Roman Script    Reciting key words            Previous Sūrah    Quraan Index    Home  

3) Sūrat 'Āli `Imn

Printed format

3) سُورَة آلِ عِمرَان

Toggle thick letters. Most people make the mistake of thickening thin letters in the words that have other (highlighted) thick letter Toggle to highlight thick letters خصضغطقظ رَ
003-001 سبق الكلام عليها في أول سورة البقرة. أَلِف-لَام-مِيم
003-002 هو الله، لا معبود بحق إلا هو، المتصف بالحياة الكاملة كما يليق بجلاله، القائم على كل شيء. اللَّهُ لاَ‌ ‌إِلَهَ ‌إِلاَّ‌ هُوَ‌ ‌الْحَيُّ ‌الْ‍‍قَ‍‍يُّومُ
003-003 نَزَّل عليك القرآن بالحق الذي لا ريب فيه، مصدِّقًا لما قبله من كتب ورسل، وأنزل التوراة على موسى علبه السلام، والإنجيل على عيسى عليه السلام من قبل نزول القرآن؛ لإرشاد المتقين إلى الإيمان، وصلاح دينهم ودنياهم، وأنزل ما يفرق بين الحق والباطل. والذين كفروا بآيات الله المنزلة، لهم عذاب عظيم. والله عزيز لا يُغَالَب، ذو انتقام بمن جحد حججه وأدلته، وتفرُّده بالألوهية. نَزَّلَ عَلَ‍‍يْ‍‍كَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابَ بِ‍الْحَ‍‍قِّ مُ‍‍صَ‍‍دِّ‍‍ق‍‍ا‌ ً‌ لِمَا‌ بَ‍‍يْ‍‍نَ يَدَيْ‍‍هِ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍زَلَ ‌ال‍‍تَّوْ‌رَ‍‌اةَ ‌وَ‌الإِ‌نْ‍‍جِيلَ
003-004 نَزَّل عليك القرآن بالحق الذي لا ريب فيه، مصدِّقًا لما قبله من كتب ورسل، وأنزل التوراة على موسى علبه السلام، والإنجيل على عيسى عليهالسلام من قبل نزول القرآن؛ لإرشاد المتقين إلى الإيمان، وصلاح دينهم ودنياهم، وأنزل ما يفرق بين الحق والباطل. والذين كفروا بآيات الله المنزلة، لهم عذاب عظيم. والله عزيز لا يُغَالَب، ذو انتقام بمن جحد حججه وأدلته، وتفرُّده بالألوهية. مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لُ هُ‍‍د‌ى‌ ً‌ لِل‍‍نّ‍‍َ‍اسِ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍زَلَ ‌الْفُرْ‍قَ‍‍انَ ۗ ‌إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ بِآي‍‍َ‍اتِ ‌اللَّ‍‍هِ لَهُمْ عَذ‍َ‍‌اب‌‍ٌ‌ شَد‍ِ‍ي‍‍د‌ٌۗ ‌وَ‌اللَّهُ عَز‍ِ‍ي‍‍ز‌‌ٌ‌ ‌ذُ‌و‌ ‌انْ‍‍تِ‍‍قَ‍‍امٍ
003-005 إن الله محيط علمه بالخلائق، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قلَّ أو كثر. إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ لاَ‌ يَ‍‍خْ‍‍فَى‌ عَلَ‍‍يْ‍‍هِ شَ‍‍يْء‌‌ٌ‌ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ ‌وَلاَ‌ فِي ‌ال‍‍سَّم‍‍َ‍ا‌ء‍ِ‍
003-006 هو وحده الذي يخلقكم في أرحام أمهاتكم كما يشاء، من ذكر وأنثى، وحسن وقبيح، وشقي وسعيد، لا معبود بحق سواه، العزيز الذي لا يُغالَب، الحكيم في أمره وتدبيره. هُوَ‌ ‌الَّذِي يُ‍‍صَ‍‍وِّ‌رُكُمْ فِي ‌الأَ‌رْح‍‍َ‍امِ كَ‍‍يْ‍‍فَ يَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ۚ لاَ‌ ‌إِلَهَ ‌إِلاَّ‌ هُوَ‌ ‌الْعَز‍ِ‍ي‍‍زُ‌ ‌الْحَكِيمُ
003-007 هو وحده الذي أنزل عليك القرآن: منه آيات واضحات الدلالة، هن أصل الكتاب الذي يُرجع إليه عند الاشتباه، ويُرَدُّ ما خالفه إليه، ومنه آيات أخر متشابهات تحتمل بعض المعاني، لا يتعيَّن المراد منها إلا بضمها إلى المحكم، فأصحاب القلوب المريضة الزائغة، لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات وحدها؛ ليثيروا الشبهات عند الناس، كي يضلوهم، ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة. ولا يعلم حقيقة معاني هذه الآيات إلا الله. والمتمكنون في العلم يقولون: آمنا بهذا القرآن، كله قد جاءنا من عند ربنا على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم،ويردُّون متشابهه إلى محكمه، وإنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها الصحيح أولو العقول السليمة. هُوَ‌ ‌الَّذِي ‌أَ‌نْ‍‍زَلَ عَلَ‍‍يْ‍‍كَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابَ مِ‍‌‍نْ‍‍هُ ‌آي‍‍َ‍اتٌ‌ مُحْكَم‍‍َ‍اتٌ هُ‍‍نَّ ‌أُمُّ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ ‌وَ‌أُ‍خَ‍‍رُ‌ مُتَشَابِه‍‍َ‍ات‌‍ٌۖ فَأَمَّ‍‍ا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ فِي قُ‍‍لُوبِهِمْ ‌زَيْ‍‍غ‌‍ٌ‌ فَيَتَّبِع‍‍ُ‍ونَ مَا‌ تَشَابَهَ مِ‍‌‍نْ‍‍هُ ‌ابْ‍‍تِ‍‍غَ‍‍ا‌ءَ‌ ‌الْفِتْنَةِ ‌وَ‌ابْ‍‍تِ‍‍غَ‍‍ا‌ءَ‌ تَأْ‌وِيلِ‍‍هِ ۗ ‌وَمَا‌ يَعْلَمُ تَأْ‌وِيلَهُ~ُ ‌إِلاَّ‌ ‌اللَّ‍‍هُ ۗ ‌وَ‌ال‍رَّ‌اسِ‍‍خُ‍‍ونَ فِي ‌الْعِلْمِ يَ‍‍قُ‍‍ول‍‍ُ‍ونَ ‌آمَ‍‍نَّ‍‍ا‌ بِ‍‍هِ كُلٌّ‌ مِ‍‌‍نْ عِ‍‌‍نْ‍‍دِ‌ ‌‍رَبِّنَا‌ ۗ ‌وَمَا‌ يَذَّكَّرُ‌ ‌إِلاَّ‌ ‌أ‍ُ‍‌وْلُو‌ا‌الأَلْبَابِ
003-008 ويقولون: يا ربنا لا تَصْرِف قلوبنا عن الإيمان بك بعد أن مننت علينا بالهداية لدينك، وامنحنا من فضلك رحمة واسعة، إنك أنت الوهاب: كثير الفضل والعطاء، تعطي مَن تشاء بغير حساب. رَبَّنَا‌ لاَ‌ تُزِغْ قُ‍‍لُوبَنَا‌ بَعْدَ‌ ‌إِ‌ذْ‌ هَدَيْتَنَا‌ ‌وَهَ‍‍بْ لَنَا‌ مِ‍‌‍نْ لَدُ‌نْ‍‍كَ ‌‍رَحْمَة‌ ًۚ ‌إِنَّ‍‍كَ ‌أَ‌نْ‍‍تَ ‌الْوَهَّابُ
003-009 يا ربنا إنا نُقِرُّ ونشهد بأنك ستجمع الناس في يوم لا شَكَّ فيه، وهو يوم القيامة، إنَّك لا تُخلف ما وعَدْتَ به عبادك. رَبَّنَ‍‍ا‌ ‌إِنَّ‍‍كَ جَامِعُ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسِ لِيَ‍‍وْم‍ٍ‌ لاَ‌ ‌‍رَيْ‍‍بَ ف‍‍ِ‍ي‍‍هِ ۚ ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ لاَ‌ يُ‍‍خْ‍‍لِفُ ‌الْمِيعَا‌دَ
003-010 إن الذين جحدوا الدين الحق وأنكروه، لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئًا إن وقع بهم في الدنيا، ولن تدفعه عنهم في الآخرة، وهؤلاء هم حطب النار يوم القيامة. إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ لَ‍‌‍نْ تُ‍‍غْ‍‍نِيَ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمْ ‌أَمْوَ‌الُهُمْ ‌وَلاَ‌ ‌أَ‌وْلاَ‌دُهُمْ مِنَ ‌اللَّ‍‍هِ شَ‍‍يْ‍‍ئا‌ ًۖ ‌وَ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ هُمْ ‌وَ‍قُ‍‍و‌دُ‌ ‌ال‍‍نَّ‍‍ا‌رِ
003-011 شأن الكافرين في تكذيبهم وما ينزل بهم، شأن آل فرعون والذين من قبلهم من الكافرين، أنكروا آيات الله الواضحة، فعاجلهم بالعقوبة بسبب تكذيبهم وعنادهم. والله شديد العقاب لمن كفر به وكذَّب رسله. كَدَ‌أْبِ ‌آلِ فِ‍‍رْعَ‍‍وْنَ ‌وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لِهِمْ ۚ كَذَّبُو‌ا‌ بِآيَاتِنَا‌ فَأَ‍خَ‍‍ذَهُمُ ‌اللَّ‍‍هُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ شَد‍ِ‍ي‍‍دُ‌ ‌الْعِ‍‍قَ‍‍ابِ
003-012 قل -أيها الرسول-، للذين كفروا من اليهود وغيرهم والذين استهانوا بنصرك في "بَدْر": إنكم ستُهْزَمون في الدنيا وستموتون على الكفر، وتحشرون إلى نار جهنم؛ لتكون فراشًا دائمًا لكم، وبئس الفراش. قُ‍‍لْ لِلَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ سَتُ‍‍غْ‍‍لَب‍‍ُ‍ونَ ‌وَتُحْشَر‍ُ‍‌ونَ ‌إِلَى‌ جَهَ‍‍نَّ‍‍مَ ۚ ‌وَبِئْسَ ‌الْمِهَا‌دُ
003-013 قد كان لكم -أيها اليهود المتكبرون المعاندون-دلالة عظيمة في جماعتين تقابلتا في معركة "بَدْر": جماعة تقاتل من أجل دين الله، وهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وجماعة أخرى كافرة بالله، تقاتل من أجل الباطل، ترى المؤمنين في العدد مثليهم رأي العين، وقد جعل الله ذلك سببًا لنصر المسلمين عليهم. والله يؤيِّد بنصره من يشاء من عباده. إن في هذا الذي حدث لَعِظة عظيمة لأصحاب البصائر الذين يهتدون إلى حكم الله وأفعاله. قَ‍‍دْ‌ ك‍‍َ‍انَ لَكُمْ ‌آيَة‌‍ٌ‌ فِي فِئَتَ‍‍يْ‍‍نِ ‌الْتَ‍‍قَ‍‍تَا‌ ۖ فِئَة‌‍ٌ‌ تُ‍‍قَ‍‍اتِلُ فِي سَب‍‍ِ‍ي‍‍لِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَ‌أُ‍خْ‍رَ‌ى‌ كَافِ‍رَةٌ‌ يَ‍رَ‌وْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ ‌‍رَ‌أْيَ ‌الْعَ‍‍يْ‍‍نِ ۚ ‌وَ‌اللَّهُ يُؤَيِّدُ‌ بِنَ‍‍صْ‍‍رِهِ مَ‍‌‍نْ يَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ۗ ‌إِنَّ فِي ‌ذَلِكَ لَعِ‍‍بْ‍‍‍رَة ً‌ لِأ‌و‍ْ‍لِي ‌الأَبْ‍‍‍‍صَ‍‍ا‌رِ
003-014 حُسِّن للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين، والأموال الكثيرة من الذهب والفضة، والخيل الحسان، والأنعام من الإبل والبقر والغنم، والأرض المتَّخَذة للغراس والزراعة. ذلك زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية. والله عنده حسن المرجع والثواب، وهو الجنَّة. زُيِّنَ لِل‍‍نّ‍‍َ‍اسِ حُبُّ ‌ال‍‍شَّهَو‍َ‍‌اتِ مِنَ ‌ال‍‍نِس‍‍َ‍ا‌ء‌ ‌وَ‌الْبَن‍‍ِ‍ي‍‍نَ ‌وَ‌الْ‍‍قَ‍‍نَاطِ‍‍ي‍‍ر‍ِ‍‌ ‌الْمُ‍‍قَ‍‍‌‍نْ‍‍‍‍طَ‍رَةِ مِنَ ‌ال‍‍ذَّهَبِ ‌وَ‌الْفِ‍‍ضَّ‍‍ةِ ‌وَ‌الْ‍‍خَ‍‍يْ‍‍لِ ‌الْمُسَوَّمَةِ ‌وَ‌الأَنع‍‍َ‍امِ ‌وَ‌الْحَرْثِ ۗ ‌ذَلِكَ مَت‍‍َ‍اعُ ‌الْحَي‍‍َ‍اةِ ‌ال‍‍دُّ‌نْ‍‍يَا‌ ۖ ‌وَ‌اللَّهُ عِ‍‌‍نْ‍‍دَهُ حُسْنُ ‌الْمَآبِ
003-015 قل -أيها الرسول-: أأخبركم بخير مما زُيِّن للنَّاس في هذه الحياة الدنيا، لمن راقب الله وخاف عقابه جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، خالدين فيها، ولهم فيها أزواج مطهرات من الحيض والنفاس وسوء الخلق، ولهم أعظم من ذلك: رضوان من الله. والله مطَّلِع على سرائر خلقه، عالم بأحوالهم، وسيجازيهم على ذلك. قُ‍‍لْ ‌أَ‌ؤُنَبِّئُكُمْ بِ‍‍خَ‍‍يْ‍‍ر‌ٍ‌ مِ‍‌‍نْ ‌ذَلِكُمْ ۚ لِلَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اتَّ‍‍قَ‍‍وْ‌ا‌ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ ‌‍رَبِّهِمْ جَ‍‍نّ‍‍َ‍ات‌‍ٌ‌ تَ‍‍جْ‍‍رِي مِ‍‌‍نْ تَحْتِهَا‌ ‌الأَ‌نْ‍‍ه‍‍َ‍ا‌رُ‌ خَ‍‍الِد‍ِ‍ي‍‍نَ فِيهَا‌ ‌وَ‌أَ‌زْ‌و‍َ‍‌اجٌ‌ مُ‍‍طَ‍‍هَّ‍رَةٌ‌ ‌وَ‌رِ‍‍ضْ‍‍و‍َ‍‌انٌ‌ مِنَ ‌اللَّ‍‍هِ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ بَ‍‍صِ‍‍ي‍‍ر‌ٌ‌ بِ‍الْعِبَا‌دِ
003-016 هؤلاء العباد المتقون يقولون: إننا آمنا بك، واتبعنا رسولك محمدًا صلى اللهعليه وسلم، فامْحُ عنا ما اقترفناه من ذنوب، ونجنا من عذاب النار. الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَ‍‍قُ‍‍ول‍‍ُ‍ونَ ‌‍رَبَّنَ‍‍ا‌ ‌إِنَّ‍‍نَ‍‍ا‌ ‌آمَ‍‍نَّ‍‍ا‌ فَاغْ‍‍فِ‍‍رْ‌ لَنَا‌ ‌ذُنُوبَنَا‌ ‌وَ‍قِ‍‍نَا‌ عَذ‍َ‍‌ابَ ‌ال‍‍نَّ‍‍ا‌رِ
003-017 هم الذين اتصفوا بالصبر على الطاعات، وعن المعاصي، وعلى ما يصيبهم من أقدار الله المؤلمة، وبالصدق في الأقوال والأفعال وبالطاعة التامة، وبالإنفاق سرا وعلانية، وبالاستغفار في آخر الليل؛ لأنه مَظِنَّة القبول وإجابة الدعاء. ال‍‍صَّ‍‍ابِ‍‍ر‍ِ‍ي‍‍نَ ‌وَ‌ال‍‍صَّ‍‍ا‌دِقِ‍‍ي‍‍نَ ‌وَ‌الْ‍‍قَ‍‍انِت‍‍ِ‍ي‍‍نَ ‌وَ‌الْمُ‍‌‍نْ‍‍فِ‍‍قِ‍‍ي‍‍نَ ‌وَ‌الْمُسْتَ‍‍غْ‍‍فِ‍‍ر‍ِ‍ي‍‍نَ بِ‍الأَسْحَا‌رِ
003-018 شهد الله أنه المتفرد بالإلهية، وقَرَنَ شهادته بشهادة الملائكة وأهل العلم، على أجلِّ مشهود عليه، وهو توحيده تعالى وقيامه بالعدل، لا إله إلا هو العزيز الذي لا يمتنع عليه شيء أراده، الحكيم في أقواله وأفعاله. شَهِدَ‌ ‌اللَّ‍‍هُ ‌أَنَّ‍‍هُ لاَ‌ ‌إِلَهَ ‌إِلاَّ‌ هُوَ‌ ‌وَ‌الْمَلاَئِكَةُ ‌وَ‌أ‍ُ‍‌وْلُو‌ا‌الْعِلْمِ قَ‍‍ائِما‌ ً‌ بِ‍الْ‍‍قِ‍‍سْ‍‍طِ ۚ لاَ‌ ‌إِلَهَ ‌إِلاَّ‌ هُوَ‌ ‌الْعَز‍ِ‍ي‍‍زُ‌ ‌الْحَكِيمُ
003-019 إن الدين الذي ارتضاه الله لخلقه وأرسل به رسله، ولا يَقْبَل غيره هو الإسلام، وهو الانقياد لله وحده بالطاعة والاستسلام له بالعبودية، واتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى خُتموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي لا يقبل الله مِن أحد بعد بعثته دينًا سوى الإسلام الذي أُرسل به. وما وقع الخلاف بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فتفرقوا شيعًا وأحزابًا إلا من بعد ما قامت الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ بغيًا وحسدًا طلبًا للدنيا. ومن يجحد آيات الله المنزلة وآياته الدالة على ربوبيتهوألوهيته، فإن الله سريع الحساب، وسيجزيهم بما كانوا يعملون. إِنَّ ‌ال‍‍دّ‍ِ‍ي‍‍نَ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌الإِسْلاَمُ ۗ ‌وَمَا‌ ‌اخْ‍‍تَلَفَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أ‍ُ‍‌وتُو‌ا‌الْكِت‍‍َ‍ابَ ‌إِلاَّ‌ مِ‍‌‍نْ بَعْدِ‌ مَا‌ ج‍‍َ‍ا‌ءَهُمُ ‌الْعِلْمُ بَ‍‍غْ‍‍يا‌ ً‌ بَيْنَهُمْ ۗ ‌وَمَ‍‌‍نْ يَكْفُرْ‌ بِآي‍‍َ‍اتِ ‌اللَّ‍‍هِ فَإِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ سَ‍‍ر‍ِ‍ي‍‍عُ ‌الْحِسَابِ
003-020 فإن جادلك -أيها الرسول- أهل الكتاب في التوحيد بعد أن أقمت الحجة عليهم فقل لهم: إنني أخلصت لله وحده فلا أشرك به أحدًا، وكذلك من اتبعني من المؤمنين، أخلصوا لله وانقادوا له. وقل لهم ولمشركي العرب وغيرهم: إن أسلمتم فأنتم على الطريق المستقيم والهدى والحق، وإن توليتم فحسابكم على الله، وليس عليَّ إلا البلاغ، وقد أبلغتكم وأقمت عليكم الحجة. والله بصير بالعباد، لا يخفى عليه من أمرهم شيء. فَإِ‌نْ ح‍‍َ‍اجّ‍‍ُ‍وكَ فَ‍‍قُ‍‍لْ ‌أَسْلَمْتُ ‌وَجْ‍‍هِيَ لِلَّهِ ‌وَمَنِ ‌اتَّبَعَنِ ۗ ‌وَ‍قُ‍‍لْ لِلَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أ‍ُ‍‌وتُو‌ا‌الْكِت‍‍َ‍ابَ ‌وَ‌الأُمِّ‍‍يّ‍‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أَ‌أَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِ‌نْ ‌أَسْلَمُو‌ا‌ فَ‍‍قَ‍‍دِ‌ ‌اهْتَدَ‌و‌ا‌ ۖ ‌وَ‌إِ‌نْ تَوَلَّوْ‌ا‌ فَإِنَّ‍‍مَا‌ عَلَ‍‍يْ‍‍كَ ‌الْبَلاَ‍‍غُ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ بَ‍‍صِ‍‍ي‍‍ر‌ٌ‌ بِ‍الْعِبَا‌دِ
003-021 إن الذين يجحدون بالدلائل الواضحة وما جاء به المرسلون، ويقتلون أنبياء الله ظلمًا بغير حق، ويقتلون الذين يأمرون بالعدل واتباع طريق الأنبياء، فبشِّرهم بعذاب موجع. إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَكْفُر‍ُ‍‌ونَ بِآي‍‍َ‍اتِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَيَ‍‍قْ‍‍تُل‍‍ُ‍ونَ ‌ال‍‍نَّ‍‍بِيّ‍‍ِ‍ي‍‍نَ بِ‍‍غَ‍‍يْ‍‍ر‍ِ‍‌ حَ‍‍قٍّ‌ ‌وَيَ‍‍قْ‍‍تُل‍‍ُ‍ونَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَأْمُر‍ُ‍‌ونَ بِ‍الْ‍‍قِ‍‍سْ‍‍طِ مِنَ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسِ فَبَشِّ‍‍رْهُمْ بِعَذ‍َ‍‌ابٍ ‌أَلِيمٍ
003-022 أولئك الذين بطلت أعمالهم في الدنيا والآخرة، فلا يُقبل لهم عمل، وما لهم من ناصرٍ ينصرهم من عذاب الله. أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ حَبِ‍‍طَ‍‍تْ ‌أَعْمَالُهُمْ فِي ‌ال‍‍دُّ‌نْ‍‍يَا‌ ‌وَ‌الآ‍‍خِ‍رَةِ ‌وَمَا‌ لَهُمْ مِ‍‌‍نْ نَاصِ‍‍رِينَ
003-023 أرأيت -أيها الرسول- أعجب من حال هؤلاء اليهود الذين أتاهم الله حظا من الكتاب فعلموا أن ما جئت به هو الحق، يُدْعون إلى ما جاء في كتاب الله -وهو القرآن- ليفصل بينهم فيما اختلفوا فيه، فإن لم يوافق أهواءهم يَأْبَ كثير منهم حكم الله؛ لأن من عادتهم الإعراض عن الحق؟ أَلَمْ تَ‍رَ‌ ‌إِلَى‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أ‍ُ‍‌وتُو‌ا‌ نَ‍‍صِ‍‍يبا‌ ً‌ مِنَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ يُ‍‍دْعَ‍‍وْنَ ‌إِلَى‌ كِت‍‍َ‍ابِ ‌اللَّ‍‍هِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُ‍‍مَّ يَتَوَلَّى‌ فَ‍‍ر‍ِ‍ي‍‍قٌ‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمْ ‌وَهُمْ مُعْ‍‍رِ‍‍ضُ‍‍ونَ
003-024 ذلك الانصرافعن الحق سببه اعتقاد فاسد لدى أهل الكتاب؛ بأنهم لن يعذَّبوا إلا أيامًا قليلة، وهذا الاعتقاد أدى إلى جرأتهم على الله واستهانتهم بدينه، واستمرارهم على دينهم الباطل الذي خَدَعوا به أنفسهم. ذَلِكَ بِأَنَّ‍‍هُمْ قَ‍‍الُو‌ا‌ لَ‍‌‍نْ تَمَسَّنَا‌ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌رُ‌ ‌إِلاَّ‌ ‌أَيَّاما‌ ً‌ مَعْدُ‌و‌د‍َ‍‌اتٍۖ ‌وَ‍‍غَ‍رَّهُمْ فِي ‌دِينِهِمْ مَا‌ كَانُو‌ا‌ يَفْتَرُ‌ونَ
