأنفسهم واضعين الشيء في غير موضعه. وَ‌اتَّ‍‍خَ‍‍ذَ‌ قَ‍‍وْمُ مُوسَى‌ مِ‍‌‍نْ بَعْدِهِ مِ‍‌‍نْ حُلِيِّهِمْ عِ‍‍جْ‍‍لا‌‌ ً‌ جَسَد‌ا‌ ً‌ لَ‍‍هُ خُ‍‍و‍َ‍‌ا‌رٌ‌ ۚ ‌أَلَمْ يَ‍رَ‌وْ‌ا‌ ‌أَنَّ‍‍هُ لاَ‌ يُكَلِّمُهُمْ ‌وَلاَ‌ يَهْدِيهِمْ سَبِيلا‌‌ ًۘ ‌اتَّ‍‍خَ‍‍ذ‍ُ‍‌وهُ ‌وَكَانُو‌اظَ‍‍الِمِينَ
007-149 ولما ندم الذين عبدوا العجل مِن دون الله عند رجوع موسى إليهم، ورأوا أنهم قد ضلُّوا عن قصد السبيل، وذهبوا عن دين الله، أخذوا في الإقرار بالعبودية والاستغفار، فقالوا: لئن لم يرحمنا ربنا بقَبول توبتنا، ويستر بهاذنوبنا، لنكونن من الهالكين الذين ذهبت أعمالهم. وَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ سُ‍‍قِ‍‍طَ فِ‍‍ي ‌أَيْدِيهِمْ ‌وَ‌‍رَ‌أَ‌وْ‌ا‌ ‌أَنَّ‍‍هُمْ قَ‍‍دْ‌ ضَ‍‍لُّو‌اقَ‍‍الُو‌ا‌ لَئِ‍‌‍نْ لَمْ يَرْحَمْنَا‌ ‌‍رَبُّنَا‌ ‌وَيَ‍‍غْ‍‍فِ‍‍رْ‌ لَنَا‌ لَنَكُونَ‍‍نَّ مِنَ ‌الْ‍‍خَ‍‍اسِ‍‍رِينَ
007-150 ولما رجع موسى إلى قومه مِن بني إسرائيل غضبان حزينًا؛ لأن الله قد أخبره أنه قد فُتِن قومه، وأن السامريَّ قد أضلَّهم، قال موسى: بئس الخلافة التي خلفتموني مِن بعدي، أعجلتم أَمْر ربكم؟ أي: أستعجلتم مجيئي إليكم وهو مقدَّر من الله تعالى؟ وألقى موسى ألواح التوراة غضبا على قومه الذين عبدوا العجل، وغضبًا على أخيه هارون، وأمسك برأس أخيه يجره إليه، قال هارون مستعطفًا: يا ابن أمي: إن القوم استذلوني وعدُّوني ضعيفًا وقاربوا أن يقتلوني، فلا تَسرَّ الأعداء بما تفعل بي، ولا تجعلني في غضبك مع القوم الذين خالفوا أمرك وعبدوا العجل. وَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ ‌‍رَجَعَ مُوسَ‍‍ى‌ ‌إِلَى‌ قَ‍‍وْمِ‍‍هِ غَ‍‍ضْ‍‍ب‍‍َ‍انَ ‌أَسِفا‌‌ ًقَ‍‍الَ بِئْسَمَا‌ خَ‍‍لَفْتُمُونِي مِ‍‌‍نْ بَعْدِي ۖ ‌أَعَجِلْتُمْ ‌أَمْ‍رَ‌ ‌‍رَبِّكُمْ ۖ ‌وَ‌أَلْ‍‍قَ‍‍ى‌ ‌الأَلْو‍َ‍‌احَ ‌وَ‌أَ‍خَ‍‍ذَ‌ بِ‍رَ‌أْسِ ‌أَ‍خِ‍‍ي‍‍هِ يَجُرُّهُ~ُ ‌إِلَ‍‍يْ‍‍هِ ۚ قَ‍‍الَ ‌ابْ‍‍نَ ‌أُمّ‍َ ‌إِنَّ ‌الْ‍‍قَ‍‍وْمَ ‌اسْتَ‍‍ضْ‍‍عَفُونِي ‌وَكَا‌دُ‌و‌ا‌ يَ‍‍قْ‍‍تُلُونَنِي فَلاَ‌ تُشْمِتْ بِيَ ‌الأَعْد‍َ‍‌ا‌ءَ‌ ‌وَلاَ‌ تَ‍‍جْ‍‍عَلْنِي مَعَ ‌الْ‍‍قَ‍‍وْمِ ‌ال‍‍ظَّ‍‍الِمِينَ
007-151 قال موسى لما تبين له عذر أخيه، وعلم أنه لم يُفَرِّط فيما كان عليه من أمر الله: ربِّ اغفر لي غضبي، واغفر لأخي ما سبق بينه وبين بني إسرائيل، وأدخلنا في رحمتك الواسعة، فإنك أرحم بنا من كل راحم. قَ‍‍الَ ‌‍رَبِّ ‌اغْ‍‍فِ‍‍رْ‌ لِي ‌وَلِأَ‍خِ‍‍ي ‌وَ‌أَ‌دْ‍‍خِ‍‍لْنَا‌ فِي ‌‍رَحْمَتِكَ ۖ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍تَ ‌أَ‌رْحَمُ ‌ال‍رَّ‌احِمِينَ
007-152 إن الذين اتخذوا العجل إلهًا سينالهم غضب شديد مِن ربهم وهوان في الحياة الدنيا؛ بسبب كفرهم بربهم، وكما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين المبتدعين في دين الله، فكل صاحب بدعة ذليل. إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اتَّ‍‍خَ‍‍ذُ‌و‌ا‌الْعِ‍‍جْ‍‍لَ سَيَنَالُهُمْ غَ‍‍ضَ‍‍بٌ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّهِمْ ‌وَ‌ذِلَّة‌‍ٌ‌ فِي ‌الْحَي‍‍َ‍اةِ ‌ال‍‍دُّ‌نْ‍‍يَا‌ ۚ ‌وَكَذَلِكَ نَ‍‍جْ‍‍زِي ‌الْمُفْتَ‍‍رِينَ
007-153 والذين عملوا السيئات من الكفر والمعاصي، ثمرجعوا مِن بعد فعلها إلى الإيمان والعمل الصالح، إن ربك من بعد التوبة النصوح لغفور لأعمالهم غير فاضحهم بها، رحيم بهم وبكل مَن كان مثلهم من التائبين. وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ عَمِلُو‌ا‌ال‍‍سَّيِّئ‍‍َ‍اتِ ثُ‍‍مَّ تَابُو‌ا‌ مِ‍‌‍نْ بَعْدِهَا‌ ‌وَ‌آمَنُ‍‍و‌ا‌ ‌إِنَّ ‌‍رَبَّكَ مِ‍‌‍نْ بَعْدِهَا‌ لَ‍‍غَ‍‍ف‍‍ُ‍و‌ر‌ٌ‌ ‌‍رَحِيمٌ
007-154 ولما سكن عن موسى غضبه أخذ الألواح بعد أن ألقاها على الأرض، وفيها بيان للحق ورحمة للذين يخافون الله، ويخشون عقابه. وَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ سَكَتَ عَ‍‌‍نْ مُوسَى‌ ‌الْ‍‍غَ‍‍ضَ‍‍بُ ‌أَ‍خَ‍‍ذَ‌ ‌الأَلْو‍َ‍‌احَ ۖ ‌وَفِي نُسْ‍‍خَ‍‍تِهَا‌ هُ‍‍د‌ى‌ ً‌ ‌وَ‌‍رَحْمَة ٌ‌ لِلَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ هُمْ لِ‍رَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ
007-155 واختار موسى من قومه سبعين رجلا مِن خيارهم، وخرج بهم إلى طور "سيناء" للوقت والأجل الذي واعده الله أن يلقاه فيه بهم للتوبة مما كان من سفهاء بني إسرائيل من عبادة العجل، فلما أتوا ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك -يا موسى- حتى نرى الله جهرة فإنك قد كلَّمته فأرِنَاهُ، فأخذتهم الزلزلة الشديدة فماتوا، فقام موسى يتضرع إلى الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم، وقد أهلكتَ خيارهم؟ لو شئت أهلكتهم جميعًا من قبل هذا الحال وأنا معهم، فإن ذلك أخف عليَّ، أتهلكنا بما فعله سفهاء الأحلام منا؟ ما هذه الفعلة التي فعلها قومي من عبادتهم العجل إلا ابتلاءٌ واختبارٌ، تضلُّ بها مَن تشاء مِن خلقك، وتهدي بها من تشاء هدايته، أنت وليُّنا وناصرنا، فاغفر ذنوبنا، وارحمنا برحمتك، وأنت خير مَن صفح عن جُرْم، وستر عن ذنب. وَ‌اخْ‍‍ت‍‍َ‍ا‌‍رَ‌ مُوسَى‌ قَ‍‍وْمَ‍‍هُ سَ‍‍بْ‍‍ع‍‍ِ‍ي‍‍نَ ‌‍رَجُلا‌ ً‌ لِمِي‍‍قَ‍‍اتِنَا‌ ۖ فَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ ‌أَ‍خَ‍‍ذَتْهُمُ ‌ال‍رَّجْ‍‍فَةُ قَ‍‍الَ ‌‍رَبِّ لَوْ‌ شِئْتَ ‌أَهْلَكْتَهُمْ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لُ ‌وَ‌إِيّ‍‍َ‍ايَ ۖ ‌أَتُهْلِكُنَا‌ بِمَا‌ فَعَلَ ‌ال‍‍سُّفَه‍‍َ‍ا‌ءُ‌ مِ‍‍نَّ‍‍اۖ ‌إِ‌نْ هِيَ ‌إِلاَّ‌ فِتْنَتُكَ تُ‍‍ضِ‍‍لُّ بِهَا‌ مَ‍‌‍نْ تَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ‌وَتَهْدِي مَ‍‌‍نْ تَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ۖ ‌أَ‌نْ‍‍تَ ‌وَلِيُّنَا‌ فَاغْ‍‍فِ‍‍رْ‌ لَنَا‌ ‌وَ‌ا‌رْحَمْنَا‌ ۖ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍تَ خَ‍‍يْ‍‍رُ‌ ‌الْ‍‍غَ‍‍افِ‍‍رِينَ
007-156 واجعلنا ممن كتبتَله الصالحات من الأعمال في الدنيا وفي الآخرة، إنا رجعنا تائبين إليك، قال الله تعالى لموسى: عذابي أصيب به مَن أشاء مِن خلقي، كما أصبتُ هؤلاء الذين أصبتهم من قومك، ورحمتي وسعت خلقي كلَّهم، فسأكتبها للذين يخافون الله، ويخشون عقابه، فيؤدون فرائضه، ويجتنبون معاصيه، والذين هم بدلائل التوحيد وبراهينه يصدقون. وَ‌اكْتُ‍‍بْ لَنَا‌ فِي هَذِهِ ‌ال‍‍دُّ‌نْ‍‍يَا‌ حَسَنَة ً‌ ‌وَفِي ‌الآ‍‍خِ‍رَةِ ‌إِنَّ‍‍ا‌ هُ‍‍دْنَ‍‍ا‌ ‌إِلَ‍‍يْ‍‍كَ ۚ قَ‍‍الَ عَذَ‌ابِ‍‍ي ‌أُ‍صِ‍‍ي‍‍بُ بِ‍‍هِ مَ‍‌‍نْ ‌أَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ۖ ‌وَ‌‍رَحْمَتِي ‌وَسِعَتْ كُلَّ شَ‍‍يْء‌‌ٍۚ فَسَأَكْتُبُهَا‌ لِلَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَتَّ‍‍قُ‍‍ونَ ‌وَيُؤْت‍‍ُ‍ونَ ‌ال‍‍زَّك‍‍َ‍اةَ ‌وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ هُمْ بِآيَاتِنَا‌ يُؤْمِنُونَ
007-157 هذه الرحمة سأكتبها للذين يخافون الله ويجتنبون معاصيه، ويتبعون الرسول النبي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يجدون صفته وأمره مكتوبَيْن عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالتوحيد والطاعة وكل ما عرف حُسْنه، وينهاهم عن الشرك والمعصية وكل ما عرف قُبْحه، ويُحِلُّ لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والمناكح، ويُحرِّم عليهم الخبائث منها كلحم الخنزير، وما كانوا يستحلُّونه من المطاعم والمشارب التي حرَّمها الله، ويذهب عنهم ما كُلِّفوه من الأمور الشاقة كقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب، وإحراق الغنائم، والقصاص حتمًا من القاتل عمدًا كان القتل أم خطأ، فالذين صدَّقوا بالنبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم وأقروا بنبوته، ووقروه وعظَّموه ونصروه، واتبعوا القرآن المنزل عليه،وعملوا بسنته، أولئك هم الفائزون بما وعد الله به عباده المؤمنين. الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَتَّبِع‍‍ُ‍ونَ ‌ال‍رَّس‍‍ُ‍ولَ ‌ال‍‍نَّ‍‍بِيَّ ‌الأُمِّ‍‍يَّ ‌الَّذِي يَجِدُ‌ونَ‍‍هُ مَكْتُوباً‌ عِ‍‌‍نْ‍‍دَهُمْ فِي ‌ال‍‍تَّوْ‌رَ‍‌اةِ ‌وَ‌الإِ‌ن‍‍ج‍‍ِ‍ي‍‍لِ يَأْمُرُهُمْ بِ‍الْمَعْر‍ُ‍‌وفِ ‌وَيَ‍‌‍نْ‍‍هَاهُمْ عَنِ ‌الْمُ‍‌‍ن‍‍كَ‍‍ر‍ِ‍‌ ‌وَيُحِلُّ لَهُمُ ‌ال‍‍طَّ‍‍يِّب‍‍َ‍اتِ ‌وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ‌الْ‍‍خَ‍‍ب‍‍َ‍ائِثَ ‌وَيَ‍‍ضَ‍‍عُ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمْ ‌إِصْ‍رَهُمْ ‌وَ‌الأَ‍‍غْ‍‍لاَلَ ‌الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌ا‌ بِ‍‍هِ ‌وَعَزَّ‌ر‍ُ‍‌وهُ ‌وَنَ‍‍صَ‍‍ر‍ُ‍‌وهُ ‌وَ‌اتَّبَعُو‌ا‌ال‍‍نّ‍‍ُ‍و‌‍رَ‌الَّذِي ‌أُ‌ن‍‍زِلَ مَعَهُ~ُ ۙ ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ هُمُ ‌الْمُفْلِحُونَ
007-158 قل -أيها الرسول- للناس كلهم: إني رسول الله إليكم جميعًا لا إلى بعضكم دون بعض، الذي له ملك السموات والأرض وما فيهما، لا ينبغي أن تكون الألوهية والعبادة إلا له جل ثناؤه، القادر على إيجاد الخلق وإفنائه وبعثه، فصدَّقوا بالله وأقرُّوا بوحدانيته، وصدَّقوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأميِّ الذي يؤمن بالله وما أنزل إليه من ربه وما أنزل على النبيين من قبله، واتبعوا هذا الرسول، والتزموا العمل بما أمركم به من طاعة الله، رجاء أن توفقوا إلى الطريق المستقيم. قُ‍‍لْ ي‍‍َ‍ا‌أَيُّهَا‌ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسُ ‌إِنِّ‍‍ي ‌‍رَس‍‍ُ‍ولُ ‌اللَّ‍‍هِ ‌إِلَيْكُمْ جَمِيعا‌‌ ً‌الَّذِي لَ‍‍هُ مُلْكُ ‌ال‍‍سَّمَا‌و‍َ‍‌اتِ ‌وَ‌الأَ‌رْ‍ضِ لاَ‌ ۖ ‌إِلَهَ ‌إِلاَّ‌ هُوَ‌ يُحْيِي ‌وَيُم‍‍ِ‍ي‍‍تُ فَآمِنُو‌اۖ بِ‍اللَّ‍‍هِ ‌وَ‌‍رَسُولِهِ ‌ال‍‍نَّ‍‍بِيِّ ‌الأُمِّ‍‍يِّ ‌الَّذِي يُؤْمِنُ بِ‍اللَّ‍‍هِ ‌وَكَلِمَاتِ‍‍هِ ‌وَ‌اتَّبِع‍‍ُ‍وهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُ‌ونَ