003-025 فكيف يكون حالهم إذا جمعهم الله ليحاسَبوا في يوم لا شك في وقوعه -وهو يوم القيامة-، وأخذ كل واحد جزاءَ ما اكتسب، وهم لا يظلمون شيئا؟ فَكَ‍‍يْ‍‍فَ ‌إِ‌ذَ‌ا‌ جَمَعْنَاهُمْ لِيَ‍‍وْم‍ٍ‌ لاَ‌ ‌‍رَيْ‍‍بَ ف‍‍ِ‍ي‍‍هِ ‌وَ‌وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ‌ مَا‌ كَسَبَتْ ‌وَهُمْ لاَ‌ يُ‍‍ظْ‍‍لَمُونَ
003-026 قل -أيها النبي متوجها إلى ربك بالدعاء-: يا مَن لك الملك كلُّه، أنت الذي تمنح الملك والمال والتمكين في الأرض مَن تشاء مِن خلقك، وتسلب الملك ممن تشاء، وتهب العزة في الدنيا والآخرة مَن تشاء، وتجعل الذلَّة على من تشاء، بيدك الخير، إنك -وحدك- على كل شيء قدير. وفي الآية إثبات لصفة اليد لله تعالى على ما يليق به سبحانه. قُ‍‍لِ ‌اللَّ‍‍هُ‍‍مَّ مَالِكَ ‌الْمُلْكِ تُؤْتِي ‌الْمُلْكَ مَ‍‌‍نْ تَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ‌وَتَ‍‌‍نْ‍‍زِعُ ‌الْمُلْكَ مِ‍‍مَّ‍‍‌‍نْ تَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ‌وَتُعِزُّ‌ مَ‍‌‍نْ تَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ‌وَتُذِلُّ مَ‍‌‍نْ تَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ۖ بِيَدِكَ ‌الْ‍‍خَ‍‍يْ‍‍رُ‌ ۖ ‌إِنَّ‍‍كَ عَلَى‌ كُلِّ شَ‍‍يْء‌‌ٍقَ‍‍دِيرٌ
003-027 ومن دلائل قدرتك أنك تُدخل الليل في النهار، وتُدخل النهار في الليل، فيطول هذا ويقصر ذاك، وتُخرج الحي من الميت الذي لا حياة فيه، كإخراج الزرع من الحب، والمؤمن من الكافر، وتُخرج الميت من الحي كإخراج البيض من الدجاج، وترزق من تشاء مَن خلقك بغير حساب. تُولِجُ ‌ال‍‍لَّ‍‍يْ‍‍لَ فِي ‌ال‍‍نَّ‍‍ه‍‍َ‍ا‌ر‍ِ‍‌ ‌وَتُولِجُ ‌ال‍‍نَّ‍‍ه‍‍َ‍ا‌‍رَ‌ فِي ‌ال‍‍لَّ‍‍يْ‍‍لِ ۖ ‌وَتُ‍‍خْ‍‍رِجُ ‌الْحَيَّ مِنَ ‌الْمَيِّتِ ‌وَتُ‍‍خْ‍‍رِجُ ‌الْمَيِّتَ مِنَ ‌الْحَيِّ ۖ ‌وَتَرْ‌زُ‍قُ مَ‍‌‍نْ تَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ بِ‍‍غَ‍‍يْ‍‍ر‍ِ‍‌ حِسَابٍ
003-028 ينهى الله المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء بالمحبة والنصرة من دون المؤمنين، ومَن يتولهم فقد برِئ منالله، والله برِيء منه، إلا أن تكونوا ضعافًا خائفين فقد رخَّص الله لكم في مهادنتهم اتقاء لشرهم، حتى تقوى شوكتكم، ويحذركم الله نفسه، فاتقوه وخافوه. وإلى الله وحده رجوع الخلائق للحساب والجزاء. لاَ‌ يَتَّ‍‍خِ‍‍ذِ‌ ‌الْمُؤْمِن‍‍ُ‍ونَ ‌الْكَافِ‍‍ر‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أَ‌وْلِي‍‍َ‍ا‌ءَ‌ مِ‍‌‍نْ ‌د‍ُ‍‌ونِ ‌الْمُؤْمِن‍‍ِ‍ي‍‍نَ ۖ ‌وَمَ‍‌‍نْ يَفْعَلْ ‌ذَلِكَ فَلَ‍‍يْ‍‍سَ مِنَ ‌اللَّ‍‍هِ فِي شَ‍‍يْء‌‌ٍ‌ ‌إِلاَّ‌ ‌أَ‌نْ تَتَّ‍‍قُ‍‍و‌ا‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمْ تُ‍‍قَ‍‍اة ًۗ ‌وَيُحَذِّ‌رُكُمُ ‌اللَّ‍‍هُ نَفْسَ‍‍هُ ۗ ‌وَ‌إِلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌الْمَ‍‍صِ‍‍يرُ
003-029 قل -أيها النبي- للمؤمنين: إن تكتموا ما استقر في قلوبكم من ممالاة الكافرين ونصرتهم أم تظهروا ذلك لا يَخْفَ على الله منه شيء، فإنَّ علمه محيط بكل ما في السماوات وما في الأرض، وله القدرة التامة على كل شيء. قُ‍‍لْ ‌إِ‌نْ تُ‍‍خْ‍‍فُو‌ا‌ مَا‌ فِي صُ‍‍دُ‌و‌رِكُمْ ‌أَ‌وْ‌ تُ‍‍بْ‍‍د‍ُ‍‌وهُ يَعْلَمْهُ ‌اللَّ‍‍هُ ۗ ‌وَيَعْلَمُ مَا‌ فِي ‌ال‍‍سَّمَا‌و‍َ‍‌اتِ ‌وَمَا‌ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ عَلَى‌ كُلِّ شَ‍‍يْء‌‌ٍقَ‍‍دِيرٌ
003-030 وفي يوم القيامة يوم الجزاء تجد كل نفس ما عملت من خير ينتظرها موفرًا لتُجزَى به، وما عملت من عمل سيِّئ تجده في انتظارها أيضًا، فتتمنى لو أن بينها وبين هذا العمل زمنًا بعيدًا. فاستعدوا لهذا اليوم، وخافوا بطش الإله الجبار. ومع شدَّة عقابه فإنه سبحانه رءوف بالعباد. يَ‍‍وْمَ تَجِدُ‌ كُلُّ نَفْسٍ‌ مَا‌ عَمِلَتْ مِ‍‌‍نْ خَ‍‍يْ‍‍ر‌ٍ‌ مُحْ‍‍ضَ‍‍ر‌ا‌ ً‌ ‌وَمَا‌ عَمِلَتْ مِ‍‌‍نْ س‍‍ُ‍و‌ء‌‌ٍ‌ تَوَ‌دُّ‌ لَوْ‌ ‌أَنَّ بَيْنَهَا‌ ‌وَبَيْنَهُ~ُ ‌أَمَد‌ا‌ ً‌ بَعِيد‌ا‌ ًۗ ‌وَيُحَذِّ‌رُكُمُ ‌اللَّ‍‍هُ نَفْسَ‍‍هُ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ ‌‍رَ‌ء‍ُ‍‌وف‌‍ٌ‌ بِ‍الْعِبَا‌دِ
003-031 قل -أيها الرسول-: إن كنتم تحبون الله حقا فاتبعوني وآمنوا بي ظاهرًا وباطنًا، يحببكم الله، ويمحُ ذنوبكم، فإنه غفور لذنوب عباده المؤمنين، رحيم بهم. وهذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله -تعالى- وليس متبعًا لنبيه محمد صلى الله عيه وسلم حق الاتباع، مطيعًا له في أمره ونهيه، فإنه كاذب في دعواه حتى يتابع الرسول صلى اللهعليه وسلم حق الاتباع. قُ‍‍لْ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ تُحِبّ‍‍ُ‍ونَ ‌اللَّ‍‍هَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِ‍‍بْ‍‍كُمُ ‌اللَّ‍‍هُ ‌وَيَ‍‍غْ‍‍فِ‍‍رْ‌ لَكُمْ ‌ذُنُوبَكُمْ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ غَ‍‍ف‍‍ُ‍و‌ر‌ٌ‌ ‌‍رَحِيمٌ
003-032 قل -أيها الرسول-: أطيعوا الله باتباع كتابه، وأطيعوا الرسول باتباع سنته في حياته وبعد مماته، فإن هم أعرضوا عنك، وأصروا على ما هم عليه مِن كفر وضلال، فليسوا أهلا لمحبة الله؛ فإن الله لا يحب الكافرين. قُ‍‍لْ ‌أَ‍طِ‍‍يعُو‌ا‌اللَّ‍‍هَ ‌وَ‌ال‍رَّس‍‍ُ‍ولَ ۖ فَإِ‌نْ تَوَلَّوْ‌ا‌ فَإِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ لاَ‌ يُحِبُّ ‌الْكَافِ‍‍رِينَ
003-033 إن الله اختار آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران، وجعلهم أفضل أهل زمانهم. إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ ‌اصْ‍‍طَ‍‍فَ‍‍ى‌ ‌آ‌دَمَ ‌وَنُوحا‌ ً‌ ‌وَ‌آلَ ‌إِبْ‍‍‍رَ‌اه‍‍ِ‍ي‍‍مَ ‌وَ‌آلَ عِم‍رَ‌ان عَلَى‌ ‌الْعَالَمِينَ
003-034 هؤلاء الأنبياء والرسل سلسلة طُهْر متواصلة في الإخلاص لله وتوحيده والعمل بوحيه. والله سميع لأقوال عباده، عليم بأفعالهم، وسيجازيهم على ذلك. ذُ‌رِّيَّة ً‌ بَعْ‍‍ضُ‍‍هَا‌ مِ‍‌‍نْ بَعْ‍‍ضٍۗ ‌وَ‌اللَّهُ سَم‍‍ِ‍ي‍‍عٌ عَلِيمٌ
003-035 اذكر -أيها الرسول- ما كان من أمر مريم وأمها وابنها عيسى عليه السلام؛ لتردَّ بذلك على من ادعوا أُلوهية عيسى أو بنوَّته لله سبحانه، إذ قالت امرأة عمران حين حملت: يا ربِّ إني جعلت لك ما في بطني خالصا لك، لخدمة "بيت المقدس"، فتقبَّل مني؛ إنك أنت وحدك السميع لدعائي، العليم بنيتي. إِ‌ذْ‌ قَ‍‍الَتِ ‌امْ‍رَ‌أَةُ عِمْ‍رَ‍‌انَ ‌‍رَبِّ ‌إِنِّ‍‍ي نَذَ‌رْتُ لَكَ مَا‌ فِي بَ‍‍طْ‍‍نِي مُحَ‍رَّ‌ر‌ا‌‌ ً‌ فَتَ‍‍قَ‍‍بَّلْ مِ‍‍نِّ‍‍ي ۖ ‌إِنَّ‍‍كَ ‌أَ‌نْ‍‍تَ ‌ال‍‍سَّم‍‍ِ‍ي‍‍عُ ‌الْعَلِيمُ
003-036 فلما تمَّ حملها ووضعت مولودها قالت: ربِّ إني وضعتها أنثى لا تصلح للخدمة في "بيت المقدس" -والله أعلم بما وضَعَتْ، وسوف يجعل الله لها شأنًا- وقالت: وليس الذكر الذي أردت للخدمة كالأنثى في ذلك؛ لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقْوَم بها، وإني سمَّيتها مريم، وإني حصَّنتها بك هيوذريَّتها من الشيطان المطرود من رحمتك. فَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ ‌وَ‍ضَ‍‍عَتْهَا‌ قَ‍‍الَتْ ‌‍رَبِّ ‌إِنِّ‍‍ي ‌وَ‍ضَ‍‍عْتُهَ‍‍ا‌ ‌أُ‌نْ‍‍ثَى‌ ‌وَ‌اللَّهُ ‌أَعْلَمُ بِمَا‌ ‌وَ‍ضَ‍‍عَتْ ‌وَلَ‍‍يْ‍‍سَ ‌ال‍‍ذَّكَرُ‌ كَالأُ‌نْ‍‍ثَى‌ ۖ ‌وَ‌إِنِّ‍‍ي سَ‍‍مَّ‍‍يْتُهَا‌ مَرْيَمَ ‌وَ‌إِنِّ‍‍ي ‌أُعِيذُهَا‌ بِكَ ‌وَ‌ذُ‌رِّيَّتَهَا‌ مِنَ ‌ال‍‍شَّيْ‍‍طَ‍‍انِ ‌ال‍رَّجِيمِ
003-037 فاستجاب الله دعاءها وقبل منها نَذْرها أحسن قَبول، وتولَّى ابنتها مريم بالرعاية فأنبتها نباتًا حسنًا، ويسَّر الله لها زكريا عليه السلام كافلا فأسكنها في مكان عبادته، وكان كلَّما دخل عليها هذا المكان وجد عندها رزقًا هنيئًا معدّاً قال: يا مريم من أين لكِ هذا الرزق الطيب؟ قالت: هو رزق من عند الله. إن الله -بفضله- يرزق مَن يشاء مِن خلقه بغير حساب. فَتَ‍قَ‍‍بَّلَهَا‌ ‌‍رَبُّهَا‌ بِ‍‍قَ‍‍ب‍‍ُ‍ولٍ حَسَنٍ‌ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍بَتَهَا‌ نَبَاتاً‌ حَسَنا‌ ً‌ ‌وَكَفَّلَهَا‌ ‌زَكَ‍‍رِيَّا‌ ۖ كُلَّمَا‌ ‌دَ‍خَ‍‍لَ عَلَيْهَا‌ ‌زَكَ‍‍رِيَّا‌ ‌الْمِحْ‍رَ‍‌ابَ ‌وَجَدَ‌ عِ‍‌‍نْ‍‍دَهَا‌ ‌رِ‌زْ‍ق‍‍ا‌‌ ًۖ قَ‍‍الَ يَا‌ مَرْيَمُ ‌أَنَّ‍‍ى‌ لَكِ هَذَ‌ا‌ ۖ قَ‍‍الَتْ هُوَ‌ مِ‍‌‍نْ عِ‍‌‍نْ‍‍دِ‌ ‌اللَّ‍‍هِ ۖ ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ يَرْ‌زُ‍قُ مَ‍‌‍نْ يَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ بِ‍‍غَ‍‍يْ‍‍ر‍ِ‍‌ حِسَابٍ
003-038 عندما رأى زكريا ما أكرم الله به مريم مِن رزقه وفضله توجه إلى ربه قائلا يا ربِّ أعطني من عندك ولدًا صالحًا مباركًا، إنك سميع الدعاء لمن دعاك. هُنَالِكَ ‌دَعَا‌ ‌زَكَ‍‍رِيَّا‌ ‌‍رَبَّ‍‍هُ ۖ قَ‍‍الَ ‌‍رَبِّ هَ‍‍بْ لِي مِ‍‌‍نْ لَدُ‌نْ‍‍كَ ‌ذُ‌رِّيَّة‌ ًطَ‍‍يِّبَة‌ ًۖ ‌إِنَّ‍‍كَ سَم‍‍ِ‍ي‍‍عُ ‌ال‍‍دُّع‍‍َ‍ا‌ء‍ِ
003-039 فنادته الملائكة وهو واقف بين يدي الله في مكان صلاته يدعوه: أن الله يخبرك بخبر يسرُّك، وهو أنك سترزق بولد اسمه يحيى، يُصَدِّق بكلمة من الله -وهو عيسى ابن مريم عليه السلام-، ويكون يحيى سيدًا في قومه، له المكانة والمنزلة العالية، وحصورًا لا يأتي الذنوب والشهوات الضارة، ويكون نبيّاً من الصالحين الذين بلغوا في الصَّلاح ذروته. فَنَا‌دَتْهُ ‌الْمَلاَئِكَةُ ‌وَهُوَ‌ قَ‍‍ائِمٌ‌ يُ‍‍صَ‍‍لِّي فِي ‌الْمِحْ‍رَ‍‌ابِ ‌أَنَّ ‌اللَّ‍‍هَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى‌ مُ‍‍صَ‍‍دِّ‍‍ق‍‍ا‌ ً‌ بِكَلِمَةٍ‌ مِنَ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَسَيِّد‌ا‌ ً‌ ‌وَحَ‍‍صُ‍‍و‌ر‌ا‌ ً‌ ‌وَنَبِيّا‌ ً‌ مِنَ ‌ال‍‍صَّ‍‍الِحِينَ
003-040 قال زكريا فرحًا متعجبًا: ربِّ أنَّى يكون لي غلام مع أن الشيخوخة قد بلغت مني مبلغها، وامرأتي عقيم لا تلد؟ قال: كذلك يفعل الله مايشاء من الأفعال العجيبة المخالفة للعادة. قَ‍‍الَ ‌‍رَبِّ ‌أَنَّ‍‍ى‌ يَك‍‍ُ‍ونُ لِي غُ‍‍لاَمٌ‌ ‌وَ‍قَ‍‍دْ‌ بَلَ‍‍غَ‍‍نِيَ ‌الْكِبَرُ‌ ‌وَ‌امْ‍رَ‌أَتِي عَاقِ‍‍ر‌‌ٌۖ قَ‍‍الَ كَذَلِكَ ‌اللَّ‍‍هُ يَفْعَلُ مَا‌ يَش‍‍َ‍ا‌ء‍ُ
003-041 قال زكريَّا: رب اجعل لي علامةً أستدلُّ بها على وجود الولد مني؛ ليحصل لي السرور والاستبشار، قال: علامتك التي طلبتها: ألا تستطيع التحدث إلى الناس ثلاثة أيام إلا بإشارة إليهم، مع أنك سويٌّ صحيح، وفي هذه المدة أكثِرْ من ذكر ربك، وصلِّ له أواخر النهار وأوائله. قَ‍‍الَ ‌‍رَبِّ ‌اجْ‍‍عَلْ لِ‍‍ي ‌آيَة‌ ًۖ قَ‍‍الَ ‌آيَتُكَ ‌أَلاَّ‌ تُكَلِّمَ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسَ ثَلاَثَةَ ‌أَيّ‍‍َ‍ام‌‍ٍ‌ ‌إِلاَّ‌ ‌‍رَمْز‌ا‌ ًۗ ‌وَ‌ا‌ذْكُرْ‌ ‌‍رَبَّكَ كَثِي‍‍ر‌ا‌ ً‌ ‌وَسَبِّحْ بِ‍الْعَشِيِّ ‌وَ‌الإِبْ‍‍كَا‌رِ
003-042 واذكر -أيها الرسول- حين قالت الملائكة: يا مريم إن الله اختاركِ لطاعته وطهَّركِ من الأخلاق الرذيلة، واختاركِ على نساء العالمين في زمانك. وَ‌إِ‌ذْ‌ قَ‍‍الَتِ ‌الْمَلاَئِكَةُ يَا‌ مَرْيَمُ ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ ‌اصْ‍‍طَ‍‍ف‍‍َ‍اكِ ‌وَ‍طَ‍‍هَّ‍رَكِ ‌وَ‌اصْ‍‍طَ‍‍ف‍‍َ‍اكِ عَلَى‌ نِس‍‍َ‍ا‌ءِ‌ ‌الْعَالَمِينَ
003-043 يا مريم داومي على الطاعة لربك، وقومي في خشوع وتواضع، واسجدي واركعي مع الراكعين؛ شكرًا لله على ما أولاكِ من نعمه. يَا‌ مَرْيَمُ ‌ا‍قْ‍‍نُتِي لِ‍رَبِّكِ ‌وَ‌اسْجُدِي ‌وَ‌ا‌رْكَعِي مَعَ ‌ال‍رَّ‌اكِعِينَ
003-044 ذلك الذي قصصناه عليك -أيها الرسول- من أخبار الغيب التي أوحاها الله إليك، إذ لم تكن معهم حين اختلفوا في كفالة مريم أيُّهم أحق بها وأولى، ووقع بينهم الخصام، فأجْرَوْا القرعة لإلقاء أقلامهم، ففاز زكريا عليه السلام بكفالتها. ذَلِكَ مِ‍‌‍نْ ‌أ‌نْ‍‍ب‍‍َ‍ا‌ءِ‌ ‌الْ‍‍غَ‍‍يْ‍‍بِ نُوح‍‍ِ‍ي‍‍هِ ‌إِلَ‍‍يْ‍‍كَ ۚ ‌وَمَا‌ كُ‍‌‍نْ‍‍تَ لَدَيْهِمْ ‌إِ‌ذْ‌ يُلْ‍‍قُ‍‍ونَ ‌أَ‍قْ‍‍لاَمَهُمْ ‌أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ‌وَمَا‌ كُ‍‌‍نْ‍‍تَ لَدَيْهِمْ ‌إِ‌ذْ‌ يَ‍‍خْ‍‍تَ‍‍صِ‍‍مُونَ
003-045 وما كنت - يا نبي الله - هناك حين قالت الملائكة: يا مريم إن الله يُبَشِّرْكِ بولد يكون وجوده بكلمة من الله، أي يقول له: "كن"، فيكون، اسمه المسيح عيسى ابن مريم، له الجاه العظيم في الدنيا والآخرة، ومن المقربينعند الله يوم القيامة. إِ‌ذْ‌ قَ‍‍الَتِ ‌الْمَلاَئِكَةُ يَامَرْيَمُ ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هُ ‌اسْمُهُ ‌الْمَس‍‍ِ‍ي‍‍حُ عِيسَى‌ ‌ابْ‍‍نُ مَرْيَمَ ‌وَجِيها‌‌ ً‌ فِي ‌ال‍‍دُّ‌نْ‍‍يَا‌ ‌وَ‌الآ‍‍خِ‍رَةِ ‌وَمِنَ ‌الْمُ‍‍قَ‍رَّبِينَ
003-046 ويكلم الناس في المهد بعد ولادته، وكذلك يكلمهم في حال كهولته بما أوحاه الله إليه. وهذا تكليم النبوَّة والدعوة والإرشاد، وهو معدود من أهل الصلاح والفضل في قوله وعمله. وَيُكَلِّمُ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسَ فِي ‌الْمَهْدِ‌ ‌وَكَهْلا‌ ً‌ ‌وَمِنَ ‌ال‍‍صَّ‍‍الِحِينَ
003-047 قالت مريم متعجبة من هذا الأمر: أنَّى يكون لي ولد وأنا لست بذات زوج ولا بَغِيٍّ؟ قال لها المَلَك: هذا الذي يحدث لكِ ليس بمستبعد على الإله القادر، الذي يوجِد ما يشاء من العدم، فإذا أراد إيجاد شيء فإنما يقول له: "كُن" فيكون. قَ‍‍الَتْ ‌‍رَبِّ ‌أَنَّ‍‍ى‌ يَك‍‍ُ‍ونُ لِي ‌وَلَد‌ٌ‌ ‌وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَر‌‌ٌۖ قَ‍‍الَ كَذَلِكِ ‌اللَّ‍‍هُ يَ‍‍خْ‍‍لُ‍‍قُ مَا‌ يَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ۚ ‌إِ‌ذَ‌ا‌ قَ‍‍ضَ‍‍ى‌ ‌أَمْر‌ا‌‌ ً‌ فَإِنَّ‍‍مَا‌ يَ‍‍قُ‍‍ولُ لَ‍‍هُ كُ‍‌‍نْ فَيَكُونُ
003-048 ويعلمه الكتابة، والسداد في القول والفعل، والتوراة التي أوحاها الله إلى موسى عليه السلام، والإنجيل الذي أنزل الله عليه. وَيُعَلِّمُهُ ‌الْكِت‍‍َ‍ابَ ‌وَ‌الْحِكْمَةَ ‌وَ‌ال‍‍تَّوْ‌رَ‍‌اةَ ‌وَ‌الإِ‌ن‍‍جِيلَ
003-049 ويجعله رسولا إلى بني إسرائيل، ويقول لهم: إني قد جئتكم بعلامة من ربكم تدلُّ على أني مرسل من الله، وهي أني أصنع لكم من الطين مثل شكل الطير، فأنفخ فيه فيكون طيرًا حقيقيا بإذن الله، وأَشفي مَن وُلِد أعمى، ومَن به برص، وأُحيي من كان ميتًا بإذن الله، وأخبركم بما تأكلون وتدَّخرون في بيوتكم من طعامكم. إن في هذه الأمور العظيمة التي ليست في قدرة البشر لدليلا على أني نبي الله ورسوله، إن كنتم مصدِّقين حجج الله وآياته، مقرِّين بتوحيده. وَ‌‍رَسُولا‌‌ ً‌ ‌إِلَى‌ بَنِ‍‍ي ‌إِسْر‍َ‍‌ائ‍‍ِ‍ي‍‍لَ ‌أَنِّ‍‍ي قَ‍‍دْ‌ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّكُمْ ۖ ‌أَنِّ‍‍ي ‌أَ‍خْ‍‍لُ‍‍قُ لَكُمْ مِنَ ‌ال‍‍طِّ‍‍ي‍‍نِ كَهَ‍‍يْ‍‍ئَةِ ‌ال‍‍طَّ‍‍يْ‍‍ر‍ِ‍‌ فَأَ‌ن‍‍فُ‍‍خُ ف‍‍ِ‍ي‍‍هِ فَيَك‍‍ُ‍ونُ طَ‍‍يْر‌ا‌ ً‌ بِإِ‌ذْنِ ‌اللَّ‍‍هِ ۖ ‌وَ‌أُبْ‍‍رِئُ ‌الأَكْمَهَ ‌وَ‌الأَبْ‍‍‍رَصَ ‌وَ‌أُحْيِ ‌الْمَوْتَى‌ بِإِ‌ذْنِ ‌اللَّ‍‍هِ ۖ ‌وَ‌أُنَبِّئُكُمْ بِمَا‌ تَأْكُل‍‍ُ‍ونَ ‌وَمَا‌ تَدَّ‍‍خِ‍‍ر‍ُ‍‌ونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ ‌إِنَّ فِي ‌ذَلِكَ لَآيَة ً‌ لَكُمْ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ مُؤْمِ‍‍ن‍‍ينَ
003-050 وجئتكم مصدقًا بمافي التوراة، ولأحلَّ لكم بوحي من الله بعض ما حرَّمه الله عليكم تخفيفًا من الله ورحمة، وجئتكم بحجة من ربكم على صدق ما أقول لكم، فاتقوا الله ولا تخالفوا أمره، وأطيعوني فيما أبلغكم به عن الله. وَمُ‍صَ‍‍دِّ‍‍ق‍‍ا‌ ً‌ لِمَا‌ بَ‍‍يْ‍‍نَ يَدَيَّ مِنَ ‌ال‍‍تَّوْ‌رَ‍‌اةِ ‌وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْ‍‍ضَ ‌الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ ‌وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّكُمْ فَاتَّ‍‍قُ‍‍و‌ا‌اللَّ‍‍هَ ‌وَ‌أَ‍طِ‍‍يعُونِ
003-051 إن الله الذي أدعوكم إليه هو وحده ربي وربكم فاعبدوه، فأنا وأنتم سواء في العبودية والخضوع له، وهذا هو الطريق الذي لا اعوجاج فيه. إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ ‌‍رَبِّي ‌وَ‌‍رَبُّكُمْ فَاعْبُد‍ُ‍‌وهُ ۗ هَذَ‌ا‌ صِ‍رَ‍‌اطٌ‌ مُسْتَ‍‍قِ‍‍يمٌ
003-052 فلما استشعر عيسى منهم التصميم على الكفر نادى في أصحابه الخُلَّص: مَن يكون معي في نصرة دين الله؟ قال أصفياء عيسى: نحن أنصار دين الله والداعون إليه، صدَّقنا بالله واتبعناك، واشهد أنت يا عيسى بأنا مستسلمون لله بالتوحيد والطاعة. فَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ ‌أَحَسَّ عِيسَى‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمُ ‌الْكُفْ‍رَقَ‍‍الَ مَ‍‌‍نْ ‌أَ‌نْ‍‍‍‍صَ‍‍ا‌رِي ‌إِلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ ۖ قَ‍‍الَ ‌الْحَوَ‌ا‌رِيّ‍‍ُ‍ونَ نَحْنُ ‌أَ‌نْ‍‍‍‍صَ‍‍ا‌رُ‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌آمَ‍‍نَّ‍‍ا‌ بِ‍اللَّ‍‍هِ ‌وَ‌اشْهَ‍‍دْ‌ بِأَنَّ‍‍ا‌ مُسْلِمُونَ
003-053 ربنا صدَّقنا بما أنزلت من الإنجيل، واتبعنا رسولك عيسى عليه السلام، فاجعلنا ممن شهدوا لك بالوحدانية ولأنبيائك بالرسالة، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يشهدون للرسل بأنهم بلَّغوا أممهم. رَبَّنَ‍‍ا‌ ‌آمَ‍‍نَّ‍‍ا‌ بِمَ‍‍ا‌ ‌أَ‌نْ‍‍زَلْتَ ‌وَ‌اتَّبَعْنَا‌ ‌ال‍رَّس‍‍ُ‍ولَ فَاكْتُ‍‍بْ‍‍نَا‌ مَعَ ‌ال‍‍شَّاهِدِينَ
003-054 ومكر الذين كفروا من بني إسرائيل بعيسى عليه السلام، بأن وكَّلوا به من يقتله غِيْلة، فألقى الله شَبَه عيسى على رجل دلَّهم عليه فأمسكوا به، وقتلوه وصلبوه ظناً منهم أنه عيسى عليه السلام، والله خير الماكرين. وفي هذا إثبات صفة المكر لله -تعالى- على مايليق بجلاله وكماله؛ لأنه مكر بحق، وفي مقابلة مكر الماكرين. وَمَكَرُ‌و‌ا‌ ‌وَمَكَ‍رَ‌اللَّ‍‍هُ ۖ ‌وَ‌اللَّهُ خَ‍‍يْ‍‍رُ‌ ‌الْمَاكِ‍‍رِينَ
003-055 ومكر الله بهم حين قال الله لعيسى: إني قابضك من الأرض من غير أن ينالك سوء، ورافعك إليَّ ببدنك وروحك، ومخلصك من الذين كفروا بك، وجاعل الذين اتبعوك أي على دينك وما جئت به عن الله من الدين والبشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وآمَنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، بعد بعثنه، والتزموا شريعته ظاهرين على الذين جحدوا نبوتك إلى يوم القيامة، ثم إليّ مصيركم جميعًا يوم الحساب، فأفصِل بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من أمر عيسى عليه السلام. إِ‌ذْ‌ قَ‍‍الَ ‌اللَّ‍‍هُ يَاعِيسَ‍‍ى‌ ‌إِنِّ‍‍ي مُتَوَفّ‍‍ِ‍ي‍‍كَ ‌وَ‌‍رَ‌افِعُكَ ‌إِلَيَّ ‌وَمُ‍‍طَ‍‍هِّرُكَ مِنَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ ‌وَجَاعِلُ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اتَّبَع‍‍ُ‍وكَ فَ‍‍وْ‍قَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ ‌إِلَى‌ يَ‍‍وْمِ ‌الْ‍‍قِ‍‍يَامَةِ ثُ‍‍مَّ ۖ ‌إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا‌ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ ف‍‍ِ‍ي‍‍هِ تَ‍‍خْ‍‍تَلِفُونَ
003-056 فأمَّا الذين كفروا بالمسيح من اليهود أو غَلَوا فيه من النصارى، فأعذبهم عذابًا شديدًا في الدنيا: بالقتل وسلْبِ الأموال وإزالة الملك، وفي الآخرة بالنار، وما لهم مِن ناصر ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله. فَأَمَّ‍‍ا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَ‌ابا‌‌ ً‌ شَدِيد‌ا‌‌ ً‌ فِي ‌ال‍‍دُّ‌نْ‍‍يَا‌ ‌وَ‌الآ‍‍خِ‍رَةِ ‌وَمَا‌ لَهُمْ مِ‍‌‍نْ نَاصِ‍‍رِينَ
003-057 وأما الذين آمنوا بالله ورسله وعملوا الأعمال الصالحة، فيعطيهم الله ثواب أعمالهم كاملا غير منقوص. والله لا يحب الظالمين بالشرك والكفر. وَ‌أَمَّ‍‍ا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌ا‌ ‌وَعَمِلُو‌ا‌ال‍‍صَّ‍‍الِح‍‍َ‍اتِ فَيُوَفِّيهِمْ ‌أُجُو‌‍رَهُمْ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ لاَ‌ يُحِبُّ ‌ال‍‍ظَّ‍‍الِمِينَ
003-058 ذلك الذي نقصُّه عليك في شأن عيسى، من الدلائل الواضحة على صحة رسالتك، وصحة القرآن الحكيم الذي يفصل بين الحق والباطل، فلا شك فيه ولا امتراء. ذَلِكَ نَتْل‍‍ُ‍وهُ عَلَ‍‍يْ‍‍كَ مِنَ ‌الآي‍‍َ‍اتِ ‌وَ‌ال‍‍ذِّكْ‍‍ر‍ِ‍‌ ‌الْحَكِيمِ
003-059 إنَّ خَلْقَ الله لعيسى منغير أب مثَلُه كمثل خلق الله لآدم من غير أب ولا أم، إذ خلقه من تراب الأرض، ثم قال له: "كن بشرًا" فكان. فدعوى إلهية عيسى لكونه خلق من غير أب دعوى باطلة؛ فآدم عليه السلام خلق من غير أب ولا أم، واتفق الجميع على أنه عَبْد من عباد الله. إِنَّ مَثَلَ عِيسَى‌ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ ‌اللَّ‍‍هِ كَمَثَلِ ‌آ‌دَمَ ۖ خَ‍‍لَ‍‍قَ‍‍هُ مِ‍‌‍نْ تُ‍رَ‍‌اب‌‍ٍ‌ ثُ‍‍مَّ قَ‍‍الَ لَ‍‍هُ كُ‍‌‍نْ فَيَكُونُ
003-060 الحق الذي لا شك فيه في أمر عيسى هو الذي جاءك -أيها الرسول- من ربك، فدل على يقينك، وعلى ما أنت عليه من ترك الافتراء، ولا تكن من الشاكِّين، وفي هذا تثبيت وطمأنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. الْحَ‍‍قُّ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّكَ فَلاَ‌ تَكُ‍‌‍نْ مِنَ ‌الْمُمْتَ‍‍رِينَ
003-061 فمَن جادلك -أيها الرسول- في المسيح عيسى ابن مريم من بعد ما جاءك من العلم في أمر عيسى عليه السلام، فقل لهم: تعالوا نُحْضِر أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نتجه إلى الله بالدعاء أن يُنزل عقوبته ولعنته على الكاذبين في قولهم، المصرِّين على عنادهم. فَمَ‍‌‍نْ ح‍‍َ‍اجَّكَ ف‍‍ِ‍ي‍‍هِ مِ‍‌‍نْ بَعْدِ‌ مَا‌ ج‍‍َ‍ا‌ءَكَ مِنَ ‌الْعِلْمِ فَ‍‍قُ‍‍لْ تَعَالَوْ‌ا‌ نَ‍‍دْعُ ‌أَبْ‍‍ن‍‍َ‍ا‌ءَنَا‌ ‌وَ‌أَبْ‍‍ن‍‍َ‍ا‌ءَكُمْ ‌وَنِس‍‍َ‍ا‌ءَنَا‌ ‌وَنِس‍‍َ‍ا‌ءَكُمْ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍فُسَنَا‌ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍فُسَكُمْ ثُ‍‍مَّ نَ‍‍بْ‍‍تَهِلْ فَنَ‍‍جْ‍‍عَلْ لَعْنَةَ ‌اللَّ‍‍هِ عَلَى‌ ‌الْكَا‌ذِبِينَ
003-062 إن هذا الذي أنبأتك به من أمر عيسى لهو النبأ الحق الذي لا شك فيه، وما من معبود يستحق العبادة إلا الله وحده، وإن الله لهو العزيز في ملكه، الحكيم في تدبيره وفعله. إِنَّ هَذَ‌ا‌ لَهُوَ‌ ‌الْ‍‍قَ‍‍صَ‍‍صُ ‌الْحَ‍‍قُّ ۚ ‌وَمَا‌ مِ‍‌‍نْ ‌إِلَه‌‍ٍ‌ ‌إِلاَّ‌ ‌اللَّ‍‍هُ ۚ ‌وَ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ لَهُوَ‌ ‌الْعَز‍ِ‍ي‍‍زُ‌ ‌الْحَكِيمُ
003-063 فإن أعرضوا عن تصديقك واتباعك فهم المفسدون، والله عليم بهم، وسيجازيهم على ذلك. فَإِ‌نْ تَوَلَّوْ‌ا‌ فَإِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ عَل‍‍ِ‍ي‍‍م‌‍ٌ‌ بِ‍الْمُفْسِدِينَ
003-064 قل -أيها الرسول- لأهل الكتاب من اليهود والنصارى:تعالَوْا إلى كلمة عدل وحق نلتزم بها جميعًا: وهي أن نَخُص الله وحده بالعبادة، ولا نتخذ أي شريك معه، من وثن أو صنم أو صليب أو طاغوت أو غير ذلك، ولا يدين بعضنا لبعض بالطاعة من دون الله. فإن أعرضوا عن هذه الدعوة الطيبة فقولوا لهم - أيها المؤمنون -: اشهدوا علينا بأنا مسلمون منقادون لربنا بالعبودية والإخلاص. والدعوة إلى كلمة سواء، كما تُوجَّه إلى اليهود والنصارى، توجَّه إلى من جرى مجراهم. قُ‍‍لْ يَ‍‍ا‌ ‌أَهْلَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ تَعَالَوْ‌ا‌ ‌إِلَى‌ كَلِمَة‌‍ٍ‌ سَو‍َ‍‌ا‌ء‌ٍ‌ بَيْنَنَا‌ ‌وَبَيْنَكُمْ ‌أَلاَّ‌ نَعْبُدَ‌ ‌إِلاَّ‌ ‌اللَّ‍‍هَ ‌وَلاَ‌ نُشْ‍‍رِكَ بِ‍‍هِ شَ‍‍يْ‍‍ئا‌ ً‌ ‌وَلاَ‌ يَتَّ‍‍خِ‍‍ذَ‌ بَعْ‍‍ضُ‍‍نَا‌ بَعْ‍‍ض‍‍اً‌ ‌أَ‌رْبَابا‌ ً‌ مِ‍‌‍نْ ‌د‍ُ‍‌ونِ ‌اللَّ‍‍هِ ۚ فَإِ‌نْ تَوَلَّوْ‌ا‌ فَ‍‍قُ‍‍ولُو‌ا‌اشْهَدُ‌و‌ا‌ بِأَنَّ‍‍ا‌ مُسْلِمُونَ
003-065 يا أصحاب الكتب المنزلة من اليهود والنصارى، كيف يجادل كل منكم في أن إبراهيم عليه السلام كان على ملَّته، وما أُنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده؟ أفلا تفقهون خطأ قولكم: إن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً، وقد علمتم أن اليهودية والنصرانية حدثت بعد وفاته بحين؟ يَ‍‍ا‌ ‌أَهْلَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ لِمَ تُح‍‍َ‍اجّ‍‍ُ‍ونَ فِ‍‍ي ‌إِبْ‍‍‍رَ‌اه‍‍ِ‍ي‍‍مَ ‌وَمَ‍‍ا‌ ‌أُ‌نْ‍‍زِلَتِ ‌ال‍‍تَّوْ‌رَ‍‌اةُ ‌وَ‌الإِ‌ن‍‍ج‍‍ِ‍ي‍‍لُ ‌إِلاَّ‌ مِ‍‌‍نْ بَعْدِهِ~‍ِ ۚ ‌أَفَلاَ‌ تَعْ‍‍قِ‍‍لُونَ
003-066 ها أنتم يا هؤلاء جادلتم رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم فيما لكم به علم مِن أمر دينكم، مما تعتقدون صحته في كتبكم، فلِمَ تجادلون فيما ليس لكم به علم من أمر إبراهيم؟ والله يعلم الأمور على خفائها، وأنتم لا تعلمون. ه‍‍َ‍ا‌أَ‌نْ‍‍تُمْ ه‍‍َ‍ا‌ؤُلاَ‌ء‌ حَاجَ‍‍جْ‍‍تُمْ فِيمَا‌ لَكُمْ بِ‍‍هِ عِلْم‌‍ٌ‌ فَلِمَ تُح‍‍َ‍اجّ‍‍ُ‍ونَ فِيمَا‌ لَ‍‍يْ‍‍سَ لَكُمْ بِ‍‍هِ عِلْمٌ‌ ‌وَ‌اللَّهُ ۚ يَعْلَمُ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ لاَ‌ تَعْلَمُونَ
003-067 ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً، فلم تكن اليهودية ولا النصرانية إلا من بعده، ولكن كان متبعًا لأمر الله وطاعته، مستسلمًالربه، وما كان من المشركين. مَا‌ ك‍‍َ‍انَ ‌إِبْ‍‍‍رَ‌اه‍‍ِ‍ي‍‍مُ يَهُو‌دِيّا‌ ً‌ ‌وَلاَ‌ نَ‍‍صْ‍رَ‌انِيّا‌ ً‌ ‌وَلَكِ‍‌‍نْ ك‍‍َ‍انَ حَنِيفا‌ ً‌ مُسْلِما‌ ً‌ ‌وَمَا‌ ك‍‍َ‍انَ مِنَ ‌الْمُشْ‍‍رِكِينَ
003-068 إنَّ أحق الناس بإبراهيم وأخصهم به، الذين آمنوا به وصدقوا برسالته واتبعوه على دينه، وهذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به. والله وليُّ المؤمنين به المتبعين شرعه. إِنَّ ‌أَ‌وْلَى‌ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسِ بِإِبْ‍‍‍رَ‌اه‍‍ِ‍ي‍‍مَ لَلَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اتَّبَع‍‍ُ‍وهُ ‌وَهَذَ‌ا‌ ‌ال‍‍نَّ‍‍بِيُّ ‌وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌اۗ ‌وَ‌اللَّهُ ‌وَلِيُّ ‌الْمُؤْمِنِينَ
003-069 تمنَّت جماعة من اليهود والنصارى لو يضلونكم - أيها المسلمون - عن الإسلام، وما يضلون إلا أنفسهم وأتباعهم، وما يدرون ذلك ولا يعلمونه. وَ‌دَّتْ طَ‍‍ائِفَةٌ‌ مِ‍‌‍نْ ‌أَهْلِ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ لَوْ‌ يُ‍‍ضِ‍‍لُّونَكُمْ ‌وَمَا‌ يُ‍‍ضِ‍‍لّ‍‍ُ‍ونَ ‌إِلاَّ‌ ‌أَ‌نْ‍‍فُسَهُمْ ‌وَمَا‌ يَشْعُرُ‌ون
003-070 يا أهل التوراة والإنجيل لم تجحدون آيات الله التي أنزلها على رسله في كتبكم، وفيها أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو الرسول المنتظر، وأن ما جاءكم به هو الحق، وأنتم تشهدون بذلك؟ ولكنكم تنكرونه. يَ‍‍ا‌ ‌أَهْلَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ لِمَ تَكْفُر‍ُ‍‌ونَ بِآي‍‍َ‍اتِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ تَشْهَدُ‌ونَ
003-071 يا أهل التوراة والإنجيل لِمَ تخلطون الحق في كتبكم بما حرفتموه وكتبتموه من الباطل بأيديكم، وتُخْفون ما فيهما من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن دينه هو الحق، وأنتم تعلمون ذلك؟ يَ‍‍ا‌ ‌أَهْلَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ لِمَ تَلْبِس‍‍ُ‍ونَ ‌الْحَ‍‍قَّ بِ‍الْبَاطِ‍‍لِ ‌وَتَكْتُم‍‍ُ‍ونَ ‌الْحَ‍‍قَّ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ تَعْلَمُونَ
003-072 وقالت جماعة من أهل الكتاب من اليهود: صدِّقوا بالذي أُنزل على الذين آمنوا أول النهار واكفروا آخره؛ لعلهم يتشككون في دينهم، ويرجعون عنه. وَ‍قَ‍‍الَتْ طَ‍‍ائِفَةٌ‌ مِ‍‌‍نْ ‌أَهْلِ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ ‌آمِنُو‌ا‌ بِ‍الَّذِي ‌أُ‌نْ‍‍زِلَ عَلَى‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌ا‌ ‌وَجْ‍‍هَ ‌ال‍‍نَّ‍‍ه‍‍َ‍ا‌ر‍ِ‍‌ ‌وَ‌اكْفُرُ‌و‌ا‌ ‌آ‍‍خِ‍رَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
003-073 ولا تصدِّقوا تصديقًا صحيحًا إلا لمَن تبع دينكم فكان يهودياً، قل لهم -أيها الرسول-: إن الهدى والتوفيق هدى الله وتوفيقه للإيمان الصحيح.وقالوا: لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلمون منكم فيساووكم في العلم به، وتكون لهم الأفضلية عليكم، أو أن يتخذوه حجة عند ربكم يغلبونكم بها. قل لهم -أيها الرسول-: إن الفضل والعطاء والأمور كلها بيد الله وتحت تصرفه، يؤتيها من يشاء ممن آمن به وبرسوله. والله واسع عليم، يَسَعُ بعلمه وعطائه جميع مخلوقاته، ممن يستحق فضله ونعمه. وَلاَ‌ تُؤْمِنُ‍‍و‌ا‌ ‌إِلاَّ‌ لِمَ‍‌‍نْ تَبِعَ ‌دِينَكُمْ قُ‍‍لْ ‌إِنَّ ‌الْهُدَ‌ى‌ هُدَ‌ى‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌أَ‌نْ يُؤْتَ‍‍ى‌ ‌أَحَد‌ٌ‌ مِثْلَ مَ‍‍ا‌ ‌أ‍ُ‍‌وتِيتُمْ ‌أَ‌وْ‌ يُح‍‍َ‍اجُّوكُمْ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ ‌‍رَبِّكُمْ ۗ قُ‍‍لْ ‌إِنَّ ‌الْفَ‍‍ضْ‍‍لَ بِيَدِ‌ ‌اللَّ‍‍هِ يُؤْت‍‍ِ‍ي‍‍هِ مَ‍‌‍نْ يَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ ‌وَ‌اسِعٌ عَلِيمٌ
003-074 إن الله يختص مِن خلقه مَن يشاء بالنبوة والهداية إلى أكمل الشرائع، والله ذو الفضل العظيم. يَ‍خْ‍‍تَ‍‍صُّ بِ‍رَحْمَتِ‍‍هِ مَ‍‌‍نْ يَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ ‌ذُ‌و‌ ‌الْفَ‍‍ضْ‍‍لِ ‌الْعَ‍‍ظِ‍‍يمِ
003-075 ومن أهل الكتاب من اليهود مَن إنْ تأمنه على كثير من المال يؤدِّه إليك من غير خيانة، ومنهم مَن إنْ تأمنه على دينار واحد لا يؤدِّه اليك، إلا إذا بذلت غاية الجهد في مطالبته. وسبب ذلك عقيدة فاسدة تجعلهم يستحلُّون أموال العرب بالباطل، ويقولون: ليس علينا في أكل أموالهم إثم ولا حرج؛ لأن الله أحلَّها لنا. وهذا كذب على الله، يقولونه بألسنتهم، وهم يعلمون أنهم كاذبون. وَمِ‍‌‍نْ ‌أَهْلِ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ مَ‍‌‍نْ ‌إِ‌نْ تَأْمَ‍‌‍نْ‍‍هُ بِ‍‍قِ‍‍‌‍ن‍‍طَ‍‍ا‌ر‌ٍ‌ يُؤَ‌دِّهِ ‌إِلَ‍‍يْ‍‍كَ ‌وَمِ‍‌‍نْ‍‍هُمْ مَ‍‌‍نْ ‌إِ‌نْ تَأْمَ‍‌‍نْ‍‍هُ بِدِين‍‍َ‍ا‌ر‌ٍ‌ لاَ‌ يُؤَ‌دِّهِ ‌إِلَ‍‍يْ‍‍كَ ‌إِلاَّ‌ مَا‌ ‌دُمْتَ عَلَ‍‍يْ‍‍هِ قَ‍‍ائِما‌‌ ًۗ ‌ذَلِكَ بِأَنَّ‍‍هُمْ قَ‍‍الُو‌ا‌ لَ‍‍يْ‍‍سَ عَلَيْنَا‌ فِي ‌الأُمِّ‍‍يّ‍‍ِ‍ي‍‍نَ سَب‍‍ِ‍ي‍‍لٌ‌ ‌وَيَ‍‍قُ‍‍ول‍‍ُ‍ونَ عَلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌الْكَذِبَ ‌وَهُمْ يَعْلَمُونَ
003-076 ليس الأمر كما زعم هؤلاء الكاذبون، فإن المتقي حقاً هو من أوفى بما عاهد الله عليه من أداء الأمانة والإيمان به وبرسله والتزم هديه وشرعه، وخاف الله عز وجل فامتثل أمره وانتهى عما نهى عنه. والله يحب المتقين الذينيتقون الشرك والمعاصي. بَلَى‌ مَ‍‌‍نْ ‌أَ‌وْفَى‌ بِعَهْدِهِ ‌وَ‌اتَّ‍‍قَ‍‍ى‌ فَإِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ يُحِبُّ ‌الْمُتَّ‍‍قِ‍‍ينَ
003-077 إن الذين يستبدلون بعهد الله ووصيته التي أوصى بها في الكتب التي أنزلها على أنبيائهم، عوضًا وبدلا خسيسًا من عرض الدنيا وحطامها، أولئك لا نصيب لهم من الثواب في الآخرة، ولا يكلمهم الله بما يسرهم، ولا ينظر إليهم يوم القيامة بعين الرحمة، ولا يطهرهم من دنس الذنوب والكفر، ولهم عذاب موجع. إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَشْتَر‍ُ‍‌ونَ بِعَهْدِ‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَ‌أَيْمَانِهِمْ ثَمَنا‌‌ ًقَ‍‍لِيلاً‌ ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ لاَ‌ خَ‍‍لاَ‍قَ لَهُمْ فِي ‌الآ‍‍خِ‍رَةِ ‌وَلاَ‌ يُكَلِّمُهُمُ ‌اللَّ‍‍هُ ‌وَلاَ‌ يَ‍‌‍نْ‍‍‍‍ظُ‍‍رُ‌ ‌إِلَيْهِمْ يَ‍‍وْمَ ‌الْ‍‍قِ‍‍يَامَةِ ‌وَلاَ‌ يُزَكِّيهِمْ ‌وَلَهُمْ عَذ‍َ‍‌ابٌ ‌أَلِيمٌ
003-078 وإن مِن اليهود لَجماعةً يحرفون الكلام عن مواضعه، ويبدلون كلام الله؛ ليوهموا غيرهم أن هذا من الكلام المنزل، وهو التوراة، وما هو منها في شيء، ويقولون: هذا من عند الله أوحاه الله إلى نبيه موسى، وما هو من عند الله، وهم لأجل دنياهم يقولون على الله الكذب وهم يعلمون أنهم كاذبون. وَ‌إِنَّ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمْ لَفَ‍‍رِي‍‍ق‍‍ا‌ ً‌ يَلْو‍ُ‍‌ونَ ‌أَلْسِنَتَهُمْ بِ‍الْكِت‍‍َ‍ابِ لِتَحْسَب‍‍ُ‍وهُ مِنَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ ‌وَمَا‌ هُوَ‌ مِنَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ ‌وَيَ‍‍قُ‍‍ول‍‍ُ‍ونَ هُوَ‌ مِ‍‌‍نْ عِ‍‌‍نْ‍‍دِ‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَمَا‌ هُوَ‌ مِ‍‌‍نْ عِ‍‌‍نْ‍‍دِ‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَيَ‍‍قُ‍‍ول‍‍ُ‍ونَ عَلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌الْكَذِبَ ‌وَهُمْ يَعْلَمُونَ