007-159 ومِن بني إسرائيل من قوم موسى جماعة يستقيمون على الحق، يهدون الناس به، ويعدلون به في الحكم في قضاياهم. وَمِ‍‌‍نْ قَ‍‍وْمِ مُوسَ‍‍ى‌ ‌أُمَّ‍‍ةٌ‌ يَهْد‍ُ‍‌ونَ بِ‍الْحَ‍‍قِّ ‌وَبِ‍‍هِ يَعْدِلُونَ
007-160 وفرَّقنا قوم موسى مِن بني إسرائيل اثنتي عشرة قبيلة بعدد الأسباط -وهم أبناء يعقوب- كل قبيلة معروفة من جهة نقيبها. وأوحينا إلى موسى إذ طلب منه قومه السقيا حين عطشوا في التِّيْه: أن اضرب بعصاك الحجر، فضربه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا من الماء، قد علمت كل قبيلة من القبائل الاثنتي عشرة مشربهم، لا تدخل قبيلة على غيرها في شربها، وظلَّلنا عليهم السحاب،وأنزلنا عليهم المنَّ -وهو شيء يشبه الصَّمغ، طعمه كالعسل - والسلوى، وهو طائر يشبه السُّمَانَى، وقلنا لهم: كلوا من طيبات ما رزقناكم، فكرهوا ذلك وملُّوه من طول المداومة عليه، وقالوا: لن نصبر على طعام واحد، وطلبوا استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير. وما ظلمونا حين لم يشكروا لله، ولم يقوموا بما أوجب الله عليهم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون؛ إذ فوَّتوا عليها كل خير، وعرَّضوها للشر والنقمة. وَ‍قَ‍طَّ‍‍عْنَاهُمُ ‌اثْنَتَيْ عَشْ‍رَةَ ‌أَسْبَاط‍‍اً‌ ‌أُمَما‌ ًۚ ‌وَ‌أَ‌وْحَيْنَ‍‍ا‌ ‌إِلَى‌ مُوسَ‍‍ى‌ ‌إِ‌ذْ‌ ‌اسْتَسْ‍‍قَ‍‍اهُ قَ‍‍وْمُهُ~ُ ‌أَنِ ‌اضْ‍‍رِب بِعَ‍‍صَ‍‍اكَ ‌الْحَجَ‍رَۖ فَا‌نْ‍‍بَجَسَتْ مِ‍‌‍نْ‍‍هُ ‌اثْنَتَا‌ عَشْ‍رَةَ عَيْنا‌‌ ًۖ قَ‍‍دْ‌ عَلِمَ كُلُّ ‌أُن‍‍َ‍اسٍ‌ مَشْ‍رَبَهُمْ ۚ ‌وَ‍ظَ‍‍لَّلْنَا‌ عَلَيْهِمُ ‌الْ‍‍غَ‍‍م‍‍َ‍امَ ‌وَ‌أَ‌ن‍‍زَلْنَا‌ عَلَيْهِمُ ‌الْمَ‍‍نَّ ‌وَ‌ال‍‍سَّلْوَ‌ى‌ ۖ كُلُو‌ا‌ مِ‍‌‍نْ طَ‍‍يِّب‍‍َ‍اتِ مَا‌ ‌‍رَ‌زَ‍قْ‍‍نَاكُمْ ۚ ‌وَمَا‌ ظَ‍‍لَمُونَا‌ ‌وَلَكِ‍‌‍نْ كَانُ‍‍و‌ا‌ ‌أَ‌ن‍‍فُسَهُمْ يَ‍‍ظْ‍‍لِمُونَ
007-161 واذكر -أيها الرسول- عصيان بني إسرائيل لربهم سبحانه وتعالى ولنبيهم موسى عليه السلام، وتبديلهم القول الذي أمروا أن يقولوه حين قال الله لهم: اسكنوا قرية "بيت المقدس"، وكلوا من ثمارها وحبوبها ونباتها أين شئتم ومتى شئتم، وقولوا: حُطَّ عنا ذنوبنا، وادخلوا الباب خاضعين لله، نغفر لكم خطاياكم، فلا نؤاخذكم عليها، وسنزيد المحسنين مِن خَيْرَيِ الدنيا والآخرة. وَ‌إِ‌ذْ‌ قِ‍‍ي‍‍لَ لَهُمُ ‌اسْكُنُو‌ا‌ هَذِهِ ‌الْ‍‍قَ‍‍رْيَةَ ‌وَكُلُو‌ا‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ حَ‍‍يْ‍‍ثُ شِئْتُمْ ‌وَ‍قُ‍‍ولُو‌ا‌ حِ‍‍طَّ‍‍ةٌ‌ ‌وَ‌ا‌دْ‍‍خُ‍‍لُو‌ا‌الْب‍‍َ‍ابَ سُجَّد‌ا‌ ً‌ نَ‍‍غْ‍‍فِ‍‍رْ‌ لَكُمْ خَ‍‍ط‍‍ِ‍ي‍‍ئ‍‍َ‍‍اتِكُمْ ۚ سَنَز‍ِ‍ي‍‍دُ‌ ‌الْمُحْسِنِينَ
007-162 فغيَّر الذين كفروا بالله منهم ما أمرهم الله به من القول، ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعرة، فأرسلنا عليهم عذابًا من السماء، أهلكناهم به؛ بسبب ظلمهم وعصيانهم. فَبَدَّلَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ظَ‍‍لَمُو‌ا‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمْ قَ‍‍وْلاً‌ غَ‍‍يْ‍رَ‌الَّذِي قِ‍‍ي‍‍لَ لَهُمْ فَأَ‌رْسَلْنَا‌ عَلَيْهِمْ ‌رِجْ‍‍ز‌ا‌ ً‌ مِنَ ‌ال‍‍سَّم‍‍َ‍ا‌ءِ‌ بِمَا‌ كَانُو‌ا‌ يَ‍‍ظْ‍‍لِمُونَ
007-163 واسأل -أيها الرسول- هؤلاء اليهود عن خبر أهل القرية التي كانت بقرب البحر،إذ يعتدي أهلها في يوم السبت على حرمات الله، حيث أمرهم أن يعظموا يوم السبت ولا يصيدوا فيه سمكًا، فابتلاهم الله وامتحنهم؛ فكانت حيتانهم تأتيهم يوم السبت كثيرة طافية على وجه البحر، وإذا ذهب يوم السبت تذهب الحيتان في البحر، ولا يرون منها شيئًا، فكانوا يحتالون على حبسها في يوم السبت في حفائر، ويصطادونها بعده. وكما وصفنا لكم من الاختبار والابتلاء، لإظهار السمك على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده فيه، وإخفائه عليهم في اليوم المحلل لهم فيه صيده، كذلك نختبرهم بسبب فسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها. وَ‌اسْأَلْهُمْ عَنِ ‌الْ‍‍قَ‍‍رْيَةِ ‌الَّتِي كَانَتْ حَاضِ‍رَةَ ‌الْبَحْ‍‍ر‍ِ‍‌ ‌إِ‌ذْ‌ يَعْد‍ُ‍‌ونَ فِي ‌ال‍‍سَّ‍‍بْ‍‍تِ ‌إِ‌ذْ‌ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَ‍‍وْمَ سَ‍‍بْ‍‍تِهِمْ شُ‍رَّعا‌ ً‌ ‌وَيَ‍‍وْمَ لاَ‌ يَسْبِت‍‍ُ‍ونَ ۙ لاَ‌ تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَلِكَ نَ‍‍بْ‍‍لُوهُمْ بِمَا‌ كَانُو‌ا‌ يَفْسُ‍‍قُ‍‍ونَ
007-164 واذكر -أيها الرسول- إذ قالت جماعة منهم لجماعة أخرى كانت تعظ المعتدين في يوم السبت، وتنهاهم عن معصية الله فيه: لِمَ تعظون قومًا الله مهلكهم في الدنيا بمعصيتهم إياه أو معذبهم عذابا شديدًا في الآخرة؟ قال الذين كانوا ينهَوْنهم عن معصية الله: نَعِظهم وننهاهم لِنُعْذَر فيهم، ونؤدي فرض الله علينا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورجاء أن يتقوا الله، فيخافوه، ويتوبوا من معصيتهم ربهم وتعذِّيهم على ما حرَّم عليهم. وَ‌إِ‌ذْ‌ قَ‍‍الَتْ ‌أُمَّ‍‍ةٌ‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمْ لِمَ تَعِ‍‍ظُ‍‍ونَ قَ‍‍وْما‌‌ ًۙ ‌اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ ‌أَ‌وْ‌ مُعَذِّبُهُمْ عَذَ‌ابا‌‌ ً‌ شَدِيد‌ا‌‌ ًۖ قَ‍‍الُو‌ا‌ مَعْذِ‌‍رَة‌ ً‌ ‌إِلَى‌ ‌‍رَبِّكُمْ ‌وَلَعَلَّهُمْ يَتَّ‍‍قُ‍‍ونَ