003-079 ما ينبغي لأحد من البشر أن يُنزِّل الله عليه كتابه ويجعله حكمًا بين خلقه ويختاره نبياً، ثم يقول للناس: اعبدوني من دون الله، ولكن يقول: كونوا حكماء فقهاء علماء بما كنتم تُعَلِّمونه غيركم من وحي الله تعالى، وبما تدرسونه منه حفظًا وعلمًا وفقهًا. مَا‌ ك‍‍َ‍انَ لِبَشَرٍ‌ ‌أَ‌نْ يُؤْتِيَهُ ‌اللَّ‍‍هُ ‌الْكِت‍‍َ‍ابَ ‌وَ‌الْحُكْمَ ‌وَ‌ال‍‍نُّ‍‍بُوَّةَ ثُ‍‍مَّ يَ‍‍قُ‍‍ولَ لِل‍‍نّ‍‍َ‍اسِ كُونُو‌ا‌ عِبَا‌د‌ا‌ ً‌ لِي مِ‍‌‍نْ ‌د‍ُ‍‌ونِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَلَكِ‍‌‍نْ كُونُو‌ا‌ ‌‍رَبَّانِيّ‍‍ِ‍ي‍‍نَ بِمَا‌ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ تُعَلِّم‍‍ُ‍ونَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابَ ‌وَبِمَا‌ كُ‍‌‍ن‍‍تُمْ تَ‍‍دْ‌رُسُونَ
003-080 وما كان لأحد منهم أن يأمركم باتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا تعبدونهم من دون الله. أَيُعْقَلُ -أيها الناس- أن يأمركم بالكفر بالله بعد انقيادكم لأمره؟ وَلاَ‌ يَأْمُ‍رَكُمْ ‌أَ‌نْ تَتَّ‍‍خِ‍‍ذُ‌و‌ا‌الْمَلاَئِكَةَ ‌وَ‌ال‍‍نَّ‍‍بِيّ‍‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أَ‌رْبَاباً‌ ۗ ‌أَيَأْمُرُكُمْ بِ‍الْكُفْ‍‍ر‍ِ‍‌ بَعْدَ‌ ‌إِ‌ذْ‌ ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ مُسْلِمُونَ
003-081 واذكر-أيها الرسول- إذ أخذ الله سبحانه العهد المؤكد على جميع الأنبياء: لَئِنْ آتيتكم من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول من عندي، مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنَّه. فهل أقررتم واعترفتم بذلك وأخذتم على ذلك عهدي الموثق؟ قالوا: أقررنا بذلك، قال: فليشهدْ بعضكم على بعض، واشهدوا على أممكم بذلك، وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم. وفي هذا أن الله أخذ الميثاق على كل نبي أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ الميثاق على أمم الأنبياء بذلك. وَ‌إِ‌ذْ‌ ‌أَ‍خَ‍‍ذَ‌ ‌اللَّ‍‍هُ مِيث‍‍َ‍اقَ ‌ال‍‍نَّ‍‍بِيّ‍‍ِ‍ي‍‍نَ لَمَ‍‍ا‌ ‌آتَيْتُكُمْ مِ‍‌‍نْ كِت‍‍َ‍ابٍ‌ ‌وَحِكْمَة‌‍ٍ‌ ثُ‍‍مَّ ج‍‍َ‍ا‌ءَكُمْ ‌‍رَس‍‍ُ‍ولٌ‌ مُ‍‍صَ‍‍دِّ‍‍ق‍ ٌ‌ لِمَا‌ مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُ‍‍نَّ بِ‍‍هِ ‌وَلَتَ‍‌‍نْ‍‍‍‍صُ‍‍رُنَّ‍‍هُ ۚ قَ‍‍الَ ‌أَ‌أَ‍قْ‍‍‍رَ‌رْتُمْ ‌وَ‌أَ‍خَ‍‍ذْتُمْ عَلَى‌ ‌ذَلِكُمْ ‌إِصْ‍‍رِي ۖ قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌أَ‍قْ‍‍‍رَ‌رْنَا‌ ۚ قَ‍‍الَ فَاشْهَدُ‌و‌ا‌ ‌وَ‌أَنَا‌ مَعَكُمْ مِنَ ‌ال‍‍شَّاهِدِينَ
003-082 فمن أعرض عن دعوة الإسلام بعد هذا البيان وهذا العهد الذي أخذه الله على أنبيائه، فأولئك هم الخارجون عن دين الله وطاعة ربهم. فَمَ‍‌‍نْ تَوَلَّى‌ بَعْدَ‌ ‌ذَلِكَ فَأ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ هُمُ ‌الْفَاسِ‍‍قُ‍‍ونَ
003-083 أيريد هؤلاء الفاسقون من أهل الكتاب غير دين الله -وهو الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم-، مع أن كل مَن في السموات والأرض استسلم وانقاد وخضع لله طواعية -كالمؤمنين- ورغمًا عنهم عند الشدائد، حين لا ينفعهم ذلك وهم الكفار، كما خضع له سائر الكائنات، وإليه يُرجَعون يوم المعاد، فيجازي كلا بعمله. وهذا تحذير من الله تعالى لخلقه أن يرجع إليه أحد منهم على غير ملة الإسلام. أَفَ‍‍غَ‍‍يْ‍رَ‌ ‌د‍ِ‍ي‍‍نِ ‌اللَّ‍‍هِ يَ‍‍بْ‍‍‍‍غُ‍‍ونَ ‌وَلَهُ~ُ ‌أَسْلَمَ مَ‍‌‍نْ فِي ‌ال‍‍سَّمَا‌و‍َ‍‌اتِ ‌وَ‌الأَ‌رْ‍ضِ طَ‍‍وْعا‌ ً‌ ‌وَكَرْها‌ ً‌ ‌وَ‌إِلَ‍‍يْ‍‍هِ يُرْجَعُونَ
003-084 قل لهم -أيها الرسول-: صدَّقنا بالله وأطعنا، فلا رب لنا غيره،ولا معبود لنا سواه، وآمنَّا بالوحي الذي أنزله الله علينا، والذي أنزله على إبراهيم خليل الله، وابنيه إسماعبل وإسحاق، وابن ابنه يعقوب بن إسحاق، والذي أنزله على الأسباط -وهم الأنبياء الذين كانوا في قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة مِن ولد يعقوب- وما أوتي موسى وعيسى من التوراة والإنجيل، وما أنزله الله على أنبيائه، نؤمن بذلك كله، ولا نفرق بين أحد منهم، ونحن لله وحده منقادون بالطاعة، مُقِرُّون له بالربوبية والألوهية والعبادة. قُ‍‍لْ ‌آمَ‍‍نَّ‍‍ا‌ بِ‍اللَّ‍‍هِ ‌وَمَ‍‍ا‌ ‌أُ‌نْ‍‍زِلَ عَلَيْنَا‌ ‌وَمَ‍‍ا‌ ‌أُ‌نْ‍‍زِلَ عَلَ‍‍ى‌ ‌إِبْ‍‍‍رَ‌اه‍‍ِ‍ي‍‍مَ ‌وَ‌إِسْمَاع‍‍ِ‍ي‍‍لَ ‌وَ‌إِسْح‍‍َ‍اقَ ‌وَيَعْ‍‍قُ‍‍وبَ ‌وَ‌الأَسْب‍‍َ‍اطِ ‌وَمَ‍‍ا‌ ‌أ‍ُ‍‌وتِيَ مُوسَى‌ ‌وَعِيسَى‌ ‌وَ‌ال‍‍نَّ‍‍بِيّ‍‍ُ‍ونَ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّهِمْ لاَ‌ نُفَرِّ‍‍قُ بَ‍‍يْ‍‍نَ ‌أَحَد‌ٍ‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمْ ‌وَنَحْنُ لَ‍‍هُ مُسْلِمُونَ
003-085 ومن يطلب دينًا غير دين الإسلام الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والعبودية، ولرسوله النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم بالإيمان به وبمتابعته ومحبته ظاهرًا وباطنًا، فلن يُقبل منه ذلك، وهو في الآخرة من الخاسرين الذين بخسوا أنفسهم حظوظها. وَمَ‍‌‍نْ يَ‍‍بْ‍‍تَ‍‍غِ غَ‍‍يْ‍رَ‌الإِسْلاَمِ ‌دِينا‌‌ ً‌ فَلَ‍‌‍نْ يُ‍‍قْ‍‍بَلَ مِ‍‌‍نْ‍‍هُ ‌وَهُوَ‌ فِي ‌الآ‍‍خِ‍رَةِ مِنَ ‌الْ‍‍خَ‍‍اسِ‍‍رِينَ
003-086 كيف يوفق الله للإيمان به وبرسوله قومًا جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم به، وشهدوا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم حق وما جاء به هو الحق، وجاءهم الحجج من عند الله والدلائل بصحة ذلك؟ والله لا يوفق للحق والصواب الجماعة الظلمة، وهم الذين عدلوا عن الحق إلى الباطل، فاختاروا الكفر على الإيمان. كَ‍‍يْ‍‍فَ يَهْدِي ‌اللَّهُ قَ‍‍وْما‌‌ ً‌ كَفَرُ‌و‌ا‌ بَعْدَ‌ ‌إِيمَانِهِمْ ‌وَشَهِدُ‌و‌ا‌ ‌أَنَّ ‌ال‍رَّس‍‍ُ‍ولَ حَ‍‍قٌّ‌ ‌وَج‍‍َ‍ا‌ءَهُمُ ‌الْبَيِّن‍‍َ‍اتُ ۚ ‌وَ‌اللَّهُ لاَ‌ يَهْدِي ‌الْ‍‍قَ‍‍وْمَ ‌ال‍‍ظَّ‍‍الِمِينَ
003-087 أولئكالظالمون جزاؤهم أنَّ عليهم لعنة الله والملائكة والناسِ أجمعين، فهم مطرودون من رحمة الله. أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ جَز‍َ‍‌ا‌ؤُهُمْ ‌أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَ‌الْمَلاَئِكَةِ ‌وَ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسِ ‌أَجْ‍‍مَعِينَ
003-088 ماكثين في النار، لا يُرفع عنهم العذاب قليلا ليستريحوا، ولا يُؤخر عنهم لمعذرة يعتذرون بها. خَ‍‍الِد‍ِ‍ي‍‍نَ فِيهَا‌ لاَ‌ يُ‍‍خَ‍‍فَّفُ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمُ ‌الْعَذ‍َ‍‌ابُ ‌وَلاَ‌ هُمْ يُ‍‌‍نْ‍‍‍‍ظَ‍‍رُ‌ونَ
003-089 إلا الذين رجعوا إلى ربهم بالتوبة النصوح من بعد كفرهم وظلمهم، وأصلحوا ما أفسدوه بتوبتهم فإن الله يقبلها، فهو غفور لذنوب عباده، رحيم بهم. إِلاَّ‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ تَابُو‌ا‌ مِ‍‌‍نْ بَعْدِ‌ ‌ذَلِكَ ‌وَ‌أَ‍صْ‍‍لَحُو‌ا‌ فَإِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ غَ‍‍ف‍‍ُ‍و‌ر‌ٌ‌ ‌‍رَحِيمٌ
003-090 إن الذين كفروا بعد إيمانهم واستمروا على الكفر إلى الممات لن تُقبل لهم توبة عند حضور الموت، وأولئك هم الذين ضلُّوا السبيل، فأخطَؤُوا منهجه. إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ بَعْدَ‌ ‌إِيمَانِهِمْ ثُ‍‍مَّ ‌ا‌زْ‌دَ‌ا‌دُ‌و‌ا‌ كُفْر‌ا‌ ً‌ لَ‍‌‍نْ تُ‍‍قْ‍‍بَلَ تَوْبَتُهُمْ ‌وَ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ هُمُ ‌ال‍‍ضَّ‍‍الُّونَ
003-091 إن الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وماتوا على الكفر بالله ورسوله، فلن يُقبل من أحدهم يوم القيامة ملء الأرض ذهبًا؛ ليفتدي به نفسه من عذاب الله، ولو افتدى به نفسه فِعْلا. أولئك لهم عذاب موجع، وما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله. إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ ‌وَمَاتُو‌ا‌ ‌وَهُمْ كُفّ‍‍َ‍ا‌ر‌‌ٌ‌ فَلَ‍‌‍نْ يُ‍‍قْ‍‍بَلَ مِ‍‌‍نْ ‌أَحَدِهِمْ مِلْءُ‌ ‌الأَ‌رْ‍ضِ ‌ذَهَبا‌ ً‌ ‌وَلَوْ‌ ‌افْتَدَ‌ى‌ بِهِ ۗ ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ لَهُمْ عَذ‍َ‍‌ابٌ ‌أَل‍‍ِ‍ي‍‍مٌ‌ ‌وَمَا‌ لَهُمْ مِ‍‌‍نْ نَاصِ‍‍رِينَ
003-092 لن تدركوا الجنة حتى تتصدقوا مما تحبون، وأي شيء تتصدقوا به مهما كان قليلا أو كثيرًا فإن الله به عليم، وسيجازي كل منفق بحسب عمله. لَ‍‌‍نْ تَنَالُو‌ا‌الْبِ‍‍ر‍ّ‍َ‌ حَتَّى‌ تُ‍‌‍نْ‍‍فِ‍‍قُ‍‍و‌ا‌ مِ‍‍مَّ‍‍ا‌ تُحِبّ‍‍ُ‍ونَ ۚ ‌وَمَا‌ تُ‍‌‍نْ‍‍فِ‍‍قُ‍‍و‌ا‌ مِ‍‌‍نْ شَ‍‍يْء‌‌ٍ‌ فَإِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ بِ‍‍هِ عَلِيمٌ
003-093 كل الأطعمة الطيِّبة كانت حلالا لأبناء يعقوب عليه السلام إلا ما حرَّم يعقوب على نفسه لمرض نزل به، وذلك مِن قبل أن تُنَزَّل التوراة. فلما نُزِّلت التوراةحرَّم الله على بني إسرائيل بعض الأطعمة التي كانت حلالا لهم؛ وذلك لظلمهم وبغيهم. قل لهم -أيها الرسول-: هاتوا التوراة، واقرؤوا ما فيها إن كنتم محقين في دعواكم أن الله أنزل فيها تحريم ما حرَّمه يعقوب على نفسه، حتى تعلموا صدق ما جاء في القرآن من أن الله لم يحرم على بني إسرائيل شيئًا من قبل نزول التوراة، إلا ما حرَّمه يعقوب على نفسه. كُلُّ ‌ال‍‍طَّ‍‍ع‍‍َ‍امِ ك‍‍َ‍انَ حِلّا‌ ً‌ لِبَنِ‍‍ي ‌إِسْر‍َ‍‌ائ‍‍ِ‍ي‍‍لَ ‌إِلاَّ‌ مَا‌ حَ‍رَّمَ ‌إِسْر‍َ‍‌ائ‍‍ِ‍ي‍‍لُ عَلَى‌ نَفْسِ‍‍هِ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لِ ‌أَ‌نْ تُنَزَّلَ ‌ال‍‍تَّوْ‌رَ‍‌اةُ ۗ قُ‍‍لْ فَأْتُو‌ا‌ بِ‍ال‍‍تَّوْ‌رَ‍‌اةِ فَاتْلُوهَ‍‍ا‌ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ صَ‍‍ا‌دِقِ‍‍ينَ
003-094 فمَن كذب على الله من بعد قراءة التوراة ووضوح الحقيقة، فأولئك هم الظالمون القائلون على الله بالباطل. فَمَنِ ‌افْتَ‍رَ‌ى‌ عَلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌الكَذِبَ مِ‍‌‍نْ بَعْدِ‌ ‌ذَلِكَ فَأ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ هُمُ ‌ال‍‍ظَّ‍‍الِمُونَ
003-095 قل لهم -أيها الرسول- صَدَق الله فيما أخبر به وفيما شرعه. فإن كنتم صادقين في محبتكم وانتسابكم لخليل الله إبراهيم عليه السلام فاتبعوا ملَّته التي شرعها الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فإنها الحق الذي لا شك فيه. وما كان إبراهيم عليه السلام من المشركين بالله في توحيده وعبادته أحدًا. قُ‍‍لْ صَ‍‍دَ‍قَ ‌اللَّ‍‍هُ ۗ فَاتَّبِعُو‌ا‌ مِلَّةَ ‌إِبْ‍‍‍رَ‌اه‍‍ِ‍ي‍‍مَ حَنِيفا‌ ً‌ ‌وَمَا‌ ك‍‍َ‍انَ مِنَ ‌الْمُشْ‍‍رِكِينَ
003-096 إن أول بيت بُني لعبادة الله في الأرض لهو بيت الله الحرام الذي في "مكة"، وهذا البيت مبارك تضاعف فيه الحسنات، وتتنزل فيه الرحمات، وفي استقباله في الصلاة، وقصده لأداء الحج والعمرة، صلاح وهداية للناس أجمعين. إِنَّ ‌أَ‌وَّلَ بَ‍‍يْ‍‍تٍ‌ ‌وُ‍ضِ‍‍عَ لِل‍‍نّ‍‍َ‍اسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَا‌‍رَكا‌ ً‌ ‌وَهُ‍‍د‌ى‌ ً‌ لِلْعَالَمِينَ
003-097 في هذا البيت دلالات ظاهرات أنه من بناء إبراهيم، وأن اللهعظَّمه وشرَّفه، منها: مقام إبراهيم عليه السلام، وهو الحَجَر الذي كان يقف عليه حين كان يرفع القواعد من البيت هو وابنه إسماعيل، ومن دخل هذا البيت أَمِنَ على نفسه فلا يناله أحد بسوء. وقد أوجب الله على المستطيع من الناس في أي مكان قَصْدَ هذا البيت لأداء مناسك الحج. ومن جحد فريضة الحج فقد كفر، والله غني عنه وعن حجِّه وعمله، وعن سائر خَلْقه. ف‍‍ِ‍ي‍‍هِ ‌آي‍‍َ‍ات‌‍ٌ‌ بَيِّن‍‍َ‍اتٌ‌ مَ‍‍قَ‍‍امُ ‌إِبْ‍‍‍رَ‌اه‍‍ِ‍ي‍‍مَ ۖ ‌وَمَ‍‌‍نْ ‌دَ‍خَ‍‍لَ‍‍هُ ك‍‍َ‍انَ ‌آمِنا‌ ًۗ ‌وَلِلَّهِ عَلَى‌ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسِ حِجُّ ‌الْبَ‍‍يْ‍‍تِ مَنِ ‌اسْتَ‍‍طَ‍‍اعَ ‌إِلَ‍‍يْ‍‍هِ سَبِيلا‌ ًۚ ‌وَمَ‍‌‍نْ كَفَ‍رَ‌ فَإِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ غَ‍‍نِيٌّ عَنِ ‌الْعَالَمِينَ
003-098 قل -أيها الرسول- لأهل الكتاب من اليهود والنصارى: لِمَ تجحدون حجج الله التي دلَّتْ على أن دين الله هو الإسلام، وتنكرون ما في كتبهم من دلائل وبراهين على ذلك، وأنتم تعلمون؟ والله شهيد على صنيعكم. وفي ذلك تهديد ووعيد لهم. قُ‍‍لْ يَ‍‍ا‌ ‌أَهْلَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ لِمَ تَكْفُر‍ُ‍‌ونَ بِآي‍‍َ‍اتِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَ‌اللَّهُ شَه‍‍ِ‍ي‍‍دٌ‌ عَلَى‌ مَا‌ تَعْمَلُونَ
003-099 قل -أيها الرسول- لليهود والنصارى: لِمَ تمنعون من الإسلام من يريد الدخول فيه تطلبون له زيغًا وميلا عن القصد والاستقامة، وأنتم تعلمون أن ما جئتُ به هو الحق؟ وما الله بغافل عما تعملون، وسوف يجازيكم على ذلك. قُ‍‍لْ يَ‍‍ا‌ ‌أَهْلَ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ لِمَ تَ‍‍صُ‍‍دّ‍ُ‍‌ونَ عَ‍‌‍نْ سَب‍‍ِ‍ي‍‍لِ ‌اللَّ‍‍هِ مَ‍‌‍نْ ‌آمَنَ تَ‍‍بْ‍‍‍‍غُ‍‍ونَهَا‌ عِوَجا‌ ً‌ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ شُهَد‍َ‍‌ا‌ءُ‌ ۗ ‌وَمَا‌ ‌اللَّهُ بِ‍‍غَ‍‍افِلٍ عَ‍‍مَّ‍‍ا‌ تَعْمَلُونَ
003-100 يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إن تطيعوا جماعة من اليهود والنصارى ممن آتاهم الله التوراة والإنجيل، يضلوكم، ويلقوا إليكم الشُّبَه في دينكم؛ لترجعوا جاحدين للحق بعد أن كنتم مؤمنين به، فلا تأمنوهم على دينكم،ولا تقبلوا لهم رأيًا أو مشورة. يَ‍‍ا‌ ‌أَيُّهَا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُ‍‍و‌ا‌ ‌إِ‌نْ تُ‍‍طِ‍‍يعُو‌ا‌ فَ‍‍رِي‍‍ق‍‍ا‌ ً‌ مِنَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أ‍ُ‍‌وتُو‌ا‌الْكِت‍‍َ‍ابَ يَرُ‌دُّ‌وكُمْ بَعْدَ‌ ‌إِيمَانِكُمْ كَافِ‍‍رِينَ
003-101 وكيف تكفرون بالله -أيها المؤمنون -، وآيات القرآن تتلى عليكم، وفيكم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يبلغها لكم؟ ومَن يتوكل على الله ويستمسك بالقرآن والسنة فقد وُفِّق لطريق واضح، ومنهاج مستقيم. وَكَ‍‍يْ‍‍فَ تَكْفُر‍ُ‍‌ونَ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ تُتْلَى‌ عَلَيْكُمْ ‌آي‍‍َ‍اتُ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَفِيكُمْ ‌‍رَسُولُ‍‍هُ ۗ ‌وَمَ‍‌‍نْ يَعْتَ‍‍صِ‍‍مْ بِ‍اللَّ‍‍هِ فَ‍‍قَ‍‍دْ‌ هُدِيَ ‌إِلَى‌ صِ‍رَ‍‌اطٍ‌ مُسْتَ‍‍قِ‍‍يمٍ
003-102 يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وعملوا بشرعه، خافوا الله حق خوفه: وذلك بأن يطاع فلا يُعصى، ويُشكَر فلا يكفر، ويُذكَر فلا ينسى، وداوموا على تمسككم بإسلامكم إلى آخر حياتكم؛ لتلقوا الله وأنتم عليه. يَ‍‍ا‌ ‌أَيُّهَا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌ا‌اتَّ‍‍قُ‍‍و‌ا‌اللَّ‍‍هَ حَ‍‍قَّ تُ‍‍قَ‍‍اتِ‍‍هِ ‌وَلاَ‌ تَمُوتُ‍‍نَّ ‌إِلاَّ‌ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ مُسْلِمُونَ