007-165 فلما تركت الطائفة التي اعتدت في يوم السبت ما ذُكِّرت به، واستمرت على غيِّهاواعتدائها فيه، ولم تستجب لما وَعَظَتْها به الطائفة الواعظة، أنجى الله الذين ينهون عن معصيته، وأخذ الذين اعتدَوْا في يوم السبت بعذاب أليم شديد؛ بسبب مخالفتهم أمر الله وخروجهم عن طاعته. فَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ نَسُو‌ا‌ مَا‌ ‌ذُكِّرُ‌و‌ا‌ بِهِ ‌أَ‌نْ‍‍جَيْنَا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَ‍‌‍نْ‍‍هَ‍‍وْنَ عَنِ ‌ال‍‍سّ‍‍ُ‍و‌ءِ‌ ‌وَ‌أَ‍خَ‍‍ذْنَا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ظَ‍‍لَمُو‌ا‌ بِعَذ‍َ‍‌اب ٍ‌ بَئ‍‍ِ‍ي‍‍س ٍ‌ بِمَا‌ كَانُو‌ا‌ يَفْسُ‍‍قُ‍‍ونَ
007-166 فلما تمردت تلك الطائفة، وتجاوزت ما نهاها الله عنه من عدم الصيد في يوم السبت، قال لهم الله: كونوا قردة خاسئين مبعدين من كل خير، فكانوا كذلك. فَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ عَتَوْ‌ا‌ عَ‍‌‍نْ مَا‌ نُهُو‌ا‌ عَ‍‌‍نْ‍‍هُ قُ‍‍لْنَا‌ لَهُمْ كُونُو‌اقِ‍رَ‌دَةً خَ‍‍اسِئ‍‍ِ‍‍ينَ
007-167 واذكر -أيها الرسول- إذ علم ذلك إعلامًا صريحًا ليبعثن على اليهود مَن يذيقهم سوء العذاب والإذلال إلى يوم القيامة. إن ربك -أيها الرسول- لسريع العقاب لِمَن استحقه بسبب كفره ومعصيته، وإنه لغفور عن ذنوب التائبين، رحيم بهم. وَ‌إِ‌ذْ‌ تَأَ‌ذَّنَ ‌‍رَبُّكَ لَيَ‍‍بْ‍‍عَثَ‍‍نَّ عَلَيْهِمْ ‌إِلَى‌ يَ‍‍وْمِ ‌الْ‍‍قِ‍‍يَامَةِ مَ‍‌‍نْ يَسُومُهُمْ س‍‍ُ‍و‌ءَ‌ ‌الْعَذ‍َ‍‌ابِ ۗ ‌إِنَّ ‌‍رَبَّكَ لَسَ‍‍ر‍ِ‍ي‍‍عُ ‌الْعِ‍‍قَ‍‍ابِ ۖ ‌وَ‌إِنَّ‍‍هُ لَ‍‍غَ‍‍ف‍‍ُ‍و‌ر‌ٌ‌ ‌‍رَحِيمٌ
007-168 وفرَّقنا بني إسرائيل في الأرض جماعات، منهم القائمون بحقوق الله وحقوق عباده، ومنهم المقصِّرون الظالمون لأنفسهم، واختبرنا هؤلاء بالرخاء في العيش والسَّعَة في الرزق، واختبرناهم أيضًا بالشدة في العيش والمصائب والرزايا؛ رجاء أن يرجعوا إلى طاعة ربهم ويتوبوا من معاصيه. وَ‍قَ‍طَّ‍‍عْنَاهُمْ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ ‌أُمَما‌ ًۖ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمُ ‌ال‍‍صَّ‍‍الِح‍‍ُ‍ونَ ‌وَمِ‍‌‍نْ‍‍هُمْ ‌د‍ُ‍‌ونَ ‌ذَلِكَ ۖ ‌وَبَلَوْنَاهُمْ بِ‍الْحَسَن‍‍َ‍اتِ ‌وَ‌ال‍‍سَّيِّئ‍‍َ‍اتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
007-169 فجاء من بعد هؤلاء الذين وصفناهم بَدَلُ سوء أخذوا الكتاب من أسلافهم، فقرءوه وعلموه، وخالفوا حكمه، يأخذون ما يعرض لهم من متاع الدنيا من دنيء المكاسب كالرشوة وغيرها؛ وذلكلشدة حرصهم ونَهَمهم، ويقولون مع ذلك: إن الله سيغفر لنا ذنوبنا تمنيًا على الله الأباطيل، وإن يأت هؤلاء اليهودَ متاعٌ زائلٌ من أنواع الحرام يأخذوه ويستحلوه، مصرِّين على ذنوبهم وتناولهم الحرام، ألَمْ يؤخذ على هؤلاء العهود بإقامة التوراة والعمل بما فيها، وألا يقولوا على الله إلا الحق وألا يكذبوا عليه، وعلموا ما في الكتاب فضيعوه، وتركوا العمل به، وخالفوا عهد الله إليهم في ذلك؟ والدار الآخرة خير للذين يتقون الله، فيمتثلون أوامره، ويجتنبون نواهيه، أفلا يعقل هؤلاء الذين يأخذون دنيء المكاسب أن ما عند الله خير وأبقى للمتقين؟ فَ‍خَ‍‍لَفَ مِ‍‌‍نْ بَعْدِهِمْ خَ‍‍لْفٌ‌ ‌وَ‌رِثُو‌ا‌الْكِت‍‍َ‍ابَ يَأْ‍خُ‍‍ذ‍ُ‍‌ونَ عَ‍رَضَ هَذَ‌ا‌ ‌الأَ‌دْنَى‌ ‌وَيَ‍‍قُ‍‍ول‍‍ُ‍ونَ سَيُ‍‍غْ‍‍فَرُ‌ لَنَا‌ ‌وَ‌إِ‌نْ يَأْتِهِمْ عَ‍رَضٌ‌ مِثْلُ‍‍هُ يَأْ‍خُ‍‍ذ‍ُ‍‌وهُ ۚ ‌أَلَمْ يُؤْ‍‍خَ‍‍ذْ‌ عَلَيْهِمْ مِيث‍‍َ‍اقُ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ ‌أَ‌نْ لاَ‌ يَ‍‍قُ‍‍ولُو‌ا‌ عَلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌إِلاَّ‌ ‌الْحَ‍‍قَّ ‌وَ‌دَ‌‍رَسُو‌ا‌ مَا‌ ف‍‍ِ‍ي‍‍هِ ۗ ‌وَ‌ال‍‍دّ‍َ‍‌ا‌رُ‌ ‌الآ‍‍خِ‍رَةُ خَ‍‍يْ‍‍ر‌ٌ‌ لِلَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَتَّ‍‍قُ‍‍ونَ ۗ ‌أَفَلاَ‌ تَعْ‍‍قِ‍‍لُونَ
007-170 والذين يتمسَّكون بالكتاب، ويعملون بما فيه من العقائد والأحكام، ويحافظون على الصلاة بحدودها، ولا يضيعون أوقاتها، فإن الله يثيبهم على أعمالهم الصالحة، ولا يضيعها. وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يُمَسِّك‍‍ُ‍ونَ بِ‍الْكِت‍‍َ‍ابِ ‌وَ‌أَ‍قَ‍‍امُو‌ا‌ال‍‍صَّ‍‍لاَةَ ‌إِنَّ‍‍ا‌ لاَ‌ نُ‍‍ضِ‍‍ي‍‍عُ ‌أَجْ‍‍‍رَ‌الْمُ‍‍صْ‍‍لِحِينَ