003-103 وتمسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم، ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم. واذكروا نعمة جليلة أنعم الله بها عليكم: إذ كنتم -أيها المؤمنون- قبل الإسلام أعداء، فجمع الله قلوبكم على محبته ومحبة رسوله، وألقى في قلوبكم محبة بعضكم لبعض، فأصبحتم -بفضله- إخوانا متحابين، وكنتم على حافة نار جهنم، فهداكم الله بالإسلام ونجَّاكم من النار. وكما بيَّن الله لكم معالم الإيمان الصحيح فكذلك يبيِّن لكم كل ما فيه صلاحكم؛ لتهتدوا إلى سبيل الرشاد، وتسلكوها، فلا تضلوا عنها. وَ‌اعْتَ‍‍صِ‍‍مُو‌ا‌ بِحَ‍‍بْ‍‍لِ ‌اللَّ‍‍هِ جَمِيعا‌ ً‌ ‌وَلاَ‌ تَفَ‍رَّ‍قُ‍‍و‌اۚ ‌وَ‌ا‌ذْكُرُ‌و‌ا‌ نِعْمَةَ ‌اللَّ‍‍هِ عَلَيْكُمْ ‌إِ‌ذْ‌ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ ‌أَعْد‍َ‍‌ا‌ء‌‌ ً‌ فَأَلَّفَ بَ‍‍يْ‍‍نَ قُ‍‍لُوبِكُمْ فَأَ‍صْ‍‍بَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ‌إِخْ‍‍وَ‌انا‌ ً‌ ‌وَكُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ عَلَى‌ شَفَا‌ حُفْ‍رَةٍ‌ مِنَ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌ر‍ِ‍‌ فَأَ‌نْ‍‍‍‍قَ‍‍ذَكُمْ مِ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ ۗ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ‌اللَّ‍‍هُ لَكُمْ ‌آيَاتِ‍‍هِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُ‌ونَ
003-104 ولتكن منكم -أيها المؤمنون- جماعة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف، وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهى عنالمنكر، وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وأولئك هم الفائزون بجنات النعيم. وَلْتَكُ‍‌‍نْ مِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ ‌أُمَّ‍‍ةٌ‌ يَ‍‍دْع‍‍ُ‍ونَ ‌إِلَى‌ ‌الْ‍‍خَ‍‍يْ‍‍ر‍ِ‍‌ ‌وَيَأْمُر‍ُ‍‌ونَ بِ‍الْمَعْر‍ُ‍‌وفِ ‌وَيَ‍‌‍نْ‍‍هَ‍‍وْنَ عَنِ ‌الْمُ‍‌‍نْ‍‍كَ‍‍ر‍ِ‍‌ ۚ ‌وَ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ هُمُ ‌الْمُفْلِحُونَ
003-105 ولا تكونوا -أيها المؤمنون- كأهل الكتاب الذين وقعت بينهم العداوة والبغضاء فتفرَّقوا شيعًا وأحزابًا، واختلفوا في أصول دينهم من بعد أن اتضح لهم الحق، وأولئك مستحقون لعذابٍ عظيم موجع. وَلاَ‌ تَكُونُو‌ا‌ كَالَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ تَفَ‍رَّ‍قُ‍‍و‌ا‌ ‌وَ‌اخْ‍‍تَلَفُو‌ا‌ مِ‍‌‍نْ بَعْدِ‌ مَا‌ ج‍‍َ‍ا‌ءَهُمُ ‌الْبَيِّن‍‍َ‍اتُ ۚ ‌وَ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ لَهُمْ عَذ‍َ‍‌ابٌ عَ‍‍ظِ‍‍يمٌ
003-106 يوم القيامة تَبْيَضُّ وجوه أهل السعادة الذين آمنوا بالله ورسوله، وامتثلوا أمره، وتَسْوَدُّ وجوه أهل الشقاوة ممن كذبوا رسوله، وعصوا أمره. فأما الذين اسودَّت وجوههم، فيقال لهم توبيخًا: أكفرتم بعد إيمانكم، فاخترتم الكفر على الإيمان؟ فذوقوا العذاب بسبب كفركم. يَ‍‍وْمَ تَ‍‍بْ‍‍يَ‍‍ضُّ ‌وُج‍‍ُ‍وهٌ‌ ‌وَتَسْوَ‌دُّ‌ ‌وُج‍‍ُ‍وه‌‍ٌۚ فَأَمَّ‍‍ا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اسْوَ‌دَّتْ ‌وُجُوهُهُمْ ‌أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ‌ ‌إِيمَانِكُمْ فَذُ‌وقُ‍‍و‌ا‌الْعَذ‍َ‍‌ابَ بِمَا‌ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ تَكْفُرُ‌ونَ
003-107 وأما الذين ابيضَّتْ وجوهم بنضرة النعيم، وما بُشِّروا به من الخير، فهم في جنة الله ونعيمها، وهم باقون فيها، لا يخرجون منها أبدًا. وَ‌أَمَّ‍‍ا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌ابْ‍‍يَ‍‍ضَّ‍‍تْ ‌وُجُوهُهُمْ فَفِي ‌‍رَحْمَةِ ‌اللَّ‍‍هِ هُمْ فِيهَا‌ خَ‍‍الِدُ‌ونَ
003-108 هذه آيات الله وبراهينه الساطعة، نتلوها ونقصُّها عليك -أيها الرسول- بالصدق واليقين. وما الله بظالم أحدًا من خلقه، ولا بمنقص شيئًا من أعمالهم؛ لأنه الحاكم العدل الذي لا يجور. تِلْكَ ‌آي‍‍َ‍اتُ ‌اللَّ‍‍هِ نَتْلُوهَا‌ عَلَ‍‍يْ‍‍كَ بِ‍الْحَ‍‍قِّ ۗ ‌وَمَا‌ ‌اللَّهُ يُ‍‍ر‍ِ‍ي‍‍دُ‌ ظُ‍‍لْما‌ ً‌ لِلْعَالَمِينَ
003-109 ولله ما في السموات وما في الأرض، ملكٌ له وحده خلقًا وتدبيرًا، ومصير جميع الخلائق إليه وحده، فيجازي كلا على قدر استحقاقه. وَلِلَّهِ مَا‌ فِي ‌ال‍‍سَّمَا‌و‍َ‍‌اتِ ‌وَمَا‌ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ ۚ ‌وَ‌إِلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ تُرْجَعُ ‌الأُمُو‌رُ
003-110 أنتم - يا أمة محمد - خير الأمموأنفع الناس للناس، تأمرون بالمعروف، وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهون عن المنكر، وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وتصدقون بالله تصديقًا جازمًا يؤيده العمل. ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله كما آمنتم، لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة، منهم المؤمنون المصدقون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم العاملون بها، وهم قليل، وأكثرهم الخارجون عن دين الله وطاعته. كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ خَ‍‍يْ‍رَ‌ ‌أُمَّ‍‍ةٍ ‌أُ‍خْ‍‍رِجَتْ لِل‍‍نّ‍‍َ‍اسِ تَأْمُر‍ُ‍‌ونَ بِ‍الْمَعْر‍ُ‍‌وفِ ‌وَتَ‍‌‍نْ‍‍هَ‍‍وْنَ عَنِ ‌الْمُ‍‌‍ن‍‍كَ‍‍ر‍ِ‍‌ ‌وَتُؤْمِن‍‍ُ‍ونَ بِ‍اللَّ‍‍هِ ۗ ‌وَلَوْ‌ ‌آمَنَ ‌أَهْلُ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ لَك‍‍َ‍انَ خَ‍‍يْر‌ا‌ ً‌ لَهُمْ ۚ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمُ ‌الْمُؤْمِن‍‍ُ‍ونَ ‌وَ‌أَكْثَرُهُمُ ‌الْفَاسِ‍‍قُ‍‍ونَ
003-111 لن يضركم هؤلاء الفاسقون من أهل الكتاب إلا ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك والكفر وغير ذلك، فإن يقاتلوكم يُهْزَموا، ويهربوا مولِّين الأدبار، ثم لا ينصرون عليكم بأي حال. لَ‍‌‍نْ يَ‍‍ضُ‍‍رُّ‌وكُمْ ‌إِلاَّ‌ ‌أَ‌ذ‌ى‌ ًۖ ‌وَ‌إِ‌نْ يُ‍‍قَ‍‍اتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ‌الأَ‌دْب‍‍َ‍ا‌‍رَ‌ ثُ‍‍مَّ لاَ‌ يُ‍‌‍نْ‍‍‍‍صَ‍‍رُ‌ونَ
003-112 جعل الله الهوان والصغار أمرًا لازمًا لا يفارق اليهود، فهم أذلاء محتقرون أينما وُجِدوا، إلا بعهد من الله وعهد من الناس يأمنون به على أنفسهم وأموالهم، وذلك هو عقد الذمة لهم وإلزامهم أحكام الإسلام، ورجعوا بغضب من الله مستحقين له، وضُربت عليهم الذلَّة والمسكنة، فلا ترى اليهوديَّ إلا وعليه الخوف والرعب من أهل الإيمان؛ ذلك الذي جعله الله عليهم بسبب كفرهم بالله، وتجاوزهم حدوده، وقَتْلهم الأنبياء ظلمًا واعتداء، وما جرَّأهمعلى هذا إلا ارتكابهم للمعاصي، وتجاوزهم حدود الله. ضُ‍‍رِبَتْ عَلَيْهِمُ ‌ال‍‍ذِّلَّةُ ‌أَيْ‍‍نَ مَا‌ ثُ‍‍قِ‍‍فُ‍‍و‌ا‌ ‌إِلاَّ‌ بِحَ‍‍بْ‍‍لٍ‌ مِنَ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَحَ‍‍بْ‍‍لٍ‌ مِنَ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسِ ‌وَب‍‍َ‍ا‌ء‍ُ‍‌و‌ا‌ بِ‍‍غَ‍‍ضَ‍‍بٍ‌ مِنَ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَ‍ضُ‍‍رِبَتْ عَلَيْهِمُ ‌الْمَسْكَنَةُ ۚ ‌ذَلِكَ بِأَنَّ‍‍هُمْ كَانُو‌ا‌ يَكْفُر‍ُ‍‌ونَ بِآي‍‍َ‍اتِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَيَ‍‍قْ‍‍تُل‍‍ُ‍ونَ ‌الأَن‍‍بِي‍‍َ‍ا‌ءَ‌ بِ‍‍غَ‍‍يْ‍‍ر‍ِ‍‌ حَ‍‍قّ‌‍‌‍ٍۚ ‌ذَلِكَ بِمَا‌ عَ‍‍صَ‍‍وْ‌ا‌ ‌وَكَانُو‌ا‌ يَعْتَدُ‌ونَ
003-113 ليس أهل الكتاب متساوين: فمنهم جماعة مستقيمة على أمر الله مؤمنة برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، يقومون الليل مرتلين آيات القرآن الكريم، مقبلين على مناجاة الله في صلواتهم. لَيْسُو‌ا‌ سَو‍َ‍‌ا‌ء‌ ًۗ مِ‍‌‍نْ ‌أَهْلِ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ ‌أُمَّ‍‍ة‌‍ٌقَ‍‍ائِمَةٌ‌ يَتْل‍‍ُ‍ونَ ‌آي‍‍َ‍اتِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌آن‍‍َ‍ا‌ءَ‌ ‌ال‍‍لَّ‍‍يْ‍‍لِ ‌وَهُمْ يَسْجُدُ‌ونَ
003-114 يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويأمرون بالخير كله، وينهون عن الشر كلِّه، ويبادرون إلى فعل الخيرات، وأولئك مِن عباد الله الصالحين. يُؤْمِن‍‍ُ‍ونَ بِ‍اللَّ‍‍هِ ‌وَ‌الْيَ‍‍وْمِ ‌الآ‍‍خِ‍‍رِ‌ ‌وَيَأْمُر‍ُ‍‌ونَ بِ‍الْمَعْر‍ُ‍‌وفِ ‌وَيَ‍‌‍نْ‍‍هَ‍‍وْنَ عَنِ ‌الْمُ‍‌‍نْ‍‍كَ‍‍ر‍ِ‍‌ ‌وَيُسَا‌رِع‍‍ُ‍ونَ فِي ‌الْ‍‍خَ‍‍يْ‍رَ‍‌اتِ ‌وَ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ مِنَ ‌ال‍‍صَّ‍‍الِحِينَ
003-115 وأيُّ عمل قلَّ أو كَثُر من أعمال الخير تعمله هذه الطائفة المؤمنة فلن يضيع عند الله، بل يُشكر لهم، ويجازون عليه. والله عليم بالمتقين الذين فعلوا الخيرات وابتعدوا عن المحرمات؛ ابتغاء رضوان الله، وطلبًا لثوابه. وَمَا‌ يَفْعَلُو‌ا‌ مِ‍‌‍نْ خَ‍‍يْ‍‍ر‌‌ٍ‌ فَلَ‍‌‍نْ يُكْفَر‍ُ‍‌وهُ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ عَل‍‍ِ‍ي‍‍م‌‍ٌ‌ بِ‍الْمُتَّ‍‍قِ‍‍ينَ
003-116 إن الذين كفروا بآيات الله، وكذبوا رسله، لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئًا من عذاب الله في الدنيا ولا في الآخرة، وأولئك أصحاب النار الملازمون لها، لا يخرجون منها. إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ لَ‍‌‍نْ تُ‍‍غْ‍‍نِيَ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمْ ‌أَمْوَ‌الُهُمْ ‌وَلاَ‌ ‌أَ‌وْلاَ‌دُهُمْ مِنَ ‌اللَّ‍‍هِ شَ‍‍يْ‍‍ئا‌ ًۖ ‌وَ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ ‌أَ‍صْ‍‍ح‍‍َ‍ابُ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌ر‍ِ‍‌ ۚ هُمْ فِيهَا‌ خَ‍‍الِدُ‌ونَ
003-117 مَثَلُ ما ينفق الكافرون في وجوه الخير في هذه الحياة الدنيا وما يؤملونه من ثواب، كمثل ريح فيها برد شديد هَبَّتْ على زرع قوم كانوا يرجون خيره، وبسبب ذنوبهم لم تُبْقِ الريح منه شيئًا. وهؤلاء الكافرون لا يجدون في الآخرة ثوابًا، وما ظلمهم الله بذلك،ولكنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم وعصيانهم. مَثَلُ مَا‌ يُ‍‌‍نْ‍‍فِ‍‍قُ‍‍ونَ فِي هَذِهِ ‌الْحَي‍‍َ‍اةِ ‌ال‍‍دُّ‌نْ‍‍يَا‌ كَمَثَلِ ‌ر‍ِ‍ي‍‍ح‌‍ٍ‌ فِيهَا‌ صِ‍‍ر‍ّ‍ٌ‌ ‌أَ‍صَ‍‍ابَتْ حَرْثَ قَ‍‍وْم‌‍ٍظَ‍‍لَمُ‍‍و‌ا‌ ‌أَ‌نْ‍‍فُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ۚ ‌وَمَا‌ ظَ‍‍لَمَهُمُ ‌اللَّ‍‍هُ ‌وَلَكِ‍‌‍نْ ‌أَ‌نْ‍‍فُسَهُمْ يَ‍‍ظْ‍‍لِمُونَ
003-118 يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، تُطْلعونهم على أسراركم، فهؤلاء لا يَفْتُرون عن إفساد حالكم، وهم يفرحون بما يصيبكم من ضرر ومكروه، وقد ظهرت شدة البغض في كلامهم، وما تخفي صدورهم من العداوة لكم أكبر وأعظم. قد بيَّنَّا لكم البراهين والحجج، لتتعظوا وتحذروا، إن كنتم تعقلون عن الله مواعظه وأمره ونهيه. يَ‍‍ا‌ ‌أَيُّهَا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌ا‌ لاَ‌ تَتَّ‍‍خِ‍‍ذُ‌و‌ا‌ بِ‍‍طَ‍‍انَة ً‌ مِ‍‌‍نْ ‌دُ‌ونِكُمْ لاَ‌ يَأْلُونَكُمْ خَ‍‍بَالا‌ ً‌ ‌وَ‌دُّ‌و‌ا‌ مَا‌ عَنِتُّمْ قَ‍‍دْ‌ بَدَتِ ‌الْبَ‍‍غْ‍‍ضَ‍‍ا‌ءُ‌ مِ‍‌‍نْ ‌أَفْوَ‌اهِهِمْ ‌وَمَا‌ تُ‍‍خْ‍‍فِي صُ‍‍دُ‌و‌رُهُمْ ‌أَكْبَرُ‌ ۚ قَ‍‍دْ‌ بَيَّ‍‍نَّ‍‍ا‌ لَكُمُ ‌الآي‍‍َ‍اتِ ۖ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ تَعْ‍‍قِ‍‍لُونَ
003-119 ها هوذا الدليل على خطئكم في محبتهم، فأنتم تحبونهم وتحسنون إليهم، وهم لا يحبونكم ويحملون لكم العداوة والبغضاء، وأنتم تؤمنون بالكتب المنزلة كلها ومنها كتابهم، وهم لا يؤمنون بكتابكم، فكيف تحبونهم؟ وإذا لقوكم قالوا -نفاقًا-: آمنَّا وصدَّقْنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض بدا عليهم الغم والحزن، فعَضُّوا أطراف أصابعهم من شدة الغضب، لما يرون من ألفة المسلمين واجتماع كلمتهم، وإعزاز الإسلام، وإذلالهم به. قل لهم -أيها الرسول-: موتوا بشدة غضبكم. إن الله مطَّلِع على ما تخفي الصدور، وسيجازي كلا على ما قدَّم مِن خير أو شر. ه‍‍َ‍ا‌أَ‌نْ‍‍تُمْ ‌أ‍ُ‍‌وْلاَ‌ءِ‌ تُحِبُّونَهُمْ ‌وَلاَ‌ يُحِبُّونَكُمْ ‌وَتُؤْمِن‍‍ُ‍ونَ بِ‍الْكِت‍‍َ‍ابِ كُلِّ‍‍هِ ‌وَ‌إِ‌ذَ‌ا‌ لَ‍‍قُ‍‍وكُمْ قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌آمَ‍‍نَّ‍‍ا‌ ‌وَ‌إِ‌ذَ‌ا‌ خَ‍‍لَوْ‌ا‌ عَ‍‍ضُّ‍‍و‌ا‌ عَلَيْكُمُ ‌الأَنَامِلَ مِنَ ‌ال‍‍غَ‍‍يْ‍‍ظِ قُ‍‍لْ ۚ مُوتُو‌ا‌ بِ‍‍غَ‍‍يْ‍‍ظِ‍‍كُمْ ‌إِنَّ ۗ ‌اللَّ‍‍هَ عَل‍‍ِ‍ي‍‍م‌‍ٌ‌ بِذ‍َ‍‌اتِ ‌ال‍‍صُّ‍‍دُ‌و‌رِ
003-120 ومن عداوة هؤلاء أنكم -أيها المؤمنون- إن نزل بكم أمرٌ حسن مِن نصر وغنيمة ظهرتعليهم الكآبة والحزن، وإن وقع بكم مكروه من هزيمة أو نقص في الأموال والأنفس والثمرات فرحوا بذلك، وإن تصبروا على ما أصابكم، وتتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، لا يضركم أذى مكرهم. والله بجميع ما يعمل هؤلاء الكفار من الفساد محيط، وسيجازيهم على ذلك. إِ‌نْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَة‌‍ٌ‌ تَسُؤْهُمْ ‌وَ‌إِ‌نْ تُ‍‍صِ‍‍بْ‍‍كُمْ سَيِّئَةٌ‌ يَفْ‍رَحُو‌ا‌ بِهَا‌ ۖ ‌وَ‌إِ‌نْ تَ‍‍صْ‍‍بِرُ‌و‌ا‌ ‌وَتَتَّ‍‍قُ‍‍و‌ا‌ لاَ‌ يَ‍‍ضُ‍‍رُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَ‍‍يْ‍‍ئا‌‌ ًۗ ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ بِمَا‌ يَعْمَل‍‍ُ‍ونَ مُحِي‍‍طٌ
003-121 واذكر -أيها الرسول- حين خَرَجْتَ من بيتك لابسًا عُدَّة الحرب، تنظم صفوف أصحابك، وتُنْزِل كل واحد في منزله للقاء المشركين في غزوة "أُحُد". والله سميع لأقوالكم، عليم بأفعالكم. وَ‌إِ‌ذْ‌ غَ‍‍دَ‌وْتَ مِ‍‌‍نْ ‌أَهْلِكَ تُبَوِّئُ ‌الْمُؤْمِن‍‍ِ‍ي‍‍نَ مَ‍‍قَ‍‍اعِدَ‌ لِلْ‍‍قِ‍‍ت‍‍َ‍الِ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ سَم‍‍ِ‍ي‍‍عٌ عَلِيمٌ
003-122 اذكر -أيها الرسول- ما كان من أمر بني سَلِمة وبني حارثة حين حدثتهم أنفسهم بالرجوع مع زعيمهم المنافق عبد الله بن أُبيٍّ؛ خوفًا من لقاء العدو، ولكن الله عصمهم وحفظهم، فساروا معك متوكلين على الله. وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون. إِ‌ذْ‌ هَ‍‍مَّ‍‍تْ طَ‍‍ائِفَت‍‍َ‍انِ مِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ ‌أَ‌نْ تَفْشَلاَ‌ ‌وَ‌اللَّهُ ‌وَلِيُّهُمَا‌ ۗ ‌وَعَلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ فَلْيَتَوَكَّلِ ‌الْمُؤْمِنُونَ
003-123 ولقد نصركم الله -أيها المؤمنون- بـ "بدر" على أعدائكم المشركين مع قلة عَدَدكم وعُدَدكم، فخافوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لعلكم تشكرون له نعمه. وَلَ‍قَ‍‍دْ‌ نَ‍‍صَ‍رَكُمُ ‌اللَّ‍‍هُ بِبَ‍‍دْ‌ر‌ٍ‌ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ ‌أَ‌ذِلَّة‌‍ٌۖ فَاتَّ‍‍قُ‍‍و‌ا‌اللَّ‍‍هَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُ‌ونَ
003-124 اذكر -أيها الرسول- ما كان من أمر أصحابك في "بدر" حين شقَّ عليهم أن يأتي مَدَد للمشركين، فأوحينا إليك أن تقول لهم: ألن تكفيكم معونة ربكم بأن يمدكم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنْزَلينمن السماء إلى أرض المعركة، يثبتونكم، ويقاتلون معكم؟ إِ‌ذْ‌ تَ‍‍قُ‍‍ولُ لِلْمُؤْمِن‍‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أَلَ‍‌‍نْ يَكْفِيَكُمْ ‌أَ‌نْ يُمِدَّكُمْ ‌‍رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ‌آلاَفٍ‌ مِنَ ‌الْمَلاَئِكَةِ مُ‍‌‍نْ‍‍زَلِينَ
003-125 بلى يكفيكم هذا المَدَد. وبشارة أخرى لكم: إن تصبروا على لقاء العدو وتتقوا الله بفِعْل ما أمركم به واجتناب ما نهاكم عنه، ويأت كفار "مكة" على الفور مسرعين لقتالكم، يظنون أنهم يستأصلونكم، فإن الله يمدكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين أي: قد أعلموا أنفسهم وخيولهم بعلامات واضحات. بَلَ‍‍ىۚ ‌إِ‌نْ تَ‍‍صْ‍‍بِرُ‌و‌ا‌ ‌وَتَتَّ‍‍قُ‍‍و‌ا‌ ‌وَيَأْتُوكُمْ مِ‍‌‍نْ فَوْ‌رِهِمْ هَذَ‌ا‌ يُمْدِ‌دْكُمْ ‌‍رَبُّكُمْ بِ‍‍خَ‍‍مْسَةِ ‌آلاَفٍ‌ مِنَ ‌الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ
003-126 وما جعل الله هذا الإمداد بالملائكة إلا بشرى لكم يبشركم بها ولتطمئن قلوبكم، وتطيب بوعد الله لكم. وما النصر إلا من عند الله العزيز الذي لا يغالَب، الحكيم في تدبيره وفعله. وَمَا‌ جَعَلَهُ ‌اللَّ‍‍هُ ‌إِلاَّ‌ بُشْ‍رَ‌ى‌ لَكُمْ ‌وَلِتَ‍‍طْ‍‍مَئِ‍‍نَّ قُ‍‍لُوبُكُمْ بِ‍‍هِ ۗ ‌وَمَا‌ ‌ال‍‍نَّ‍‍‍‍صْ‍‍رُ‌ ‌إِلاَّ‌ مِ‍‌‍نْ عِ‍‌‍نْ‍‍دِ‌ ‌اللَّ‍‍هِ ‌الْعَز‍ِ‍ي‍‍زِ‌ ‌الْحَكِيمِ