007-171 واذكر -أيها الرسول- إذ رفعنا الجبل فوق بني إسرائيل كأنه سحابة تظلهم، وأيقنوا أنه واقع بهم إن لم يقبلوا أحكام التوراة، وقلنا لهم: خذوا ما آتيناكم بقوة، أي اعملوا بما أعطيناكم باجتهاد منكم، واذكروا ما في كتابنا من العهود والمواثيق التي أخذناها عليكم بالعمل بما فيه؛ كي تتقوا ربكم فتنجوا من عقابه. وَ‌إِ‌ذْ‌ نَتَ‍‍قْ‍‍نَا‌ ‌الْجَبَلَ فَوْ‍قَ‍‍هُمْ كَأَنَّ‍‍هُ ظُ‍‍لَّةٌ‌ ‌وَ‍ظَ‍‍نُّ‍‍و‌ا‌ ‌أَنَّ‍‍هُ ‌وَ‌اقِ‍‍ع‌‍ٌ‌ بِهِمْ خُ‍‍ذُ‌و‌ا‌ مَ‍‍ا‌ ‌آتَيْنَاكُمْ بِ‍‍قُ‍‍وَّةٍ‌ ‌وَ‌ا‌ذْكُرُ‌و‌ا‌ مَا‌ ف‍‍ِ‍ي‍‍هِ لَعَلَّكُمْ تَتَّ‍‍قُ‍‍ونَ
007-172 واذكر -أيها النبي- إذ استخرج ربك أولاد آدم مِن أصلاب آبائهم، وقررهم بتوحيده بما أودعه في فطرهم من أنه ربهم وخالقهم ومليكهم، فأقروا له بذلك، خشية أن ينكروا يوم القيامة، فلا يقروا بشيء فيه، ويزعموا أن حجة الله ما قامت عليهم، ولا عندهم علم بها، بل كانوا عنها غافلين. وَ‌إِ‌ذْ‌ ‌أَ‍خَ‍‍ذَ‌ ‌‍رَبُّكَ مِ‍‌‍نْ بَنِ‍‍ي ‌آ‌دَمَ مِ‍‌‍نْ ظُ‍‍هُو‌رِهِمْ ‌ذُ‌رِّيَّتَهُمْ ‌وَ‌أَشْهَدَهُمْ عَلَ‍‍ى‌ ‌أَ‌ن‍‍فُسِهِمْ ‌أَلَسْتُ بِ‍رَبِّكُمْ ۖ قَ‍‍الُو‌ا‌ بَلَى‌ ۛ شَهِ‍‍دْنَ‍‍اۛ ‌أَ‌نْ تَ‍‍قُ‍‍ولُو‌ا‌ يَ‍‍وْمَ ‌الْ‍‍قِ‍‍يَامَةِ ‌إِنَّ‍‍ا‌ كُ‍‍نَّ‍‍ا‌ عَ‍‌‍نْ هَذَ‌ا‌ غَ‍‍افِلِينَ
007-173 أو لئلا تقولوا: إنما أشرك آباؤنا من قبلنا ونقضوا العهد، فاقتدينا بهم من بعدهم، أفتعذبنا بما فعل الذين أبطلوا أعمالهم بجعلهم مع الله شريكا في العبادة؟ أَ‌وْ‌ تَ‍‍قُ‍‍ولُ‍‍و‌ا‌ ‌إِنَّ‍‍مَ‍‍ا‌ ‌أَشْ‍رَكَ ‌آب‍‍َ‍ا‌ؤُنَا‌ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لُ ‌وَكُ‍‍نَّ‍‍ا‌ ‌ذُ‌رِّيَّة ً‌ مِ‍‌‍نْ بَعْدِهِمْ ۖ ‌أَفَتُهْلِكُنَا‌ بِمَا‌ فَعَلَ ‌الْمُ‍‍بْ‍‍‍‍طِ‍‍لُونَ
007-174 وكما فَصَّلْنا الآيات، وبيَّنَّا فيها ما فعلناه بالأمم السابقة، كذلك نفصِّل الآيات ونبيِّنها لقومك أيها الرسول؛ رجاء أن يرجعوا عن شركهم، وينيبوا إلى ربهم. وَكَذَلِكَ نُفَ‍‍صِّ‍‍لُ ‌الآي‍‍َ‍اتِ ‌وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
007-175 واقصص -أيها الرسول- على أمتك خبر رجل من بني إسرائيل أعطيناه حججنا وأدلتنا، فتعلَّمها، ثم كفر بها، ونبذها وراء ظهره، فاستحوذ عليه الشيطان، فصار من الضالين الهالكين؛ بسبب مخالفته أمر ربه وطاعته الشيطان. وَ‌اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ‌ ‌الَّذِي ‌آتَيْن‍‍َ‍اهُ ‌آيَاتِنَا‌ فَا‌ن‍‍سَلَ‍‍خَ مِ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ فَأَتْبَعَهُ ‌ال‍‍شَّيْ‍‍طَ‍‍انُ فَك‍‍َ‍انَ مِنَ ‌الْ‍‍غَ‍‍ا‌وِينَ
007-176 ولو شئنا أن نرفع قدره بما آتيناه من الآيات لفعلنا، ولكنه رَكَنَ إلى الدنيا واتبع هواه، وآثر لَذَّاته وشهواته على الآخرة، وامتنع عن طاعة الله وخالف أمره. فَمَثَلُ هذا الرجل مثل الكلب، إن تطرده أوتتركه يُخْرج لسانه في الحالين لاهثًا، فكذلك الذي انسلخ من آيات الله يظل على كفره إن اجتهدْتَ في دعوتك له أو أهملته، هذا الوصف -أيها الرسول- وصف هؤلاء القوم الذين كانوا ضالين قبل أن تأتيهم بالهدى والرسالة، فاقصص -أيها الرسول- أخبار الأمم الماضية، ففي إخبارك بذلك أعظم معجزة، لعل قومك يتدبرون فيما جئتهم به فيؤمنوا لك. وَلَوْ‌ شِئْنَا‌ لَ‍رَفَعْن‍‍َ‍اهُ بِهَا‌ ‌وَلَكِ‍‍نَّ‍‍هُ~ُ ‌أَ‍خْ‍‍لَدَ‌ ‌إِلَى‌ ‌الأَ‌رْ‍ضِ ‌وَ‌اتَّبَعَ هَو‍َ‍‌اهُ ۚ فَمَثَلُ‍‍هُ كَمَثَلِ ‌الْكَلْبِ ‌إِ‌نْ تَحْمِلْ عَلَ‍‍يْ‍‍هِ يَلْهَثْ ‌أَ‌وْ‌ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ ‌ذَلِكَ مَثَلُ ‌الْ‍‍قَ‍‍وْمِ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَذَّبُو‌ا‌ بِآيَاتِنَا‌ ۚ فَا‍قْ‍‍‍‍صُ‍‍صِ ‌الْ‍‍قَ‍‍صَ‍‍صَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُ‌ونَ
007-177 قَبُحَ مثلا مثلُ القوم الذين كذَّبوا بحجج الله وأدلته، فجحدوها، وأنفسهم كانوا يظلمونها؛ بسبب تكذيبهم بهذه الحجج والأدلة. س‍‍َ‍ا‌ءَ‌ مَثَلا‌‌ ً‌الْ‍‍قَ‍‍وْمُ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَذَّبُو‌ا‌ بِآيَاتِنَا‌ ‌وَ‌أَ‌ن‍‍فُسَهُمْ كَانُو‌ا‌ يَ‍‍ظْ‍‍لِمُونَ
007-178 من يوفقه الله للإيمان به وطاعته فهو الموفَّق، ومن يخذله فلم يوفقه فهو الخاسر الهالك، فالهداية والإضلال من الله وحده. مَ‍‌‍نْ يَهْدِ‌ ‌اللَّ‍‍هُ فَهُوَ‌ ‌الْمُهْتَدِي ۖ ‌وَمَ‍‌‍نْ يُ‍‍ضْ‍‍لِلْ فَأ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ هُمُ ‌الْ‍‍خَ‍‍اسِرُ‌ونَ
007-179 ولقد خلقنا للنار -التي يعذِّب الله فيها مَن يستحق العذاب في الآخرة - كثيرًا من الجن والإنس، لهم قلوب لا يعقلون بها، فلا يرجون ثوابًا ولا يخافون عقابًا، ولهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات الله وأدلته، ولهم آذان لا يسمعون بها آيات كتاب الله فيتفكروا فيها، هؤلاء كالبهائم التي لا تَفْقَهُ ما يقال لها، ولا تفهم ما تبصره، ولا تعقل بقلوبها الخير والشر فتميز بينهما، بل هم أضل منها؛ لأن البهائم تبصر منافعها ومضارها وتتبع راعيها، وهمبخلاف ذلك، أولئك هم الغافلون عن الإيمان بالله وطاعته. وَلَ‍قَ‍‍دْ‌ ‌ذَ‌‍رَ‌أْنَا‌ لِجَهَ‍‍نَّ‍‍مَ كَثِي‍‍ر‌ا‌ ً‌ مِنَ ‌الْجِ‍‍نِّ ‌وَ‌الإِ‌ن‍‍سِ ۖ لَهُمْ قُ‍‍ل‍‍ُ‍وب ٌ‌ لاَ‌ يَفْ‍‍قَ‍‍ه‍‍ُ‍ونَ بِهَا‌ ‌وَلَهُمْ ‌أَعْيُن ٌ‌ لاَ‌ يُ‍‍بْ‍‍‍‍صِ‍‍ر‍ُ‍‌ونَ بِهَا‌ ‌وَلَهُمْ ‌آ‌ذ‍َ‍‌ان ٌ‌ لاَ‌ يَسْمَع‍‍ُ‍ونَ بِهَ‍‍اۚ ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ كَالأَنع‍‍َ‍امِ بَلْ هُمْ ‌أَ‍ضَ‍‍لُّ ۚ ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ هُمُ ‌الْ‍‍غَ‍‍افِلُونَ
007-180 ولله سبحانه وتعالى الأسماء الحسنى، الدالة على كمال عظمته، وكل أسمائه حسن، فاطلبوا منه بأسمائه ما تريدون، واتركوا الذين يُغيِّرون في أسمائه بالزيادة أو النقصان أو التحريف، كأن يُسمَّى بها من لا يستحقها، كتسمية المشركين بها آلهتهم، أو أن يجعل لها معنى لم يُردْه الله ولا رسوله، فسوف يجزون جزاء أعمالهم السيئة التي كانوا يعملونها في الدنيا من الكفر بالله، والإلحاد في أسمائه وتكذيب رسوله. وَلِلَّهِ ‌الأَسْم‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ‌الْحُسْنَى‌ فَا‌دْع‍‍ُ‍وهُ بِهَا‌ ۖ ‌وَ‌ذَ‌رُ‌و‌ا‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يُلْحِد‍ُ‍‌ونَ فِ‍‍ي ‌أَسْم‍‍َ‍ائِ‍‍هِ ۚ سَيُ‍‍جْ‍‍زَ‌وْنَ مَا‌ كَانُو‌ا‌ يَعْمَلُونَ
007-181 ومن الذين خَلَقْنا جماعة فاضلة يهتدون بالحق ويَدْعون إليه، وبه يقضون وينصفون الناس، وهم أئمة الهدى ممن أنعم الله عليهم بالإيمان والعمل الصالح. وَمِ‍‍مَّ‍‍‌‍نْ خَ‍‍لَ‍‍قْ‍‍نَ‍‍ا‌ ‌أُمَّ‍‍ةٌ‌ يَهْد‍ُ‍‌ونَ بِ‍الْحَ‍‍قِّ ‌وَبِ‍‍هِ يَعْدِلُونَ
007-182 والذين كذَّبوا بآياتنا، فجحدوها، ولم يتذكروا بها، سنفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا، استدراجًا لهم حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدوا أنهم على شيء، ثم نعاقبهم على غِرَّة من حيث لا يعلمون. وهذه عقوبة من الله على التكذيب بحجج الله وآياته. وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَذَّبُو‌ا‌ بِآيَاتِنَا‌ سَنَسْتَ‍‍دْ‌رِجُهُمْ مِ‍‌‍نْ حَ‍‍يْ‍‍ثُ لاَ‌ يَعْلَمُونَ
007-183 وأمهل هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا حتى يظنوا أنهم لا يعاقبون، فيزدادوا كفرًا وطغيانًا، وبذلك يتضاعف لهم العذاب. إن كيدي متين، أي: قوي شديد لا يُدْفعبقوة ولا بحيلة. وَ‌أُمْلِي لَهُمْ ۚ ‌إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ
007-184 أولم يتفكر هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا فيتدبروا بعقولهم، ويعلموا أنه ليس بمحمد جنون؟ ما هو إلا نذير لهم من عقاب الله على كفرهم به إن لم يؤمنوا، ناصح مبين. أَ‌وَلَمْ يَتَفَكَّرُ‌و‌اۗ مَا‌ بِ‍‍صَ‍‍احِبِهِمْ مِ‍‌‍نْ جِ‍‍نَّ‍‍ة‌‍ٍۚ ‌إِ‌نْ هُوَ‌ ‌إِلاَّ‌ نَذ‍ِ‍ي‍‍ر‌ٌ‌ مُبِينٌ
007-185 أولم ينظر هؤلاء المكذبون بآيات الله في ملك الله العظيم وسلطانه القاهر في السموات والأرض، وما خلق الله -جلَّ ثناؤه- من شيء فيهما، فيتدبروا ذلك ويعتبروا به، وينظروا في آجالهم التي عست أن تكون قَرُبَتْ فيهلكوا على كفرهم، ويصيروا إلى عذاب الله وأليم عقابه؟ فبأي تخويف وتحذير بعد تحذير القرآن يصدقون ويعملون؟ أَ‌وَلَمْ يَ‍‌‍ن‍‍ظُ‍‍رُ‌و‌ا‌ فِي مَلَك‍‍ُ‍وتِ ‌ال‍‍سَّمَا‌و‍َ‍‌اتِ ‌وَ‌الأَ‌رْ‍ضِ ‌وَمَا‌ خَ‍‍لَ‍‍قَ ‌اللَّ‍‍هُ مِ‍‌‍نْ شَ‍‍يْء‌ٍ‌ ‌وَ‌أَ‌نْ عَسَ‍‍ى‌ ‌أَ‌نْ يَك‍‍ُ‍ونَ قَ‍‍دِ‌ ‌ا‍قْ‍‍تَ‍رَبَ ‌أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَد‍ِ‍ي‍‍ث ٍ‌ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
007-186 مَن يضلله الله عن طريق الرشاد فلا هادي له، ويتركُهم في كفرهم يتحيرون ويترددون. مَ‍‌‍نْ يُ‍‍ضْ‍‍لِلِ ‌اللَّ‍‍هُ فَلاَ‌ هَا‌دِيَ لَ‍‍هُ ۚ ‌وَيَذَ‌رُهُمْ فِي طُ‍‍غْ‍‍يَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
007-187 يسألك -أيها الرسول- كفار "مكة" عن الساعة متى قيامها؟ قل لهم: عِلْمُ قيامها عند الله لا يظهرها إلا هو، ثَقُلَ علمها، وخفي على أهل السموات والأرض، فلا يعلم وقت قيامها ملَك مقرَّب ولا نبي مرسل، لا تجيء الساعة إلا فجأة، يسألك هؤلاء القوم عنها كأنك حريص على العلم بها، مستقص بالسؤال عنها، قل لهم: إنما علمها عند الله الذي يعلم غيب السموات والأرض، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك لا يعلمه إلا الله. يَسْأَلُونَكَ عَنِ ‌ال‍‍سَّاعَةِ ‌أَيّ‍‍َ‍انَ مُرْسَاهَا‌ ۖ قُ‍‍لْ ‌إِنَّ‍‍مَا‌ عِلْمُهَا‌ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ ‌‍رَبِّي ۖ لاَ‌ يُجَلِّيهَا‌ لِوَ‍قْ‍‍تِهَ‍‍ا‌ ‌إِلاَّ‌ هُوَ‌ ۚ ثَ‍‍قُ‍‍لَتْ فِي ‌ال‍‍سَّمَا‌و‍َ‍‌اتِ ‌وَ‌الأَ‌رْ‍ضِ ۚ لاَ‌ تَأْتِيكُمْ ‌إِلاَّ‌ بَ‍‍غْ‍‍تَة ًۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّ‍‍كَ حَفِيٌّ عَ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ ۖ قُ‍‍لْ ‌إِنَّ‍‍مَا‌ عِلْمُهَا‌ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَلَكِ‍‍نَّ ‌أَكْثَ‍رَ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسِ لاَ‌ يَعْلَمُونَ