003-127 وكان نصر الله لكم بـ "بدْر" ليهلك فريقًا من الكفار بالقتل، ومن نجا منهم من القتل رجع حزينًا قد ضاقت عليه نفسه، يَظْهر عليه الخزي والعار. لِيَ‍‍قْ‍‍‍‍طَ‍‍عَ طَ‍رَفا‌ ً‌ مِنَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ ‌أَ‌وْ‌ يَكْبِتَهُمْ فَيَ‍‌‍نْ‍‍‍‍قَ‍‍لِبُو‌اخَ‍‍ائِبِينَ
003-128 ليس لك -أيها الرسول- من أمر العباد شيء، بل الأمر كله لله تعالى وحده لا شريك له، ولعل بعض هؤلاء الذين قاتلوك تنشرح صدورهم للإسلام فيسلموا، فيتوب الله عليهم. ومن بقي على كفره يعذبه الله في الدنيا والآخرة بسبب ظلمه وبغيه. لَ‍‍يْ‍‍سَ لَكَ مِنَ ‌الأَمْ‍‍ر‍ِ‍‌ شَ‍‍يْءٌ‌ ‌أَ‌وْ‌ يَت‍‍ُ‍وبَ عَلَيْهِمْ ‌أَ‌وْ‌ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّ‍‍هُمْ ظَ‍‍الِمُونَ
003-129 ولله وحده ما في السموات وما في الأرض، يغفر لمن يشاء من عباده برحمته، ويعذب من يشاء بعدله. والله غفور لذنوب عباده،رحيم بهم. وَلِلَّهِ مَا‌ فِي ‌ال‍‍سَّمَا‌و‍َ‍‌اتِ ‌وَمَا‌ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ ۚ يَ‍‍غْ‍‍فِ‍‍ر‍ُ‍‌ لِمَ‍‌‍نْ يَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ‌وَيُعَذِّبُ مَ‍‌‍نْ يَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ۚ ‌وَ‌اللَّهُ غَ‍‍ف‍‍ُ‍و‌ر‌ٌ‌ ‌‍رَحِيمٌ
003-130 يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه احذروا الربا بجميع أنواعه، ولا تأخذوا في القرض زيادة على رؤوس أموالكم وإن قلَّت، فكيف إذا كانت هذه الزيادة تتضاعف كلما حان موعد سداد الدين؟ واتقوا الله بالتزام شرعه؛ لتفوزوا في الدنيا والآخرة. يَ‍‍ا‌ ‌أَيُّهَا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌ا‌ لاَ‌ تَأْكُلُو‌ا‌ال‍‍رِّبَ‍‍ا‌ ‌أَ‍ضْ‍‍عَافا‌ ً‌ مُ‍‍ضَ‍‍اعَفَة ًۖ ‌وَ‌اتَّ‍‍قُ‍‍و‌ا‌اللَّ‍‍هَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
003-131 اجعلوا لأنفسكم وقاية بينكم وبين النار التي هُيِّئت للكافرين. وَ‌اتَّ‍‍قُ‍‍و‌ا‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌‍رَ‌الَّتِ‍‍ي ‌أُعِدَّتْ لِلْكَافِ‍‍رِينَ
003-132 وأطيعوا الله -أيها المؤمنون- فيما أمركم به من الطاعات وفيما نهاكم عنه من أكل الربا وغيره من الأشياء، وأطيعوا الرسول؛ لترحموا، فلا تعذبوا. وَ‌أَ‍طِ‍‍يعُو‌ا‌اللَّ‍‍هَ ‌وَ‌ال‍رَّس‍‍ُ‍ولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
003-133 وبادروا بطاعتكم لله ورسوله لاغتنام مغفرة عظيمة من ربكم وجنة واسعة، عرضها السموات والأرض، أعدها الله للمتقين. وَسَا‌رِعُ‍‍و‌ا‌ ‌إِلَى‌ مَ‍‍غْ‍‍فِ‍رَةٍ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّكُمْ ‌وَجَ‍‍نَّ‍‍ةٍ عَرْ‍ضُ‍‍هَا‌ ‌ال‍‍سَّمَا‌و‍َ‍‌اتُ ‌وَ‌الأَ‌رْ‍ضُ ‌أُعِدَّتْ لِلْمُتَّ‍‍قِ‍‍ينَ
003-134 الذين ينفقون أموالهم في اليسر والعسر، والذين يمسكون ما في أنفسهم من الغيظ بالصبر، وإذا قَدَروا عَفَوا عمَّن ظلمهم. وهذا هو الإحسان الذي يحب الله أصحابه. الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يُ‍‌‍نْ‍‍فِ‍‍قُ‍‍ونَ فِي ‌ال‍‍سَّرّ‍َ‍‌ا‌ءِ‌ ‌وَ‌ال‍‍ضَّ‍‍رّ‍َ‍‌ا‌ءِ‌ ‌وَ‌الْكَاظِ‍‍م‍‍ِ‍ي‍‍نَ ‌الْ‍‍غَ‍‍يْ‍‍ظَ ‌وَ‌الْعَاف‍‍ِ‍ي‍‍نَ عَنِ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسِ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ يُحِبُّ ‌الْمُحْسِنِينَ
003-135 والذين إذا ارتكبوا ذنبًا كبيرًا أو ظلموا أنفسهم بارتكاب ما دونه، ذكروا وعد الله ووعيده فلجأوا إلى ربهم تائبين، يطلبون منه أن يغفر لهم ذنوبهم، وهم موقنون أنه لا يغفر الذنوب إلا الله، فهم لذلك لا يقيمون على معصية، وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم. وَ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌إِ‌ذَ‌ا‌ فَعَلُو‌ا‌ فَاحِشَةً ‌أَ‌وْ‌ ظَ‍‍لَمُ‍‍و‌ا‌ ‌أَ‌نْ‍‍فُسَهُمْ ‌ذَكَرُ‌و‌ا‌اللَّ‍‍هَ فَاسْتَ‍‍غْ‍‍فَرُ‌و‌ا‌ لِذُنُوبِهِمْ ‌وَمَ‍‌‍نْ يَ‍‍غْ‍‍فِ‍‍ر‍ُ‍‌ ‌ال‍‍ذُّن‍‍ُ‍وبَ ‌إِلاَّ‌ ‌اللَّ‍‍هُ ‌وَلَمْ يُ‍‍صِ‍‍ر‍ّ‍ُ‌و‌ا‌ عَلَى‌ مَا‌ فَعَلُو‌ا‌ ‌وَهُمْ يَعْلَمُونَ
003-136 أولئك الموصوفون بتلك الصفات العظيمة جزاؤهم أن يستر الله ذنوبهم، ولهم جنات تجري من تحت أشجارها وقصورها المياه العذبة، خالدين فيها لا يخرجون منها أبدًا. ونِعْمَ أجر العاملين المغفرة والجنة. أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ جَز‍َ‍‌ا‌ؤُهُمْ مَ‍‍غْ‍‍فِ‍رَةٌ‌ مِ‍‌‍نْ ‌‍رَبِّهِمْ ‌وَجَ‍‍نّ‍‍َ‍ات‌‍ٌ‌ تَ‍‍جْ‍‍رِي مِ‍‌‍نْ تَحْتِهَا‌ ‌الأَ‌نْ‍‍ه‍‍َ‍ا‌رُ‌ خَ‍‍الِد‍ِ‍ي‍‍نَ فِيهَا‌ ۚ ‌وَنِعْمَ ‌أَجْ‍‍رُ‌ ‌الْعَامِلِينَ
003-137 يخاطب الله المؤمنين لـمَّا أُصيبوا يوم "أُحد" تعزية لهم بأنه قد مضت من قبلكم أمم، ابتُلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين فكانت العاقبة لهم، فسيروا في الأرض معتبرين بما آل إليه أمر أولئك المكذبين بالله ورسله. قَ‍‍دْ‌ خَ‍‍لَتْ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لِكُمْ سُنَن‌‍ٌ‌ فَسِيرُ‌و‌ا‌ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ فَا‌نْ‍‍‍‍ظُ‍‍رُ‌و‌ا‌ كَ‍‍يْ‍‍فَ ك‍‍َ‍انَ عَاقِ‍‍بَةُ ‌الْمُكَذِّبِينَ
003-138 هذا القرآن بيان وإرشاد إلى طريق الحق، وتذكير تخشع له قلوب المتقين، وهم الذين يخشون الله، وخُصُّوا بذلك؛ لأنهم هم المنتفعون به دون غيرهم. هَذَ‌ا‌ بَي‍‍َ‍ان ٌ‌ لِل‍‍نّ‍‍َ‍اسِ ‌وَهُ‍‍د‌ى‌ ً‌ ‌وَمَوْعِ‍‍ظَ‍‍ة ٌ‌ لِلْمُتَّ‍‍قِ‍‍ينَ
003-139 ولا تضْعُفوا -أيها المؤمنون- عن قتال عدوكم، ولا تحزنوا لما أصابكم في "أُحد"، وأنتم الغالبون والعاقبة لكم، إن كنتم مصدقين بالله ورسوله متَّبعين شرعه. وَلاَ‌ تَهِنُو‌ا‌ ‌وَلاَ‌ تَحْزَنُو‌ا‌ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍تُمُ ‌الأَعْلَ‍‍وْنَ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ مُؤْمِنِينَ
003-140 إن أصابتكم -أيها المؤمنون- جراح أو قتل في غزوة "أُحد" فحزنتم لذلك، فقد أصاب المشركين جراح وقتل مثل ذلك في غزوة "بدر". وتلك الأيام يُصَرِّفها الله بين الناس، نصر مرة وهزيمة أخرى، لما في ذلك من الحكمة، حتى يظهر ما علمه الله في الأزل ليميز الله المؤمن الصادق مِن غيره، ويُكْرِمَ أقوامًا منكمبالشهادة. والله لا يحب الذين ظلموا أنفسهم، وقعدوا عن القتال في سبيله. إِ‌نْ يَمْسَسْكُمْ قَ‍‍رْح‌‍ٌ‌ فَ‍‍قَ‍‍دْ‌ مَسَّ ‌الْ‍‍قَ‍‍وْمَ قَ‍‍رْحٌ‌ مِثْلُ‍‍هُ ۚ ‌وَتِلْكَ ‌الأَيّ‍‍َ‍امُ نُدَ‌ا‌وِلُهَا‌ بَ‍‍يْ‍‍نَ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسِ ‌وَلِيَعْلَمَ ‌اللَّ‍‍هُ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌ا‌ ‌وَيَتَّ‍‍خِ‍‍ذَ‌ مِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ شُهَد‍َ‍‌ا‌ءَ‌ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ لاَ‌ يُحِبُّ ‌ال‍‍ظَّ‍‍الِمِينَ
003-141 وهذه الهزيمة التي وقعت في "أُحد" كانت اختبارًا وتصفية للمؤمنين، وتخليصًا لهم من المنافقين وهلاكًا للكافرين. وَلِيُمَحِّ‍‍صَ ‌اللَّ‍‍هُ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌ا‌ ‌وَيَمْحَ‍‍قَ ‌الْكَافِ‍‍رِينَ
003-142 يا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أظننتم أن تدخلوا الجنة، ولم تُبْتَلوا بالقتال والشدائد؟ لا يحصل لكم دخولها حتى تُبْتلوا، ويعلم الله -علما ظاهرا للخلق- المجاهدين منكم في سبيله، والصابرين على مقاومة الأعداء. أَمْ حَسِ‍‍بْ‍‍تُمْ ‌أَ‌نْ تَ‍‍دْ‍‍خُ‍‍لُو‌ا‌الْجَ‍‍نَّ‍‍ةَ ‌وَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ يَعْلَمِ ‌اللَّ‍‍هُ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ جَاهَدُ‌و‌ا‌ مِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ ‌وَيَعْلَمَ ‌ال‍‍صَّ‍‍ابِ‍‍رِينَ
003-143 ولقد كنتم -أيها المؤمنون- قبل غزوة "أُحد" تتمنون لقاء العدو؛ لتنالوا شرف الجهاد والاستشهاد في سبيل الله الذي حَظِي به إخوانكم في غزوة "بدر"، فها هو ذا قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه، فدونكم فقاتلوا وصابروا. وَلَ‍قَ‍‍دْ‌ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ تَتَمَ‍‍نَّ‍‍وْ‌ن ‌الْمَ‍‍وْتَ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لِ ‌أَ‌نْ تَلْ‍‍قَ‍‍وْهُ فَ‍‍قَ‍‍دْ‌ ‌‍رَ‌أَيْتُم‍‍ُ‍وهُ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ تَ‍‌‍نْ‍‍‍‍ظُ‍‍رُ‌ونَ
003-144 وما محمد إلا رسول من جنس الرسل الذين قبله يبلغ رسالة ربه. أفإن مات بانقضاء أجله أو قُتِل كما أشاعه الأعداء رجعتم عن دينكم،، تركتم ما جاءكم به نبيكم؟ ومن يرجِعُ منكم عن دينه فلن يضر الله شيئًا، إنما يضر نفسه ضررًا عظيمًا. أما مَن ثبت على الإيمان وشكر ربه على نعمة الإسلام، فإن الله يجزيه أحسن الجزاء. وَمَا‌ مُحَ‍‍مَّ‍‍د‌‌ٌ‌ ‌إِلاَّ‌ ‌‍رَس‍‍ُ‍ول‌‍ٌقَ‍‍دْ‌ خَ‍‍لَتْ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لِهِ ‌ال‍‍رُّسُلُ ۚ ‌أَفَإِيْ‍‍ن م‍‍َ‍اتَ ‌أَ‌وْ‌ قُ‍‍تِلَ ‌انْ‍‍‍‍قَ‍‍لَ‍‍بْ‍‍تُمْ عَلَ‍‍ى‌ ‌أَعْ‍‍قَ‍‍ابِكُمْ ۚ ‌وَمَ‍‌‍نْ يَ‍‌‍نْ‍‍‍‍قَ‍‍لِ‍‍بْ عَلَى‌ عَ‍‍قِ‍‍بَ‍‍يْ‍‍هِ فَلَ‍‌‍نْ يَ‍‍ضُ‍رَّ‌اللَّ‍‍هَ شَ‍‍يْ‍‍ئا‌ ًۗ ‌وَسَيَ‍‍جْ‍‍زِي ‌اللَّهُ ‌ال‍‍شَّاكِ‍‍رِينَ
003-145 لن يموت أحد إلا بإذن الله وقدره وحتى يستوفي المدة التي قدرها الله لهكتابًا مؤجَّلا. ومن يطلب بعمله عَرَض الدنيا، نعطه ما قسمناه له من رزق، ولا حظَّ له في الآخرة، ومن يطلب بعمله الجزاء من الله في الآخرة نمنحه ما طلبه، ونؤته جزاءه وافرًا مع ما لَه في الدنيا من رزق مقسوم، فهذا قد شَكَرَنا بطاعته وجهاده، وسنجزي الشاكرين خيرًا. وَمَا‌ ك‍‍َ‍انَ لِنَفْسٍ ‌أَ‌نْ تَم‍‍ُ‍وتَ ‌إِلاَّ‌ بِإِ‌ذْنِ ‌اللَّ‍‍هِ كِتَابا‌ ً‌ مُؤَجَّلا‌ ًۗ ‌وَمَ‍‌‍نْ يُ‍‍رِ‌دْ‌ ثَو‍َ‍‌ابَ ‌ال‍‍دُّ‌نْ‍‍يَا‌ نُؤْتِ‍‍هِ مِ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ ‌وَمَ‍‌‍نْ يُ‍‍رِ‌دْ‌ ثَو‍َ‍‌ابَ ‌الآ‍‍خِ‍رَةِ نُؤْتِ‍‍هِ مِ‍‌‍نْ‍‍هَا‌ ۚ ‌وَسَنَ‍‍جْ‍‍زِي ‌ال‍‍شَّاكِ‍‍رِينَ
003-146 كثير من الأنبياء السابقين قاتل معهم جموع كثيرة من أصحابهم، فما ضعفوا لِمَا نزل بهم من جروح أو قتل؛ لأن ذلك في سبيل ربهم، وما عَجَزوا، ولا خضعوا لعدوهم، إنما صبروا على ما أصابهم. والله يحب الصابرين. وَكَأَيِّ‍‌‍نْ مِ‍‌‍نْ نَبِيّ‌‍ٍقَ‍‍اتَلَ مَعَ‍‍هُ ‌رِبِّيّ‍‍ُ‍ونَ كَث‍‍ِ‍ي‍‍ر‌‌ٌ‌ فَمَا‌ ‌وَهَنُو‌ا‌ لِمَ‍‍ا‌ ‌أَ‍صَ‍‍ابَهُمْ فِي سَب‍‍ِ‍ي‍‍لِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَمَا‌ ضَ‍‍عُفُو‌ا‌ ‌وَمَا‌ ‌اسْتَكَانُو‌اۗ ‌وَ‌اللَّهُ يُحِبُّ ‌ال‍‍صَّ‍‍ابِ‍‍رِينَ
003-147 وما كان قول هؤلاء الصابرين إلا أن قالوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وما وقع منا مِن تجاوزٍ في أمر ديننا، وثبِّت أقدامنا حتى لا نفرَّ من قتال عدونا، وانصرنا على مَن جحد وحدانيتك ونبوة أنبيائك. وَمَا‌ ك‍‍َ‍انَ قَ‍‍وْلَهُمْ ‌إِلاَّ‌ ‌أَ‌نْ قَ‍‍الُو‌ا‌ ‌‍رَبَّنَا‌ ‌اغْ‍‍فِ‍‍رْ‌ لَنَا‌ ‌ذُنُوبَنَا‌ ‌وَ‌إِسْ‍رَ‌افَنَا‌ فِ‍‍ي ‌أَمْ‍‍رِنَا‌ ‌وَثَبِّتْ ‌أَ‍قْ‍‍دَ‌امَنَا‌ ‌وَ‌انْ‍‍‍‍صُ‍‍رْنَا‌ عَلَى‌ ‌الْ‍‍قَ‍‍وْمِ ‌الْكَافِ‍‍رِينَ
003-148 فأعطى الله أولئك الصابرين جزاءهم في الدنيا بالنصر على أعدائهم، وبالتمكين لهم في الأرض، وبالجزاء الحسن العظيم في الآخرة، وهو جنات النعيم. والله يحب كلَّ مَن أحسن عبادته لربه ومعاملته لخلقه. فَآتَاهُمُ ‌اللَّ‍‍هُ ثَو‍َ‍‌ابَ ‌ال‍‍دُّ‌نْ‍‍يَا‌ ‌وَحُسْنَ ثَو‍َ‍‌ابِ ‌الآ‍‍خِ‍رَةِ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ يُحِبُّ ‌الْمُحْسِنِينَ
003-149 يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إن تطيعوا الذين جحدوا ألوهيتي، ولم يؤمنوا برسلي من اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين فيمايأمرونكم به وينهونكم عنه، يضلوكم عن طريق الحق، وترتدُّوا عن دينكم، فتعودوا بالخسران المبين والهلاك المحقق. يَ‍‍ا‌ ‌أَيُّهَا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُ‍‍و‌ا‌ ‌إِ‌نْ تُ‍‍طِ‍‍يعُو‌ا‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ يَرُ‌دُّ‌وكُمْ عَلَ‍‍ى‌ ‌أَعْ‍‍قَ‍‍ابِكُمْ فَتَ‍‌‍نْ‍‍‍‍قَ‍‍لِبُو‌اخَ‍‍اسِ‍‍رِينَ
003-150 إنهم لن ينصروكم، بل الله ناصركم، وهو خير ناصر، فلا يحتاج معه إلى نصرة أحد. بَلِ ‌اللَّ‍‍هُ مَوْلاَكُمْ ۖ ‌وَهُوَ‌ خَ‍‍يْ‍‍رُ‌ ‌ال‍‍نَّ‍‍اصِ‍‍رِينَ
003-151 سنقذف في قلوب الذين كفروا أشدَّ الفزع والخوف بسبب إشراكهم بالله آلهة مزعومة، ليس لهم دليل أو برهان على استحقاقها للعبادة مع الله، فحالتهم في الدنيا: رعب وهلع من المؤمنين، أما مكانهم في الآخرة الذي يأوون إليه فهو النار؛ وذلك بسبب ظلمهم وعدوانهم، وساء هذا المقام مقامًا لهم. سَنُلْ‍‍قِ‍‍ي فِي قُ‍‍ل‍‍ُ‍وبِ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ال‍‍رُّعْبَ بِمَ‍‍ا‌ ‌أَشْ‍رَكُو‌ا‌ بِ‍اللَّ‍‍هِ مَا‌ لَمْ يُنَزِّلْ بِ‍‍هِ سُلْ‍‍طَ‍‍انا‌ ًۖ ‌وَمَأْ‌وَ‌اهُمُ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌رُ‌ ۚ ‌وَبِئْسَ مَثْوَ‌ى‌ ‌ال‍‍ظَّ‍‍الِمِينَ
003-152 ولقد حقق الله لكم ما وعدكم به من نصر، حين كنتم تقتلون الكفار في غزوة "أُحد" بإذنه تعالى، حتى إذا جَبُنتم وضعفتم عن القتال واختلفتم: هل تبقون في مواقعكم أو تتركونها لجمع الغنانم مع مَن يجمعها؟ وعصيتم أمر رسولكم حين أمركم ألا تفارفوا أماكنكم بأي حال، حلَّت بكم الهزيمة من بعد ما أراكم ما تحبون من النصر، وتبيَّن أن منكم مَن يريد الغنائم، وأن منكم مَن يطلب الآخرة وثوابها، ثم صرف الله وجوهكم عن عدوكم؛ ليختبركم، وقد علم الله ندمكم وتوبتكم فعفا عنكم، والله ذو فضل عظيم على المؤمنين. وَلَ‍قَ‍‍دْ‌ صَ‍‍دَ‍قَ‍‍كُمُ ‌اللَّ‍‍هُ ‌وَعْدَهُ~ُ ‌إِ‌ذْ‌ تَحُسُّونَهُمْ بِإِ‌ذْنِ‍‍هِ ۖ حَتَّ‍‍ى‌ ‌إِ‌ذَ‌ا‌ فَشِلْتُمْ ‌وَتَنَا‌زَعْتُمْ فِي ‌الأَمْ‍‍ر‍ِ‍‌ ‌وَعَ‍‍صَ‍‍يْتُمْ مِ‍‌‍نْ بَعْدِ‌ مَ‍‍ا‌ ‌أَ‌‍رَ‌اكُمْ مَا‌ تُحِبّ‍‍ُ‍ونَ ۚ مِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ مَ‍‌‍نْ يُ‍‍ر‍ِ‍ي‍‍دُ‌ ‌ال‍‍دُّ‌نْ‍‍يَا‌ ‌وَمِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ مَ‍‌‍نْ يُ‍‍ر‍ِ‍ي‍‍دُ‌ ‌الآ‍‍خِ‍رَةَ ۚ ثُ‍‍مَّ صَ‍رَفَكُمْ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمْ لِيَ‍‍بْ‍‍تَلِيَكُمْ ۖ ‌وَلَ‍‍قَ‍‍دْ‌ عَفَا‌ عَ‍‌‍نْ‍‍كُمْ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ ‌ذُ‌و‌ فَ‍‍ضْ‍‍لٍ عَلَى‌ ‌الْمُؤْمِنِينَ
003-153 اذكروا -يا أصحاب محمد- ما كان مِن أمركمحين أخذتم تصعدون الجبل هاربين من أعدائكم، ولا تلتفتون إلى أحد لِمَا اعتراكم من الدهشة والخوف والرعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت في الميدان يناديكم من خلفكم قائلا إليَّ عبادَ الله، وأنتم لا تسمعون ولا تنظرون، فكان جزاؤكم أن أنزل الله بكم ألمًا وضيقًا وغمًّا؛ لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من نصر وغنيمة، ولا ما حلَّ بكم من خوف وهزيمة. والله خبير بجميع أعمالكم، لا يخفى عليه منها شيء. إِ‌ذْ‌ تُ‍‍صْ‍‍عِد‍ُ‍‌ونَ ‌وَلاَ‌ تَلْو‍ُ‍‌ونَ عَلَ‍‍ى‌ ‌أَحَد‌ٍ‌ ‌وَ‌ال‍رَّس‍‍ُ‍ولُ يَ‍‍دْعُوكُمْ فِ‍‍ي ‌أُ‍خْ‍رَ‌اكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَ‍‍مّ‍‍ا‌ ً‌ بِ‍‍غَ‍‍مّ‍‍ٍ‌ لِكَيْلاَ‌ تَحْزَنُو‌ا‌ عَلَى‌ مَا‌ فَاتَكُمْ ‌وَلاَ‌ مَ‍‍ا‌ ‌أَ‍صَ‍‍ابَكُمْ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ خَ‍‍ب‍‍ِ‍ي‍‍ر‌ٌ‌ بِمَا‌ تَعْمَلُونَ
003-154 ثم كان من رحمة الله بالمؤمنين المخلصين أن ألقى في قلوبهم من بعد ما نزل بها من همٍّ وغمٍّ اطمئنانًا وثقة في وعد الله، وكان من أثره نعاس غَشِي طائفة منهم، وهم أهل الإخلاص واليقين، وطائفة أُخرى أهمَّهم خلاص أنفسهم خاصة، وضَعُفَتْ عزيمتهم وشُغِلوا بأنفسهم، وأساؤوا الظن بربهم وبدينه وبنبيه، وظنوا أن الله لا يُتِمُّ أمر رسوله، وأن الإسلام لن تقوم له قائمة، ولذلك تراهم نادمين على خروجهم، يقول بعضهم لبعض: هل كان لنا من اختيار في الخروج للقتال؟ قل لهم -أيها الرسول-: إن الأمر كلَّه لله، فهو الذي قدَّر خروجكم وما حدث لكم، وهم يُخْفون في أنفسهم ما لا يظهرونه لك من الحسرة على خروجهم للقتال، يقولون: لو كان لناأدنى اختيار ما قُتِلنا هاهنا. قل لهم: إن الآجال بيد الله، ولو كنتم في بيوتكم، وقدَّر الله أنكم تموتون، لخرج الذين كتب الله عليهم الموت إلى حيث يُقْتلون، وما جعل الله ذلك إلا ليختبر ما في صدوركم من الشك والنفاق، وليميز الخبيث من الطيب، ويظهر أمر المؤمن من المنافق للناس في الأقوال والأفعال. والله عليم بما في صدور خلقه، لا يخفى عليه شيء من أمورهم. ثُ‍‍مَّ ‌أَ‌نْ‍‍زَلَ عَلَيْكُمْ مِ‍‌‍نْ بَعْدِ‌ ‌الْ‍‍غَ‍‍مِّ ‌أَمَنَة ً‌ نُعَاسا‌ ً‌ يَ‍‍غْ‍‍شَى‌ طَ‍‍ائِفَة ً‌ مِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ ۖ ‌وَ‍طَ‍‍ائِفَة‌‍ٌقَ‍‍دْ‌ ‌أَهَ‍‍مَّ‍‍تْهُمْ ‌أَ‌نْ‍‍فُسُهُمْ يَ‍‍ظُ‍‍نّ‍‍ُ‍ونَ بِ‍اللَّ‍‍هِ غَ‍‍يْ‍رَ‌الْحَ‍‍قِّ ظَ‍‍نَّ ‌الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَ‍‍قُ‍‍ول‍‍ُ‍ونَ هَلْ لَنَا‌ مِنَ ‌الأَمْ‍‍ر‍ِ‍‌ مِ‍‌‍نْ شَ‍‍يْء‌‌ٍۗ قُ‍‍لْ ‌إِنَّ ‌الأَمْ‍رَ‌ كُلَّ‍‍هُ لِلَّهِ ۗ يُ‍‍خْ‍‍ف‍‍ُ‍ونَ فِ‍‍ي ‌أَ‌نْ‍‍فُسِهِمْ مَا‌ لاَ‌ يُ‍‍بْ‍‍د‍ُ‍‌ونَ لَكَ ۖ يَ‍‍قُ‍‍ول‍‍ُ‍ونَ لَوْ‌ ك‍‍َ‍انَ لَنَا‌ مِنَ ‌الأَمْ‍‍ر‍ِ‍‌ شَ‍‍يْء‌ٌ‌ مَا‌ قُ‍‍تِلْنَا‌ هَاهُنَا‌ ۗ قُ‍‍لْ لَوْ‌ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَ‍رَ‌زَ‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ‌الْ‍‍قَ‍‍تْلُ ‌إِلَى‌ مَ‍‍ضَ‍‍اجِعِهِمْ ۖ ‌وَلِيَ‍‍بْ‍‍تَلِيَ ‌اللَّ‍‍هُ مَا‌ فِي صُ‍‍دُ‌و‌رِكُمْ ‌وَلِيُمَحِّ‍‍صَ مَا‌ فِي قُ‍‍لُوبِكُمْ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ عَل‍‍ِ‍ي‍‍م‌‍ٌ‌ بِذ‍َ‍‌اتِ ‌ال‍‍صُّ‍‍دُ‌و‌رِ
003-155 إن الذين فرُّوا منكم -يا أصحاب- محمد عن القتال يوم التقى المؤمنون والمشركون في غزوة "أُحد"، إنما أوقعهم الشيطان في هذا الذنب ببعض ما عملوا من الذنوب، ولقد تجاوز الله عنهم فلم يعاقبهم. إن الله غفور للمذنبين التائبين، حليم لا يعاجل من عصاه بالعقوبة. إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ تَوَلَّوْ‌ا‌ مِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ يَ‍‍وْمَ ‌الْتَ‍‍قَ‍‍ى‌ ‌الْجَمْع‍‍َ‍انِ ‌إِنَّ‍‍مَا‌ ‌اسْتَزَلَّهُمُ ‌ال‍‍شَّيْ‍‍طَ‍‍انُ بِبَعْ‍‍ضِ مَا‌ كَسَبُو‌اۖ ‌وَلَ‍‍قَ‍‍دْ‌ عَفَا‌ ‌اللَّهُ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمْ ۗ ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ غَ‍‍ف‍‍ُ‍و‌رٌ‌ حَلِيمٌ
003-156 يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تُشابهوا الكافرين الذين لا يؤمنون بربهم، فهم يقولون لإخوانهم من أهل الكفر إذا خرجوا يبحثون في أرض الله عن معاشهم أو كانوا مع الغزاة المقاتلين فماتوا أو قُتِلوا: لو لم يخرج هؤلاء ولم يقاتلوا وأقاموا معنا ما ماتوا وما قُتلوا. وهذا القول يزيدهم ألمًا وحزنًا وحسرة تستقر في قلوبهم، أما المؤمنون فإنهم يعلمون أن ذلك بقدر الله فيهدي الله قلوبهم،ويخفف عنهم المصيبة، والله يحيي مَن قدَّر له الحياة -وإن كان مسافرًا أو غازيًا- ويميت مَنِ انتهى أجله -وإن كان مقيمًا- والله بكل ما تعملونه بصير، فيجازيكم به. يَ‍‍ا‌ ‌أَيُّهَا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌ا‌ لاَ‌ تَكُونُو‌ا‌ كَالَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ ‌وَ‍قَ‍‍الُو‌ا‌ لِأخْ‍‍وَ‌انِهِمْ ‌إِ‌ذَ‌ا‌ ضَ‍رَبُو‌ا‌ فِي ‌الأَ‌رْ‍ضِ ‌أَ‌وْ‌ كَانُو‌اغُ‍‍زّ‌ى‌ ً‌ لَوْ‌ كَانُو‌ا‌ عِ‍‌‍نْ‍‍دَنَا‌ مَا‌ مَاتُو‌ا‌ ‌وَمَا‌ قُ‍‍تِلُو‌ا‌ لِيَ‍‍جْ‍‍عَلَ ‌اللَّ‍‍هُ ‌ذَلِكَ حَسْ‍رَة‌ ً‌ فِي قُ‍‍لُوبِهِمْ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ يُحْيِي ‌وَيُم‍‍ِ‍ي‍‍تُ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ بِمَا‌ تَعْمَل‍‍ُ‍ونَ بَ‍‍صِ‍‍يرٌ
003-157 ولئن قُتِلتم -أيها المؤمنون- وأنتم تجاهدون في سبيل الله أو متم في أثناء القتال، ليغفرن الله لكم ذنوبكم، وليرحمنكم رحمة من عنده، فتفوزون بجنات النعيم، وذلك خير من الدنيا وما يجمعه أهلها. وَلَئِ‍‌‍نْ قُ‍‍تِلْتُمْ فِي سَب‍‍ِ‍ي‍‍لِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌أَ‌وْ‌ مُتُّمْ لَمَ‍‍غْ‍‍فِ‍رَةٌ‌ مِنَ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَ‌‍رَحْمَةٌ خَ‍‍يْ‍‍ر‌ٌ‌ مِ‍‍مَّ‍‍ا‌ يَ‍‍جْ‍‍مَعُونَ
003-158 ولئن انقضت آجالكم في هذه الحياة الدنيا، فمتم على فُرُشكم، أو قتلتم في ساحة القتال، لإلى الله وحده تُحشرون، فيجازيكم بأعمالكم. وَلَئِ‍‌‍نْ مُتُّمْ ‌أَ‌وْ‌ قُ‍‍تِلْتُمْ لَإِلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ تُحْشَرُ‌ونَ
003-159 فبرحمة من الله لك ولأصحابك -أيها النبي- منَّ الله عليك فكنت رفيقًا بهم، ولو كنت سيِّئ الخُلق قاسي القلب، لانْصَرَفَ أصحابك من حولك، فلا تؤاخذهم بما كان منهم في غزوة "أُحد"، واسأل الله -أيها النبي- أن يغفر لهم، وشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى مشورة، فإذا عزمت على أمر من الأمور -بعد الاستشارة- فأَمْضِه معتمدًا على الله وحده، إن الله يحب المتوكلين عليه. فَبِمَا‌ ‌‍رَحْمَةٍ‌ مِنَ ‌اللَّ‍‍هِ لِ‍‌‍نْ‍‍تَ لَهُمْ ۖ ‌وَلَوْ‌ كُ‍‌‍نْ‍‍تَ فَ‍‍ظّ‍‍اً‌ غَ‍‍ل‍‍ِ‍ي‍‍ظَ ‌الْ‍‍قَ‍‍لْبِ لاَ‌نْ‍‍فَ‍‍ضُّ‍‍و‌ا‌ مِ‍‌‍نْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمْ ‌وَ‌اسْتَ‍‍غْ‍‍فِ‍‍رْ‌ لَهُمْ ‌وَشَا‌وِ‌ر‍ْ‍هُمْ فِي ‌الأَمْ‍‍ر‍ِ‍‌ ۖ فَإِ‌ذَ‌ا‌ عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ ۚ ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ يُحِبُّ ‌الْمُتَوَكِّلِينَ
003-160 إن يمددكم الله بنصره ومعونته فلا أحد يستطيع أن يغلبكم، وإن يخذلكم فمن هذا الذي يستطيع أن ينصركم من بعد خذلانه لكم؟ وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون. إِ‌نْ يَ‍‌‍نْ‍‍‍‍صُ‍‍رْكُمُ ‌اللَّ‍‍هُ فَلاَ‌ غَ‍‍الِبَ لَكُمْ ۖ ‌وَ‌إِ‌نْ يَ‍‍خْ‍‍ذُلْكُمْ فَمَ‍‌‍نْ ‌ذَ‌ا‌ ‌الَّذِي يَ‍‌‍نْ‍‍‍‍صُ‍‍رُكُمْ مِ‍‌‍نْ بَعْدِهِ ۗ ‌وَعَلَى‌ ‌اللَّ‍‍هِ فَلْيَتَوَكَّلِ ‌الْمُؤْمِنُونَ
003-161 وما كان لنبيٍّ أن يَخُونَ أصحابه بأن يأخذ شيئًا من الغنيمة غير ما اختصه الله به، ومن يفعل ذلك منكم يأت بما أخذه حاملا له يوم القيامة؛ ليُفضَح به في الموقف المشهود، ثم تُعطى كل نفس جزاءَ ما كسبت وافيًا غير منقوص دون ظلم. وَمَا‌ ك‍‍َ‍انَ لِنَبِيٍّ ‌أَ‌نْ يَ‍‍غُ‍‍لَّ ۚ ‌وَمَ‍‌‍نْ يَ‍‍غْ‍‍لُلْ يَأْتِ بِمَا‌ غَ‍‍لَّ يَ‍‍وْمَ ‌الْ‍‍قِ‍‍يَامَةِ ۚ ثُ‍‍مَّ تُوَفَّى‌ كُلُّ نَفْسٍ‌ مَا‌ كَسَبَتْ ‌وَهُمْ لاَ‌ يُ‍‍ظْ‍‍لَمُونَ
003-162 لا يستوي من كان قصده رضوان الله ومن هو مُكِبٌ على المعاصي، مسخط لربه، فاستحق بذلك سكن جهنم، وبئس المصير. أَفَمَنِ ‌اتَّبَعَ ‌رِ‍‍ضْ‍‍و‍َ‍‌انَ ‌اللَّ‍‍هِ كَمَ‍‌‍نْ ب‍‍َ‍ا‌ءَ‌ بِسَ‍‍خَ‍‍طٍ‌ مِنَ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَمَأْ‌و‍َ‍‌اهُ جَهَ‍‍نَّ‍‍مُ ۚ ‌وَبِئْسَ ‌الْمَ‍‍صِ‍‍يرُ
003-163 أصحاب الجنة المتبعون لما يرضي الله متفاوتون في الدرجات، وأصحاب النار المتبعون لما يسخط الله متفاوتون في الدركات، لا يستوون. والله بصير بأعمالهم لا يخفى عليه منها شيء. هُمْ ‌دَ‌‍رَج‍‍َ‍اتٌ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ ‌اللَّ‍‍هِ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ بَ‍‍صِ‍‍ي‍‍ر‌ٌ‌ بِمَا‌ يَعْمَلُونَ
003-164 لقد أنعم الله على المؤمنين من العرب؛ إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم، يتلو عليهم آيات القرآن، ويطهرهم من الشرك والأخلاق الفاسدة، ويعلمهم القرآن والسنة، وإن كانوا من قبل هذا الرسول لفي غيٍّ وجهل ظاهر. لَ‍قَ‍‍دْ‌ مَ‍‍نَّ ‌اللَّ‍‍هُ عَلَى‌ ‌الْمُؤْمِن‍‍ِ‍ي‍‍نَ ‌إِ‌ذْ‌ بَعَثَ فِيهِمْ ‌‍رَسُولا‌ ً‌ مِ‍‌‍نْ ‌أَ‌نْ‍‍فُسِهِمْ يَتْلُو‌ا‌ عَلَيْهِمْ ‌آيَاتِ‍‍هِ ‌وَيُزَكِّيهِمْ ‌وَيُعَلِّمُهُمُ ‌الْكِت‍‍َ‍ابَ ‌وَ‌الْحِكْمَةَ ‌وَ‌إِ‌نْ كَانُو‌ا‌ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لُ لَفِي ضَ‍‍لاَلٍ‌ مُبِينٍ
003-165 أولما أصابتكم -أيها المؤمنون- مصيبة، وهي ما أُصيب منكم يوم "أُحد" قد أصبتم مثليها من المشركين في يوم "بدْر"، قلتم متعجبين: كيف يكون هذا ونحن مسلمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا وهؤلاء مشركون؟ قل لهم -أيها النبي-: هذا الذي أصابكم هو من عند أنفسكم بسبب مخالفتكم أمْرَ رسولكموإقبالكم على جمع الغنائم. إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقِّب ‌‌‌‌لحكمه. أَ‌وَلَ‍‍مَّ‍‍ا‌ ‌أَ‍صَ‍‍ابَتْكُمْ مُ‍‍صِ‍‍يبَة‌‍ٌقَ‍‍دْ‌ ‌أَ‍صَ‍‍بْ‍‍تُمْ مِثْلَيْهَا‌ قُ‍‍لْتُمْ ‌أَنَّ‍‍ى‌ هَذَ‌ا‌ ۖ قُ‍‍لْ هُوَ‌ مِ‍‌‍نْ عِ‍‌‍نْ‍‍دِ‌ ‌أَ‌نْ‍‍فُسِكُمْ ۗ ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ عَلَى‌ كُلِّ شَ‍‍يْء‌‌ٍقَ‍‍دِيرٌ
003-166 وما وقع بكم مِن جراح أو قتل في غزوة "أُحد" يوم التقى جَمْعُ المؤمنين وجمع المشركين فكان النصر للمؤمنين أولا ثم للمشركين ثانيًا، فذلك كله بقضاء الله وقدره، وليظهر ما علمه الله في الأزل؛ ليميز المؤمنين الصادقين منكم. وَمَ‍‍ا‌ ‌أَ‍صَ‍‍ابَكُمْ يَ‍‍وْمَ ‌الْتَ‍‍قَ‍‍ى‌ ‌الْجَمْع‍‍َ‍انِ فَبِإِ‌ذْنِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَلِيَعْلَمَ ‌الْمُؤْمِنِينَ
003-167 وليعلم المنافقين الذين كشف الله ما في قلوبهم حين قال المؤمنون لهم: تعالوا قاتلوا معنا في سبيل الله، أو كونوا عونًا لنا بتكثيركم سوادنا، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون أحدًا لكنا معكم عليهم، هم للكفر في هذا اليوم أقرب منهم للإيمان؛ لأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. والله أعلم بما يُخفون في صدورهم. وَلِيَعْلَمَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ نَافَ‍‍قُ‍‍و‌اۚ ‌وَ‍قِ‍‍ي‍‍لَ لَهُمْ تَعَالَوْ‌ا‌ قَ‍‍اتِلُو‌ا‌ فِي سَب‍‍ِ‍ي‍‍لِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌أَ‌وْ‌ ‌ا‌دْفَعُو‌اۖ قَ‍‍الُو‌ا‌ لَوْ‌ نَعْلَمُ قِ‍‍تَالا‌ ً‌ لاَتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْ‍‍ر‍ِ‍‌ يَوْمَئِذٍ‌ ‌أَ‍قْ‍‍‍رَبُ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمْ لِلإِيم‍‍َ‍انِ ۚ يَ‍‍قُ‍‍ول‍‍ُ‍ونَ بِأَفْو‌اهِهِمْ مَا‌ لَ‍‍يْ‍‍سَ فِي قُ‍‍لُوبِهِمْ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ ‌أَعْلَمُ بِمَا‌ يَكْتُمُونَ
003-168 هؤلاء المنافقون هم الذين قعدوا وقالوا لإخوانهم الذين أصيبوا مع المسلمين في حربهم المشركين يوم "أُحد": لو أطاعَنا هؤلاء ما قتلوا. قل لهم -أيها الرسول-: فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين في دعواكم أنهم لو أطاعوكم ما قتلوا، وأنكم قد نجوتم منه بقعودكم عن القتال. الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ قَ‍‍الُو‌ا‌ لِأخْ‍‍وَ‌انِهِمْ ‌وَ‍قَ‍‍عَدُ‌و‌ا‌ لَوْ‌ ‌أَ‍طَ‍‍اعُونَا‌ مَا‌ قُ‍‍تِلُو‌اۗ قُ‍‍لْ فَا‌دْ‌‍رَ‌ء‍ُ‍‌و‌ا‌ عَ‍‌‍نْ ‌أَ‌نْ‍‍فُسِكُمُ ‌الْمَ‍‍وْتَ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ صَ‍‍ا‌دِقِ‍‍ينَ
003-169 ولا تظنَّنَّ -أيها النبي- أن الذين قتلوا في سبيل الله أموات لا يُحِسُّون شيئًا، بل هم أحياء حياة برزخية في جوارربهم الذي جاهدوا من أجله، وماتوا في سبيله، يجري عليهم رزقهم في الجنة، ويُنعَّمون. وَلاَ‌ تَحْسَبَ‍‍نَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ قُ‍‍تِلُو‌ا‌ فِي سَب‍‍ِ‍ي‍‍لِ ‌اللَّ‍‍هِ ‌أَمْوَ‌اتا‌ ًۚ بَلْ ‌أَحْي‍‍َ‍ا‌ءٌ‌ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ ‌‍رَبِّهِمْ يُرْ‌زَ‍قُ‍‍ونَ
003-170 لقد عَمَّتهم السعادة حين مَنَّ الله عليهم، فأعطاهم مِن عظيم جوده وواسع كرمه من النعيم والرضا ما تَقَرُّ به أعينهم، وهم يفرحون بإخوانهم المجاهدين الذين فارقوهم وهم أحياء؛ ليفوزوا كما فازوا، لِعِلْمِهم أنهم سينالون من الخير الذي نالوه، إذا استشهدوا في سبيل الله مخلصين له، وأن لا خوف عليهم فيما يستقبلون من أمور الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا. فَ‍‍رِح‍‍ِ‍ي‍‍نَ بِمَ‍‍ا‌ ‌آتَاهُمُ ‌اللَّ‍‍هُ مِ‍‌‍نْ فَ‍‍ضْ‍‍لِ‍‍هِ ‌وَيَسْتَ‍‍بْ‍‍شِر‍ُ‍‌ونَ بِ‍الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ لَمْ يَلْحَ‍‍قُ‍‍و‌ا‌ بِهِمْ مِ‍‌‍نْ خَ‍‍لْفِهِمْ ‌أَلاَّ‌ خَ‍‍وْفٌ عَلَيْهِمْ ‌وَلاَ‌ هُمْ يَحْزَنُونَ
003-171 وإنهم في فرحة غامرة بما أُعطوا من نعم الله وجزيل عطائه، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين به، بل ينمِّيه ويزيده من فضله. يَسْتَ‍‍بْ‍‍شِر‍ُ‍‌ونَ بِنِعْمَةٍ‌ مِنَ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَفَ‍‍ضْ‍‍لٍ‌ ‌وَ‌أَنَّ ‌اللَّ‍‍هَ لاَ‌ يُ‍‍ضِ‍‍ي‍‍عُ ‌أَجْ‍‍‍رَ‌الْمُؤْمِنِينَ
003-172 الذين لبُّوا نداء الله ورسوله وخرجوا في أعقاب المشركين إلى "حمراء الأسد" بعد هزيمتهم في غزوة "أُحد" مع ما كان بهم من آلام وجراح، وبذلوا غاية جهدهم، والتزموا بهدي نبيهم، للمحسنين منهم والمتقين ثواب عظيم. الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اسْتَجَابُو‌الِلَّهِ ‌وَ‌ال‍رَّس‍‍ُ‍ولِ مِ‍‌‍نْ بَعْدِ‌ مَ‍‍ا‌ ‌أَ‍صَ‍‍ابَهُمُ ‌الْ‍‍قَ‍‍رْحُ ۚ لِلَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أَحْسَنُو‌ا‌ مِ‍‌‍نْ‍‍هُمْ ‌وَ‌اتَّ‍‍قَ‍‍وْ‌ا‌ ‌أَجْ‍‍رٌ‌ عَ‍‍ظِ‍‍يمٌ
003-173 وهم الذين قال لهم بعض المشركين: إن أبا سفيان ومن معه قد أجمعوا أمرهم على الرجوع إليكم لاستئصالكم، فاحذروهم واتقوا لقاءهم، فإنه لا طاقة لكم بهم، فزادهم ذلك التخويف يقينًا وتصديقًا بوعد الله لهم، ولم يَثْنِهم ذلكعن عزمهم، فساروا إلى حيث شاء الله، وقالوا: حسبنا الله أي: كافينا، ونِعْم الوكيل المفوَّض إليه تدبير عباده. الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ قَ‍‍الَ لَهُمُ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسُ ‌إِنَّ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍اسَ قَ‍‍دْ‌ جَمَعُو‌ا‌ لَكُمْ فَاخْ‍‍شَوْهُمْ فَزَ‌ا‌دَهُمْ ‌إِيمَانا‌ ً‌ ‌وَ‍قَ‍‍الُو‌ا‌ حَسْبُنَا‌ ‌اللَّهُ ‌وَنِعْمَ ‌الْوَكِيلُ
003-174 فرجعوا من "حمراء الأسد" إلى "المدينة" بنعمة من الله بالثواب الجزيل وبفضل منه بالمنزلة العالية، وقد ازدادوا إيمانًا ويقينًا، وأذلوا أعداء الله، وفازوا بالسلامة من القتل والقتال، واتبعوا رضوان الله بطاعتهم له ولرسوله. والله ذو فضل عظيم عليهم وعلى غيرهم. فَا‌نْ‍‍‍‍قَ‍‍لَبُو‌ا‌ بِنِعْمَةٍ‌ مِنَ ‌اللَّ‍‍هِ ‌وَفَ‍‍ضْ‍‍ل‍ٍ‌ لَمْ يَمْسَسْهُمْ س‍‍ُ‍و‌ء‌ٌ‌ ‌وَ‌اتَّبَعُو‌ا‌رِ‍‍ضْ‍‍و‍َ‍‌انَ ‌اللَّ‍‍هِ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ ‌ذُ‌و‌ فَ‍‍ضْ‍‍لٍ عَ‍‍ظِ‍‍يمٍ
003-175 إنَّما المثبِّط لكم في ذلك هو الشيطان جاءكم يخوِّفكم أنصاره، فلا تخافوا المشركين؛ لأنّهم ضعاف لا ناصر لهم، وخافوني بالإقبال على طاعتي إن كنتم مصدِّقين بي، ومتبعين رسولي. إِنَّ‍‍مَا‌ ‌ذَلِكُمُ ‌ال‍‍شَّيْ‍‍طَ‍‍انُ يُ‍‍خَ‍‍وِّفُ ‌أَ‌وْلِي‍‍َ‍ا‌ءَهُ فَلاَ‌ تَ‍‍خَ‍‍افُوهُمْ ‌وَ‍خَ‍‍اف‍‍ُ‍ونِ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ مُؤْمِنِينَ
003-176 لا يُدْخِل الحزنَ إلى قلبك -أيها الرسول- هؤلاء الكفارُ بمسارعتهم في الجحود والضلال، إنهم بذلك لن يضروا الله، إنما يضرون أنفسهم بحرمانها حلاوة الإيمان وعظيم الثواب، يريد الله ألا يجعل لهم ثوابًا في الآخرة؛ لأنهم انصرفوا عن دعوة الحق، ولهم عذاب شديد. وَلاَ‌ يَحْزُ‌نْ‍‍كَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يُسَا‌رِع‍‍ُ‍ونَ فِي ‌الْكُفْ‍‍ر‍ِ‍‌ ۚ ‌إِنَّ‍‍هُمْ لَ‍‌‍نْ يَ‍‍ضُ‍‍رُّ‌و‌ا‌اللَّ‍‍هَ شَ‍‍يْ‍‍ئا‌ ًۗ يُ‍‍ر‍ِ‍ي‍‍دُ‌ ‌اللَّ‍‍هُ ‌أَلاَّ‌ يَ‍‍جْ‍‍عَلَ لَهُمْ حَ‍‍ظّ‍‍ا‌‌ ً‌ فِي ‌الآ‍‍خِ‍رَةِ ۖ ‌وَلَهُمْ عَذ‍َ‍‌ابٌ عَ‍‍ظِ‍‍يمٌ