007-188 قل -أيها الرسول-: لاأقدرُ على جَلْبِ خير لنفسي ولا دفع شر يحل بها إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تكثِّر لي المصالح والمنافع، ولاتَّقيتُ ما يكون من الشر قبل أن يقع، ما أنا إلا رسول الله أرسلني إليكم، أخوِّف من عقابه، وأبشر بثوابه قومًا يصدقون بأني رسول الله، ويعملون بشرعه. قُ‍‍لْ لاَ‌ ‌أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعا‌ ً‌ ‌وَلاَ‌ ضَ‍‍رّ‌ا‌‌ ً‌ ‌إِلاَّ‌ مَا‌ ش‍‍َ‍ا‌ءَ‌ ‌اللَّ‍‍هُ ۚ ‌وَلَوْ‌ كُ‍‌‍ن‍‍تُ ‌أَعْلَمُ ‌الْ‍‍غَ‍‍يْ‍‍بَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ‌الْ‍‍خَ‍‍يْ‍‍ر‍ِ‍‌ ‌وَمَا‌ مَسَّنِيَ ‌ال‍‍سّ‍‍ُ‍و‌ءُ‌ ۚ ‌إِ‌نْ ‌أَنَ‍‍ا‌ ‌إِلاَّ‌ نَذ‍ِ‍ي‍‍ر‌ٌ‌ ‌وَبَش‍‍ِ‍ي‍‍ر‌ٌ‌ لِ‍‍قَ‍‍وْمٍ‌ يُؤْمِنُونَ
007-189 هو الذي خلقكم -أيها الناس- من نفس واحدة، وهي آدم عليه السلام وخَلَق منها زوجها، وهي حواء؛ ليأنس بها ويطمئن، فلما جامعها -والمراد جنس الزوجين من ذرية آدم- حملت ماءً خفيفًا، فقامت به وقعدت وأتمت الحمل، فلما قَرُبت ولادتها وأثقلت دعا الزوجان ربهما: لئن أعطيتنا بشرًا سويًا صالحًا لنكونن ممن يشكرك على ما وهبت لنا من الولد الصالح. هُوَ‌ ‌الَّذِي خَ‍‍لَ‍‍قَ‍‍كُمْ مِ‍‌‍نْ نَفْسٍ‌ ‌وَ‌احِدَةٍ‌ ‌وَجَعَلَ مِ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ ‌زَ‌وْجَهَا‌ لِيَسْكُنَ ‌إِلَيْهَا‌ ۖ فَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ تَ‍‍غَ‍‍شَّاهَا‌ حَمَلَتْ حَمْلاً‌ خَ‍‍فِيفا‌‌ ً‌ فَمَ‍رَّتْ بِ‍‍هِ ۖ فَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ ‌أَثْ‍‍قَ‍‍لَتْ ‌دَعَوَ‌ا‌ ‌اللَّ‍‍هَ ‌‍رَبَّهُمَا‌ لَئِ‍‌‍نْ ‌آتَيْتَنَا‌ صَ‍‍الِحا‌ ً‌ لَنَكُونَ‍‍نَّ مِنَ ‌ال‍‍شَّاكِ‍‍رِينَ
007-190 فلما رزق الله الزوجين ولدًا صالحًا، جعلا لله شركاء في ذلك الولد الذي انفرد الله بخلقه فعبَّداه لغير الله، فتعالى الله وتنزه عن كل شرك. فَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ ‌آتَاهُمَا‌ صَ‍‍الِحا‌‌ ً‌ جَعَلاَ‌ لَ‍‍هُ شُ‍رَك‍‍َ‍ا‌ءَ‌ فِيمَ‍‍ا‌ ‌آتَاهُمَا‌ ۚ فَتَعَالَى‌ ‌اللَّ‍‍هُ عَ‍‍مَّ‍‍ا‌ يُشْ‍‍رِكُونَ
007-191 أيشرك هؤلاء المشركون في عبادة الله مخلوقاته، وهي لا تقدر على خَلْق شيء، بل هي مخلوقة؟ أَيُشْ‍‍رِك‍‍ُ‍ونَ مَا‌ لاَ‌ يَ‍‍خْ‍‍لُ‍‍قُ شَ‍‍يْ‍‍ئا‌ ً‌ ‌وَهُمْ يُ‍‍خْ‍‍لَ‍‍قُ‍‍ونَ
007-192 ولا تستطيع أن تنصر عابديها أو تدفع عن نفسها سوءًا، فإذا كانت لا تخلق شيئًا، بل هي مخلوقة، ولا تستطيع أن تدفع المكروه عمن يعبدها، ولا عننفسها، فكيف تُتَّخذ مع الله آلهة؟ إنْ هذا إلا أظلم الظلم وأسفه السَّفَه. وَلاَ‌ يَسْتَ‍‍طِ‍‍يع‍‍ُ‍ونَ لَهُمْ نَ‍‍صْ‍‍ر‌ا‌ ً‌ ‌وَلاَ‌ ‌أَ‌ن‍‍فُسَهُمْ يَ‍‌‍ن‍‍صُ‍‍رُ‌ونَ
007-193 وإن تدعوا -أيها المشركون- هذه الأصنام التي عبدتموها من دون الله إلى الهدى، لا تسمع دعاءكم ولا تتبعكم؛ يستوي دعاؤكم لها وسكوتكم عنها؛ لأنها لا تسمع ولا تبصر ولا تَهدِي ولا تُهدى. وَ‌إِ‌نْ تَ‍‍دْعُوهُمْ ‌إِلَى‌ ‌الْهُدَ‌ى‌ لاَ‌ يَتَّبِعُوكُمْ ۚ سَو‍َ‍‌ا‌ءٌ‌ عَلَيْكُمْ ‌أَ‌دَعَوْتُمُوهُمْ ‌أَمْ ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ صَ‍‍امِتُونَ
007-194 إن الذين تعبدون من غير الله -أيها المشركون- هم مملوكون لربهم كما أنكم مملوكون لربكم، فإن كنتم كما تزعمون صادقين في أنها تستحق من العبادة شيئًا فادعوهم فليستجيبوا لكم، فإن استجابوا لكم وحصَّلوا مطلوبكم، وإلا تبين أنكم كاذبون مفترون على الله أعظم الفرية. إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ تَ‍‍دْع‍‍ُ‍ونَ مِ‍‌‍نْ ‌د‍ُ‍‌ونِ ‌اللَّ‍‍هِ عِب‍‍َ‍ا‌دٌ‌ ‌أَمْثَالُكُمْ ۖ فَا‌دْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُو‌ا‌ لَكُمْ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍ن‍‍تُمْ صَ‍‍ا‌دِقِ‍‍ينَ
007-195 ألهذه الآلهة والأصنام أرجل يسعَوْن بها معكم في حوائجكم؟ أم لهم أيدٍ يدفعون بها عنكم وينصرونكم على من يريد بكم شرًا ومكروهًا؟ أم لهم أعين ينظرون بها فيعرِّفونكم ما عاينوا وأبصروا مما يغيب عنكم فلا ترونه؟ أم لهم آذان يسمعون بها فيخبرونكم بما لم تسمعوه؟ فإذا كانت آلهتكم التي تعبدونها ليس فيها شيء من هذه الآلات، فما وجه عبادتكم إياها، وهي خالية من هذه الأشياء التي بها يتوصل إلى جلب النفع أو دفع الضر؟ قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين من عبدة الأوثان: ادعوا آلهتكم الذين جعلتموهملله شركاء في العبادة، ثم اجتمعوا على إيقاع السوء والمكروه بي، فلا تؤخروني وعجِّلوا بذلك، فإني لا أبالي بآلهتكم؛ لاعتمادي على حفظ الله وحده. أَلَهُمْ ‌أَ‌رْجُلٌ‌ يَمْش‍‍ُ‍ونَ بِهَ‍‍اۖ ‌أَمْ لَهُمْ ‌أَيْ‍‍د‌ٍ‌ يَ‍‍بْ‍‍‍‍طِ‍‍ش‍‍ُ‍ونَ بِهَ‍‍اۖ ‌أَمْ لَهُمْ ‌أَعْيُنٌ‌ يُ‍‍بْ‍‍‍‍صِ‍‍ر‍ُ‍‌ونَ بِهَ‍‍اۖ ‌أَمْ لَهُمْ ‌آ‌ذ‍َ‍‌انٌ‌ يَسْمَع‍‍ُ‍ونَ بِهَا‌ ۗ قُ‍‍لِ ‌ا‌دْعُو‌ا‌ شُ‍رَك‍‍َ‍ا‌ءَكُمْ ثُ‍‍مَّ كِيد‍ُ‍‌ونِ فَلاَ‌ تُ‍‌‍ن‍‍ظِ‍‍رُ‌ونِ