003-177 إن الذين استبدلوا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئًا، بل ضرر فِعْلِهم يعود على أنفسهم، ولهم في الآخرة عذاب موجع. إِنَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اشْتَ‍رَ‌وُ‌ا‌ ‌الْكُفْ‍رَ‌ بِ‍الإِيم‍‍َ‍انِ لَ‍‌‍نْ يَ‍‍ضُ‍‍رُّ‌و‌ا‌اللَّ‍‍هَ شَ‍‍يْ‍‍ئا‌ ً‌ ‌وَلَهُمْ عَذ‍َ‍‌ابٌ ‌أَلِيمٌ
003-178 ولا يظننَّ الجاحدون أننا إذا أَطَلْنا أعمارهم، ومتعناهم بمُتع الدنيا، ولمتؤاخذهم بكفرهم وذنوبهم، أنهم قد نالوا بذلك خيرًا لأنفسهم، إنما نؤخر عذابهم وآجالهم؛ ليزدادوا ظلمًا وطغيانًا، ولهم عذاب يهينهم ويذلُّهم. وَلاَ‌ يَحْسَبَ‍‍نَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ ‌أَنَّ‍‍مَا‌ نُمْلِي لَهُمْ خَ‍‍يْ‍‍ر‌ٌ‌ لِأَ‌نْ‍‍فُسِهِمْ ۚ ‌إِنَّ‍‍مَا‌ نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْ‌دَ‌ا‌دُ‌و‌ا‌ ‌إِثْما‌ ًۚ ‌وَلَهُمْ عَذ‍َ‍‌ابٌ‌ مُهِينٌ
003-179 ما كان الله ليَدَعَكم أيها المصدقون بالله ورسوله العاملون بشرعه على ما أنتم عليه من التباس المؤمن منكم بالمنافق حتى يَمِيزَ الخبيث من الطيب، فيُعرف المنافق من المؤمن الصادق. وما كان مِن حكمة الله أن يطلعكم -أيها المؤمنون- على الغيب الذي يعلمه من عباده، فتعرفوا المؤمن منهم من المنافق، ولكنه يميزهم بالمحن والابتلاء، غير أن الله تعالى يصطفي من رسله مَن يشاء؛ ليطلعه على بعض علم الغيب بوحي منه، فآمنوا بالله ورسوله، وإن تؤمنوا إيمانًا صادقًا وتتقوا ربكم بطاعته، فلكم أجر عظيم عند الله. مَا‌ ك‍‍َ‍انَ ‌اللَّ‍‍هُ لِيَذَ‌‍رَ‌الْمُؤْمِن‍‍ِ‍ي‍‍نَ عَلَى‌ مَ‍‍ا‌ ‌أَ‌نْ‍‍تُمْ عَلَ‍‍يْ‍‍هِ حَتَّى‌ يَم‍‍ِ‍ي‍‍زَ‌ ‌الْ‍‍خَ‍‍ب‍‍ِ‍ي‍‍ثَ مِنَ ‌ال‍‍طَّ‍‍يِّبِ ۗ ‌وَمَا‌ ك‍‍َ‍انَ ‌اللَّ‍‍هُ لِيُ‍‍طْ‍‍لِعَكُمْ عَلَى‌ ‌الْ‍‍غَ‍‍يْ‍‍بِ ‌وَلَكِ‍‍نَّ ‌اللَّ‍‍هَ يَ‍‍جْ‍‍تَبِي مِ‍‌‍نْ ‌رُسُلِ‍‍هِ مَ‍‌‍نْ يَش‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ۖ فَآمِنُو‌ا‌ بِ‍اللَّ‍‍هِ ‌وَ‌رُسُلِ‍‍هِ ۚ ‌وَ‌إِ‌نْ تُؤْمِنُو‌ا‌ ‌وَتَتَّ‍‍قُ‍‍و‌ا‌ فَلَكُمْ ‌أَجْ‍‍رٌ‌ عَ‍‍ظِ‍‍يمٌ
003-180 ولا يظنن الذين يبخلون بما أنعم الله به عليهم تفضلا منه أن هذا البخل خير لهم، بل هو شرٌّ لهم؛ لأن هذا المال الذي جمعوه سيكون طوقًا من نار يوضع في أعناقهم يوم القيامة. والله سبحانه وتعالى هو مالك الملك، وهو الباقي بعد فناء جميع خلقه، وهو خبير بأعمالكم جميعها، وسيجازي كلا على قدر استحقاقه. وَلاَ‌ يَحْسَبَ‍‍نَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَ‍‍بْ‍‍‍‍خَ‍‍ل‍‍ُ‍ونَ بِمَ‍‍ا‌ ‌آتَاهُمُ ‌اللَّ‍‍هُ مِ‍‌‍نْ فَ‍‍ضْ‍‍لِ‍‍هِ هُوَ‌ خَ‍‍يْر‌ا‌ ً‌ لَهُمْ ۖ بَلْ هُوَ‌ شَرّ‌ٌ‌ لَهُمْ ۖ سَيُ‍‍طَ‍‍وَّ‍‍قُ‍‍ونَ مَا‌ بَ‍‍خِ‍‍لُو‌ا‌ بِ‍‍هِ يَ‍‍وْمَ ‌الْ‍‍قِ‍‍يَامَةِ ۗ ‌وَلِلَّهِ مِيرَ‍‌اثُ ‌ال‍‍سَّمَا‌و‍َ‍‌اتِ ‌وَ‌الأَ‌رْ‍ضِ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ بِمَا‌ تَعْمَل‍‍ُ‍ونَ خَ‍‍بِيرٌ
003-181 لقد سمع الله قول اليهود الذين قالوا: إن الله فقير إلينا يطلب منا أن نقرضهأموالا ونحن أغنياء. سنكتب هذا القول الذي قالوه، وسنكتب أنهم راضون بما كان مِن قَتْل آبائهم لأنبياء الله ظلمًا وعدوانًا، وسوف نؤاخذهم بذلك في الآخرة، ونقول لهم وهم في النار يعذبون: ذوقوا عذاب النار المحرقة. لَ‍قَ‍‍دْ‌ سَمِعَ ‌اللَّ‍‍هُ قَ‍‍وْلَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ فَ‍‍قِ‍‍ي‍‍ر‌ٌ‌ ‌وَنَحْنُ ‌أَ‍‍غْ‍‍نِي‍‍َ‍ا‌ءُ‌ ۘ سَنَكْتُبُ مَا‌ قَ‍‍الُو‌ا‌ ‌وَ‍قَ‍‍تْلَهُمُ ‌الأَ‌نْ‍‍بِي‍‍َ‍ا‌ءَ‌ بِ‍‍غَ‍‍يْ‍‍ر‍ِ‍‌ حَ‍‍قٍّ‌ ‌وَنَ‍‍قُ‍‍ولُ ‌ذُ‌وقُ‍‍و‌ا‌ عَذ‍َ‍‌ابَ ‌الْحَ‍‍رِي‍‍قِ
003-182 ذلك العذاب الشديد بسبب ما قدَّمتموه في حياتكم الدنيا من المعاصي القولية والفعلية والاعتقادية، وأن الله ليس بظلام للعببد. ذَلِكَ بِمَا‌ قَ‍‍دَّمَتْ ‌أَيْدِيكُمْ ‌وَ‌أَنَّ ‌اللَّ‍‍هَ لَ‍‍يْ‍‍سَ بِ‍‍ظَ‍‍لاَّم‍ٍ‌ لِلْعَبِيدِ
003-183 هؤلاء اليهود حين دُعُوا إلى الإسلام قالوا: إن الله أوصانا في التوراة ألا نصدِّق مَن جاءنا يقول: إنه رسول من الله، حتى يأتينا بصدقة يتقرب بها إلى الله، فتنزل نار من السماء فتحرقها. قل لهم -أيها الرسول-: أنتم كاذبون في قولكم؛ لأنه قد جاء آباءكم رسلٌ من قِبلي بالمعجزات والدلائل على صدقهم، وبالذي قلتم من الإتيان بالقربان الذي تأكله النار، فَلِمَ قَتَل آباؤكم هؤلاء الأنبياء إن كنتم صادقين في دعواكم؟ الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ قَ‍‍الُ‍‍و‌ا‌ ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ عَهِدَ‌ ‌إِلَيْنَ‍‍ا‌ ‌أَلاَّ‌ نُؤْمِنَ لِ‍رَس‍‍ُ‍ولٍ حَتَّى‌ يَأْتِيَنَا‌ بِ‍‍قُ‍‍رْب‍‍َ‍ان‌‍ٍ‌ تَأْكُلُهُ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌رُ‌ ۗ قُ‍‍لْ قَ‍‍دْ‌ ج‍‍َ‍ا‌ءَكُمْ ‌رُسُلٌ‌ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لِي بِ‍الْبَيِّن‍‍َ‍اتِ ‌وَبِالَّذِي قُ‍‍لْتُمْ فَلِمَ قَ‍‍تَلْتُمُوهُمْ ‌إِ‌نْ كُ‍‌‍نْ‍‍تُمْ صَ‍‍ا‌دِقِ‍‍ينَ
003-184 فإن كذَّبك -أيها الرسول- هؤلاء اليهود وغيرهم من أهل الكفر، فقد كذَّب المبطلون كثيرًا من المرسلين مِن قبلك، جاءوا أقوامهم بالمعجزات الباهرات والحجج الواضحات، والكتب السماوية التي هي نور يكشف الظلمات، والكتابِ البيِّن الواضح. فَإِ‌نْ كَذَّب‍‍ُ‍وكَ فَ‍‍قَ‍‍دْ‌ كُذِّبَ ‌رُسُلٌ‌ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لِكَ ج‍‍َ‍ا‌ء‍ُ‍‌و‌ا‌ بِ‍الْبَيِّن‍‍َ‍اتِ ‌وَ‌ال‍‍زُّبُ‍‍ر‍ِ‍‌ ‌وَ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ ‌الْمُنِي‍‍رِ
003-185 كل نفس لا بدَّ أن تذوقالموت، وبهذا يرجع جميع الخلق إلى ربهم؛ ليحاسبهم. وإنما تُوفَّون أجوركم على أعمالكم وافية غير منقوصة يوم القيامة، فمن أكرمه ربه ونجَّاه من النار وأدخله الجنة فقد نال غاية ما يطلب. وما الحياة الدنيا إلا متعة زائلة، فلا تغترُّوا بها. كُلُّ نَفْس‌‍ٍ‌ ‌ذ‍َ‍‌ائِ‍‍قَ‍‍ةُ ‌الْمَ‍‍وْتِ ۗ ‌وَ‌إِنَّ‍‍مَا‌ تُوَفَّ‍‍وْنَ ‌أُجُو‌‍رَكُمْ يَ‍‍وْمَ ‌الْ‍‍قِ‍‍يَامَةِ ۖ فَمَ‍‌‍نْ ‌زُحْزِحَ عَنِ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌ر‍ِ‍‌ ‌وَ‌أُ‌دْ‍‍خِ‍‍لَ ‌الْجَ‍‍نَّ‍‍ةَ فَ‍‍قَ‍‍دْ‌ ف‍‍َ‍ا‌زَ‌ ۗ ‌وَمَا‌ ‌الْحَي‍‍َ‍اةُ ‌ال‍‍دُّ‌نْ‍‍يَ‍‍ا‌ ‌إِلاَّ‌ مَت‍‍َ‍اعُ ‌الْ‍‍غُ‍‍رُ‌و‌رِ
003-186 لَتُخْتَبَرُنَّ -أيها المؤمنون- في أموالكم بإخراج النفقات الواجبة والمستحبَّة، وبالجوائح التي تصيبها، وفي أنفسكم بما يجب عليكم من الطاعات، وما يحلُّ بكم من جراح أو قتل وفَقْد للأحباب، وذلك حتى يتميَّز المؤمن الصادق من غيره. ولتَسمعُنَّ من اليهود والنصارى والمشركين ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك والطعن في دينكم. وإن تصبروا -أيها المؤمنون- على ذلك كله، وتتقوا الله بلزوم طاعته واجتناب معصيته، فإن ذلك من الأمور التي يُعزم عليها، وينافس فيها. لَتُ‍‍بْ‍‍لَوُنَّ فِ‍‍ي ‌أَمْوَ‌الِكُمْ ‌وَ‌أَ‌نْ‍‍فُسِكُمْ ‌وَلَتَسْمَعُ‍‍نَّ مِنَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أ‍ُ‍‌وتُو‌ا‌الْكِت‍‍َ‍ابَ مِ‍‌‍نْ قَ‍‍بْ‍‍لِكُمْ ‌وَمِنَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أَشْ‍رَكُ‍‍و‌ا‌ ‌أَ‌ذ‌ى‌‌ ً‌ كَثِي‍‍ر‌ا‌ ًۚ ‌وَ‌إِ‌نْ تَ‍‍صْ‍‍بِرُ‌و‌ا‌ ‌وَتَتَّ‍‍قُ‍‍و‌ا‌ فَإِنَّ ‌ذَلِكَ مِ‍‌‍نْ عَزْمِ ‌الأُمُو‌رِ
003-187 واذكر -أيها الرسول- إذ أخذ الله العهد الموثق على الذين آتاهم الله الكتاب من اليهود والنصارى، فلليهود التوراة وللنصارى الإنجيل؛ ليعملوا بهما، ويبينوا للناس ما فيهما، ولا يكتموا ذلك ولا يخفوه، فتركوا العهد ولم يلتزموا به، وأخذوا ثمنا بخسًا مقابل كتمانهم الحق وتحريفهم الكتاب، فبئس الشراء يشترون، في تضييعهم الميثاق،وتبديلهم الكتاب. وَ‌إِ‌ذْ‌ ‌أَ‍خَ‍‍ذَ‌ ‌اللَّ‍‍هُ مِيث‍‍َ‍اقَ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌أ‍ُ‍‌وتُو‌ا‌الْكِت‍‍َ‍ابَ لَتُبَيِّنُ‍‍نَّ‍‍هُ لِل‍‍نّ‍‍َ‍اسِ ‌وَلاَ‌ تَكْتُمُونَ‍‍هُ فَنَبَذ‍ُ‍‌وهُ ‌وَ‌ر‍َ‍‌ا‌ءَ‌ ظُ‍‍هُو‌رِهِمْ ‌وَ‌اشْتَ‍رَ‌وْ‌ا‌ بِ‍‍هِ ثَمَنا‌‌ ًقَ‍‍لِيلا‌‌ ًۖ فَبِئْسَ مَا‌ يَشْتَرُ‌ونَ
003-188 ولا تظنن الذين يفرحون بما أَتَوا من أفعال قبيحة كاليهود والمنافقين وغيرهم، ويحبون أن يثني عليهم الناس بما لم يفعلوا، فلا تظننهم ناجين من عذاب الله في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب موجع. وفي الآية وعيد شديد لكل آت لفعل السوء معجب به، ولكل مفتخر بما لم يعمل، ليُثنيَ عليه الناس ويحمدوه. لاَ‌ تَحْسَبَ‍‍نَّ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَفْ‍رَح‍‍ُ‍ونَ بِمَ‍‍ا‌ ‌أَتَو‌ا‌ ‌وَيُحِبّ‍‍ُ‍ونَ ‌أَ‌نْ يُحْمَدُ‌و‌ا‌ بِمَا‌ لَمْ يَفْعَلُو‌ا‌ فَلاَ‌ تَحْسَبَ‍‍نَّ‍‍هُمْ بِمَفَا‌زَةٍ‌ مِنَ ‌الْعَذ‍َ‍‌ابِ ۖ ‌وَلَهُمْ عَذ‍َ‍‌ابٌ ‌أَلِيمٌ
003-189 ولله وحده ملك السموات والأرض وما فيهما، والله على كل شيء قدير. وَلِلَّهِ مُلْكُ ‌ال‍‍سَّمَا‌و‍َ‍‌اتِ ‌وَ‌الأَ‌رْ‍ضِ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ عَلَى‌ كُلِّ شَ‍‍يْء‌‌ٍقَ‍‍دِيرٌ
003-190 إن في خلق السموات والأرض على غير مثال سابق، وفي تعاقُب الليل والنهار، واختلافهما طولا وقِصَرًا لدلائل وبراهين عظيمة على وحدانية الله لأصحاب العقول السليمة. إِنَّ فِي خَ‍‍لْ‍‍قِ ‌ال‍‍سَّمَا‌و‍َ‍‌اتِ ‌وَ‌الأَ‌رْ‍ضِ ‌وَ‌اخْ‍‍تِلاَفِ ‌ال‍‍لَّ‍‍يْ‍‍لِ ‌وَ‌ال‍‍نَّ‍‍ه‍‍َ‍ا‌ر‍ِ‍‌ لَآي‍‍َ‍ات‍ٍ‌ لِأ‌ولِي ‌الأَلْبَابِ
003-191 الذين يذكرون الله في جميع أحوالهم: قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، وهم يتدبرون في خلق السموات والأرض، قائلين: يا ربنا ما أوجدت هذا الخلق عبثًا، فأنت منزَّه عن ذلك، فاصْرِف عنا عذاب النار. الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ يَذْكُر‍ُ‍‌ونَ ‌اللَّ‍‍هَ قِ‍‍يَاما‌ ً‌ ‌وَ‍قُ‍‍عُو‌د‌ا‌ ً‌ ‌وَعَلَى‌ جُنُوبِهِمْ ‌وَيَتَفَكَّر‍ُ‍‌ونَ فِي خَ‍‍لْ‍‍قِ ‌ال‍‍سَّمَا‌و‍َ‍‌اتِ ‌وَ‌الأَ‌رْ‍ضِ ‌‍رَبَّنَا‌ مَا‌ خَ‍‍لَ‍‍قْ‍‍تَ هَذَ‌ا‌ بَاطِ‍‍لا‌‌ ً‌ سُ‍‍بْ‍‍حَانَكَ فَ‍‍قِ‍‍نَا‌ عَذ‍َ‍‌ابَ ‌ال‍‍نَّ‍‍ا‌رِ
003-192 يا ربنا نجِّنا من النار، فإنك -يا ألله- مَن تُدخِلْه النار بذنوبه فقد فضحته وأهنته، وما للمذنبين الظالمين لأنفسهم من أحد يدفع عنهم عقاب الله يوم القيامة. رَبَّنَ‍‍ا‌ ‌إِنَّ‍‍كَ مَ‍‌‍نْ تُ‍‍دْ‍‍خِ‍‍لِ ‌ال‍‍نّ‍‍َ‍ا‌‍رَ‌ فَ‍‍قَ‍‍دْ‌ ‌أَ‍خْ‍‍زَيْتَ‍‍هُ ۖ ‌وَمَا‌ لِل‍‍ظَّ‍‍الِم‍‍ِ‍ي‍‍نَ مِ‍‌‍نْ ‌أَ‌نْ‍‍‍‍صَ‍‍ا‌رٍ
003-193 يا ربنا إننا سمعنا مناديا -هو نبيك محمد صلى الله عليه وسلم- ينادي الناس للتصديق بك، والإقرار بوحدانيتك،والعمل بشرعك، فأجبنا دعوته وصدَّقنا رسالته، فاغفر لنا ذنوبنا، واستر عيوبنا، وألحقنا بالصالحين. رَبَّنَ‍‍ا‌ ‌إِنَّ‍‍نَا‌ سَمِعْنَا‌ مُنَا‌د‍ِ‍ي‍‍ا‌ ً‌ يُنَا‌دِي لِلإِيم‍‍َ‍انِ ‌أَ‌نْ ‌آمِنُو‌ا‌ بِ‍رَبِّكُمْ فَآمَ‍‍نَّ‍‍ا‌ ۚ ‌‍رَبَّنَا‌ فَاغْ‍‍فِ‍‍رْ‌ لَنَا‌ ‌ذُنُوبَنَا‌ ‌وَكَفِّ‍‍رْ‌ عَ‍‍نَّ‍‍ا‌ سَيِّئ‍‍َ‍‍اتِنَا‌ ‌وَتَوَفَّنَا‌ مَعَ ‌الأَبْ‍‍‍رَ‌ا‌رِ
003-194 يا ربنا أعطنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من نصر وتمكين وتوفيق وهداية، ولا تفضحنا بذنوبنا يوم القيامة، فإنك كريم لا تُخْلف وعدًا وَعَدْتَ به عبادك. رَبَّنَا‌ ‌وَ‌آتِنَا‌ مَا‌ ‌وَعَ‍‍دْتَنَا‌ عَلَى‌ ‌رُسُلِكَ ‌وَلاَ‌ تُ‍‍خْ‍‍زِنَا‌ يَ‍‍وْمَ ‌الْ‍‍قِ‍‍يَامَةِ ۗ ‌إِنَّ‍‍كَ لاَ‌ تُ‍‍خْ‍‍لِفُ ‌الْمِيعَا‌دَ
003-195 فأجاب الله دعاءهم بأنه لا يضيع جهد مَن عمل منهم عملا صالحًا ذكرًا كان أو أنثى، وهم في أُخُوَّة الدين وقَبول الأعمال والجزاء عليها سواء، فالذين هاجروا رغبةً في رضا الله تعالى، وأُخرجوا من ديارهم، وأوذوا في طاعة ربهم وعبادتهم إيّاه، وقاتلوا وقُتِلوا في سبيل الله لإعلاء كلمته، ليسترنَّ الله عليهم ما ارتكبوه من المعاصي، كما سترها عليهم في الدنيا، فلا يحاسبهم عليها، وليدخلنَّهم جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار جزاء من عند الله، والله عنده حسن الثواب. فَاسْتَج‍‍َ‍ابَ لَهُمْ ‌‍رَبُّهُمْ ‌أَنِّ‍‍ي لاَ‌ ‌أُ‍ضِ‍‍ي‍‍عُ عَمَلَ عَامِلٍ‌ مِ‍‌‍نْ‍‍كُمْ مِ‍‌‍نْ ‌ذَكَرٍ‌ ‌أَ‌وْ‌ ‌أُ‌نْ‍‍ثَى‌ ۖ بَعْ‍‍ضُ‍‍كُمْ مِ‍‌‍نْ بَعْ‍‍ضٍۖ فَالَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ هَاجَرُ‌و‌ا‌ ‌وَ‌أُ‍خْ‍‍رِجُو‌ا‌ مِ‍‌‍نْ ‌دِيَا‌رِهِمْ ‌وَ‌أ‍ُ‍‌و‌ذُ‌و‌ا‌ فِي سَبِيلِي ‌وَ‍قَ‍‍اتَلُو‌ا‌ ‌وَ‍قُ‍‍تِلُو‌ا‌ لَأُكَفِّ‍رَنَّ عَ‍‌‍نْ‍‍هُمْ سَيِّئ‍‍َ‍‍اتِهِمْ ‌وَلَأُ‌دْ‍‍خِ‍‍لَ‍‍نَّ‍‍هُمْ جَ‍‍نّ‍‍َ‍ات‌‍ٍ‌ تَ‍‍جْ‍‍رِي مِ‍‌‍نْ تَحْتِهَا‌ ‌الأَ‌نْ‍‍ه‍‍َ‍ا‌رُ‌ ثَوَ‌ابا‌ ً‌ مِ‍‌‍نْ عِ‍‌‍نْ‍‍دِ‌ ‌اللَّ‍‍هِ ۗ ‌وَ‌اللَّهُ عِ‍‌‍نْ‍‍دَهُ حُسْنُ ‌ال‍‍ثَّوَ‌ابِ
003-196 لا تغتر -أيها الرسول- بما عليه أهل الكفر بالله من بسطة في العيش، وسَعَة في الرزق، وانتقالهم من مكان إلى مكان للتجارات وطلب الأرباح والأموال، فعمَّا قليل يزول هذا كلُّه عنهم، ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة. لاَ‌ يَ‍‍غُ‍رَّنَّ‍‍كَ تَ‍‍قَ‍‍لُّبُ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ كَفَرُ‌و‌ا‌ فِي ‌الْبِلاَ‌دِ
003-197 متاع قليل زائل، ثم يكون مصيرهم يوم القيامة إلى النار، وبئس الفراش. مَت‍‍َ‍اع‌‍ٌقَ‍‍ل‍‍ِ‍ي‍‍ل‌‍ٌ‌ ثُ‍‍مَّ مَأْ‌وَ‌اهُمْ جَهَ‍‍نَّ‍‍مُ ۚ ‌وَبِئْسَ ‌الْمِهَا‌دُ
003-198 لكن الذين خافوا ربهم، وامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، قد أعدَّ الله لهم جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار، هي منزلهم الدائم لا يخرجون منه. وما عد الله أعظم وأفضل لأهل الطاعة مما يتقلب فيه الذين كفروا من نعيم الدنيا. لَكِنِ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌اتَّ‍‍قَ‍‍وْ‌ا‌ ‌‍رَبَّهُمْ لَهُمْ جَ‍‍نّ‍‍َ‍ات‌‍ٌ‌ تَ‍‍جْ‍‍رِي مِ‍‌‍نْ تَحْتِهَا‌ ‌الأَ‌نْ‍‍ه‍‍َ‍ا‌رُ‌ خَ‍‍الِد‍ِ‍ي‍‍نَ فِيهَا‌ نُزُلا‌ ً‌ مِ‍‌‍نْ عِ‍‌‍نْ‍‍دِ‌ ‌اللَّ‍‍هِ ۗ ‌وَمَا‌ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ ‌اللَّ‍‍هِ خَ‍‍يْ‍‍ر‌ٌ‌ لِلأَبْ‍‍‍رَ‌ا‌رِ
003-199 وإن بعضًا من أهل الكتاب لَيصدِّق بالله ربًّا واحدًا وإلهًا معبودًا، وبما أُنزِل إليكم من هذا القرآن، وبما أُنزِل إليهم من التوراة والإنجيل متذللين لله، خاضعين له، لا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلا من حطام الدنيا، ولا يكتمون ما أنزل الله، ولا يحرفونه كغيرهم من أهل الكتاب. أولئك لهم ثواب عظيم عنده يوم يلقونه، فيوفيهم إياه غير منقوص. إنَّ الله سريع الحساب، لا يعجزه إحصاء أعمالهم، ومحاسبتهم عليها. وَ‌إِنَّ مِ‍‌‍نْ ‌أَهْلِ ‌الْكِت‍‍َ‍ابِ لَمَ‍‌‍نْ يُؤْمِنُ بِ‍اللَّ‍‍هِ ‌وَمَ‍‍ا‌ ‌أُ‌نْ‍‍زِلَ ‌إِلَيْكُمْ ‌وَمَ‍‍ا‌ ‌أُ‌نْ‍‍زِلَ ‌إِلَيْهِمْ خَ‍‍اشِع‍‍ِ‍ي‍‍نَ لِلَّهِ لاَ‌ يَشْتَر‍ُ‍‌ونَ بِآي‍‍َ‍اتِ ‌اللَّ‍‍هِ ثَمَنا‌‌ ًقَ‍‍لِيلاً‌ ۗ ‌أ‍ُ‍‌وْل‍‍َ‍ائِكَ لَهُمْ ‌أَجْ‍‍رُهُمْ عِ‍‌‍نْ‍‍دَ‌ ‌‍رَبِّهِمْ ۗ ‌إِنَّ ‌اللَّ‍‍هَ سَ‍‍ر‍ِ‍ي‍‍عُ ‌الْحِسَابِ
003-200 يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اصبروا على طاعة ربكم، وعلى ما ينزل بكم من ضر وبلاء، وصابروا أعداءكم حتى لا يكونوا أشد صبرًا منكم، وأقيموا على جهاد عدوي وعدوكم، وخافوا الله في جميع أحوالكم؛ رجاء أن تفوزوا برضاه في الدنيا والآخرة. يَ‍‍ا‌ ‌أَيُّهَا‌ ‌الَّذ‍ِ‍ي‍‍نَ ‌آمَنُو‌ا‌اصْ‍‍بِرُ‌و‌ا‌ ‌وَ‍صَ‍‍ابِرُ‌و‌ا‌ ‌وَ‌‍رَ‌ابِ‍‍طُ‍‍و‌ا‌ ‌وَ‌اتَّ‍‍قُ‍‍و‌ا‌اللَّ‍‍هَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
Toggle to highlight thick letters خصضغطقظ رَ
Next Sūrah