007-196 إن وليِّيَ الله، الذي يتولى حفظي ونصري، هو الذي نزَّل عليَّ القرآن بالحق، وهو يتولى الصالحين مِن عباده، وينصرهم على أعدائهم ولا يخذلهم. إِنَّ ‌وَلِيِّيَ ‌اللَّ‍‍هُ ‌الَّذِي نَزَّلَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابَ ۖ ‌وَهُوَ‌ يَتَوَلَّى‌ ‌ال‍‍صَّ‍‍الِحِينَ
007-197 والذين تدعون -أنتم أيها المشركون- مِن غير الله من الآلهة لا يستطيعون نصركم، ولا يقدرون على نصرة أنفسهم. وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ تَ‍‍دْع‍‍ُ‍ونَ مِ‍‌‍نْ ‌دُ‌ونِ‍‍هِ لاَ‌ يَسْتَ‍‍طِ‍‍يع‍‍ُ‍ونَ نَ‍‍صْ‍رَكُمْ ‌وَلاَ‌ ‌أَ‌ن‍‍فُسَهُمْ يَ‍‌‍ن‍‍صُ‍‍رُ‌ونَ
007-198 وإن تدعوا -أيها المشركون- آلهتكم إلى الاستقامة والسداد لا يسمعوا دعاءكم، وترى -أيها الرسول- آلهة هؤلاء المشركين مِن عبدة الأوثان يقابلونك كالناظر إليك وهم لا يبصرون؛ لأنهم لا أبصار لهم ولا بصائر. وَ‌إِ‌نْ تَ‍‍دْعُوهُمْ ‌إِلَى‌ ‌الْهُدَ‌ى‌ لاَ‌ يَسْمَعُو‌اۖ ‌وَتَ‍رَ‌اهُمْ يَ‍‌‍ن‍‍ظُ‍‍ر‍ُ‍‌ونَ ‌إِلَ‍‍يْ‍‍كَ ‌وَهُمْ لاَ‌ يُ‍‍بْ‍‍‍‍صِ‍‍رُ‌ونَ
007-199 اقْبَلْ -أيها النبي أنت وأمتك- الفضل من أخلاق الناس وأعمالهم، ولا تطلب منهم ما يشق عليهم حتى لا ينفروا، وأْمر بكل قول حسن وفِعْلٍ جميل، وأعرض عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة الأغبياء. خُ‍‍ذِ‌ ‌الْعَفْوَ‌ ‌وَ‌أْمُرْ‌ بِ‍الْعُرْفِ ‌وَ‌أَعْ‍‍رِ‍‍ضْ عَنِ ‌الْجَاهِلِينَ
007-200 وإما يصيبنَّك -أيها النبي- من الشيطان غضب أو تُحِس منه بوسوسة وتثبيط عن الخير أو حث على الشرِّ، فالجأ إلى الله مستعيذًا به، إنه سميع لكل قول، عليم بكل فعل. وَ‌إِمَّ‍‍ا‌ يَ‍‌‍ن‍‍زَ‍‍غَ‍‍نَّ‍‍كَ مِنَ ‌ال‍‍شَّيْ‍‍طَ‍‍انِ نَزْ‍غ‌‍ٌ‌ فَاسْتَعِذْ‌ بِ‍اللَّ‍‍هِ ۚ ‌إِنَّ‍‍هُ سَم‍‍ِ‍ي‍‍عٌ عَلِيمٌ
007-201 إن الذين اتقوا الله مِن خلقه، فخافوا عقابهبأداء فرائضه واجتناب نواهيه، إذا أصابهم عارض من وسوسة الشيطان تذكَّروا ما أوجب الله عليهم من طاعته، والتوبة إليه، فإذا هم منتهون عن معصية الله على بصيرة، آخذون بأمر الله، عاصون للشيطان. إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اتَّ‍‍قَ‍‍وْ‌ا‌ ‌إِ‌ذَ‌ا‌ مَسَّهُمْ طَ‍‍ائِفٌ‌ مِنَ ‌ال‍‍شَّيْ‍‍طَ‍‍انِ تَذَكَّرُ‌و‌ا‌ فَإِ‌ذَ‌ا‌ هُمْ مُ‍‍بْ‍‍‍‍صِ‍‍رُ‌ونَ
007-202 وإخوان الشياطين، وهم الفجَّار من ضلال الإنس تمدهم الشياطين من الجن في الضلالة والغَواية، ولا تدَّخر شياطين الجن وُسْعًا في مدِّهم شياطين الإنس في الغيِّ، ولا تدَّخر شياطين الإنس وُسْعًا في عمل ما توحي به شياطين الجن. وَ‌إِخْ‍‍وَ‌انُهُمْ يَمُدُّ‌ونَهُمْ فِي ‌ال‍‍غَ‍‍يِّ ثُ‍‍مَّ لاَ‌ يُ‍‍قْ‍‍‍‍صِ‍‍رُ‌ونَ
007-203 وإذا لم تجئ -أيها الرسول- هؤلاء المشركين بآية قالوا: هلا أحدَثْتها واختلقتها من عند نفسك، قل لهم -أيها الرسول-: إن هذا ليس لي، ولا يجوز لي فِعْله؛ لأن الله إنما أمرني باتباع ما يوحى إليَّ من عنده، وهو هذا القرآن الذي أتلوه عليكم حججًا وبراهين من ربكم، وبيانًا يهدي المؤمنين إلى الطريق المستقيم، ورحمة يرحم الله بها عباده المؤمنين. وَ‌إِ‌ذَ‌ا‌ لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَة‌‍ٍقَ‍‍الُو‌ا‌ لَوْلاَ‌ ‌اجْ‍‍تَبَيْتَهَا‌ ۚ قُ‍‍لْ ‌إِنَّ‍‍مَ‍‍ا‌ ‌أَتَّبِعُ مَا‌ يُوحَ‍‍ى‌ ‌إِلَيَّ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّي ۚ هَذَ‌ا‌ بَ‍‍صَ‍‍ائِ‍‍ر‍ُ‍‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّكُمْ ‌وَهُ‍‍د‌ى‌ ً‌ ‌وَ‌‍رَحْمَة ٌ‌ لِ‍‍قَ‍‍وْمٍ‌ يُؤْمِنُونَ
007-204 وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له أيها الناس وأنصتوا، لتعقلوه رجاء أن يرحمكم الله به. وَ‌إِ‌ذَ‌ا‌ قُ‍‍رِئَ ‌الْ‍‍قُ‍‍رْ‌آنُ فَاسْتَمِعُو‌ا‌ لَ‍‍هُ ‌وَ‌أَ‌ن‍‍صِ‍‍تُو‌ا‌ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
007-205 واذكر -أيها الرسول- ربك في نفسك تخشعًا وتواضعًا لله خائفًا وجل القلب منه، وادعه متوسطًا بين الجهر والمخافتة في أول النهار وآخره، ولا تكن من الذين يَغْفُلون عنذكر الله، ويلهون عنه في سائر أوقاتهم. وَ‌ا‌ذْكُرْ‌ ‌‍رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَ‍‍ضَ‍‍رُّعا‌ ً‌ ‌وَ‍خِ‍‍يفَة ً‌ ‌وَ‌د‍ُ‍‌ونَ ‌الْجَهْ‍‍ر‍ِ‍‌ مِنَ ‌الْ‍‍قَ‍‍وْلِ بِ‍الْ‍‍غُ‍‍دُ‌وِّ‌ ‌وَ‌الآ‍‍صَ‍‍الِ ‌وَلاَ‌ تَكُ‍‌‍نْ مِنَ ‌الْ‍‍غَ‍‍افِلِينَ
007-206 إن الذين عند ربك من الملائكة لا يستكبرون عن عبادة الله، بل ينقادون لأوامره، ويسبحونه بالليل والنهار، وينزهونه عما لا يليق به، وله وحده لا شريك له يسجدون. إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ ‌‍رَبِّكَ لاَ‌ يَسْتَكْبِر‍ُ‍‌ونَ عَ‍‌‍نْ عِبَا‌دَتِ‍‍هِ ‌وَيُسَبِّحُونَ‍‍هُ ‌وَلَ‍‍هُ يَسْجُدُ‌ونَ
Toggle to highlight thick letters خصضغطقظ رَ
Next Sūrah